يبدو أن «رسوم الموانئ البحرية» ستصبح العنوان القادم الأبرز للنزاعات الاقتصادية طويلة المدى بين الولايات المتحدة والصين.. صراعٌ تجاوزت أبعاده حدود السلع وصادرات المعادن النادرة والتكنولوجيا، لتُبحر في أعماق البحار.
ففي خطوة تُنذر بتجدد الحرب التجارية الممتدة لأكثر من خمس سنوات بين أكبر قوتين اقتصاديتين عالميتين، فرضت وزارة النقل الصينية رسوماً خاصة على السفن الأمريكية المتجهة إلى موانئها، رداً على قرار واشنطن بفرض رسوم مماثلة على الناقلات الصينية.
أكدت الوزارة أن أجور الرسو الجديدة تأتي «كإجراء مضاد مشروع» ضد ما وصفته بـ«الممارسات الخاطئة والتمييزية» من جانب الولايات المتحدة، التي «تلحق أضراراً جسيمة بالمصالح المشروعة لصناعة الشحن الصينية، وتتعارض مع مبدأ المنافسة العادلة، وتُقوّض النظام الاقتصادي والتجاري الدولي».
أصل المشكلة
القرار الأمريكي الذي فجّر التصعيد الحالي، يقضي بفرض 50 دولاراً لكل طن صافٍ من الحمولة على السفن المملوكة أو المشغَّلة من قبل جهات صينية، على أن ترتفع الرسوم سنوياً بمقدار 30 دولاراً حتى تصل إلى 140 دولاراً للطن بحلول عام 2028، مع تحديد سقف خمس رحلات سنوياً لكل سفينة.
وتنقسم الرسوم الأمريكية إلى شريحتين، تشمل الأولى السفن المملوكة أو المشغَّلة من قبل شركات صينية أو تلك التي صُنعت في الصين، وتبلغ رسومها الأولية 50 دولاراً للطن.
أما الشريحة الثانية فتشمل السفن المملوكة لشركات غير صينية لكنها مبنية في أحواض صينية، وتُفرض عليها رسوم أقل تبلغ 18 دولاراً للطن، أو 120 دولاراً للحاوية الواحدة، أيّهما أعلى.
وتشيـــــر تقـــديــــــرات «Vespucci Maritime»، المتخصصة في تحليل واستراتيجيات قطاع الشحن البحري، إلى أن سفينة حاويات صينية بطاقة 13000 حاوية مكافئة، وبحمولة صافية تبلغ نحو 65000 طن، ستدفع إلى الولايات المتحدة رسوماً 3.25 مليون دولار عن كل رحلة ابتداءً من الموعد النهائي، أي 250 دولاراً للحاوية الواحدة في حال كانت السفينة ممتلئة بالكامل.
وباحتساب الحد الأقصى (خمس رحلات سنوياً)، ستصل الرسوم السنوية إلى 16.25 مليون دولار لكل سفينة. على أن يرتفع الرقم إلى 9.1 مليون دولار في الرحلة الواحدة بحلول 2028، وبالتالي سيكون المجموع 45.5 مليون دولار سنوياً، أي نحو 700 دولار للحاوية الواحدة.
رداً على قرار واشنطن، أعلنت وزارة النقل الصينية أن جميع السفن المملوكة أو المشغَّلة من قبل شركات أو أفراد أمريكيين، أو تلك التي ترفع العلم الأمريكي، أو صُنعت في الولايات المتحدة، ستخضع لرسوم مقدارها 400 يوان (نحو 56 دولاراً) لكل طن صافٍ في الرحلة الواحدة، عند رسوها في الموانئ الصينية.
وستُفرض هذه الرسوم بحدٍّ أقصى خمس مرات سنوياً على السفينة نفسها، على أن ترتفع وصولاً إلى 1120 يواناً (157 دولاراً) للطن عام 2028.
ويدخل القرار حيّز التنفيذ الثلاثاء، بالتزامن مع بدء الولايات المتحدة تطبيق رسومها ذات الصلة.
خسائر شركات الشحن
تشير تقديرات «ألفالاينر» إلى أن الرسوم الأمريكية وحدها قد تُكلّف أكبر عشرة مشغلي سفن في العالم نحو 3.2 مليار دولار خلال العام المقبل. ورغم أن بعض الشركات بدأت بإعادة توزيع أساطيلها لتفادي تلك الرسوم، إلا أن حجم التجارة البحرية بين البلدين يجعل من الصعب تحييد التأثير كلياً. في المقابل، يرى محللون أن الرسوم الصينية المضادة ستؤثر بشكل مباشر على الشركات الأمريكية العاملة في آسيا، وعلى رأسها الشركات المالكة أو المستأجرة للسفن الأمريكية.
ورغم أنها لا تمثل سوى نحو 5% من الأسطول العالمي من حيث الملكية الفعلية، وهي نسبة صغيرة مقارنة بمُلّاك السفن من الصين واليونان واليابان، فإنها ذات أثر نوعي في حركة الشحن العابرة للمحيطات.
يبدو أن «رسوم الموانئ البحرية» ستصبح العنوان القادم الأبرز للنزاعات الاقتصادية طويلة المدى بين الولايات المتحدة والصين.. صراعٌ تجاوزت أبعاده حدود السلع وصادرات المعادن النادرة والتكنولوجيا، لتُبحر في أعماق البحار.
ففي خطوة تُنذر بتجدد الحرب التجارية الممتدة لأكثر من خمس سنوات بين أكبر قوتين اقتصاديتين عالميتين، فرضت وزارة النقل الصينية رسوماً خاصة على السفن الأمريكية المتجهة إلى موانئها، رداً على قرار واشنطن بفرض رسوم مماثلة على الناقلات الصينية.
إعفاءات محدودة
تشمل الإعفـــاءات الأمريكيــة من الرسوم بعض الفئات مثل السفن الأمريكية المشاركة في البرامج البحرية الحكومية، وسفن الحاويات التي تقل سعتها عن 4 آلاف حاوية، وســفن البضائــــع الجافــــة التي تقل حمولتها عن 55000 ألف طن، بالإضافة إلى السفن الفارغة أو العاملة في خطوط بحرية قصيرة لا تتجــــاوز 2000 ميل بحري. فضـــلاً عن ناقلات الغاز الطبيعي المسال والسفن الكيميائية المتخصصة.ورغم وجود خيـــار للإعفاء عند شراء سفن أمريكية الصنع، فإن القدرة الإنتاجية المحدودة لأحواض السفن الأمريكية تجعل هذا الإعفاء نظرياً، إذ تتركز الأولوية حالياً في بنــــاء السفن العسكرية وسفن الغاز والنفط.
0 تعليق