«القرحة» أحد أمراض الجهاز الهضمي الشائعة، وهي حالة مؤلمة تؤثر على جودة حياة المصاب وأنشطته اليومية، وإنتاجيته، وصحته العامة، وتؤدي إلى مضاعفات خطيرة إذا لم تُعالج مبكراً، خصوصاً أن مضاعفاتها خطيرة ومزعجة نتيجة تقرحاتها المفتوحة في بطن المعدة أو الاثني عشر، وتراوح شدتها بين خفيفة وشديدة، ومع ذلك يطلق الأطباء بارقة أمل أن علاجها والتخلص منها ليس صعباً متى شُخِّصت بشكل جيد وداوم المصاب على تناول الأدوية أولاً بأول. وتشير الدراسات إلى أن شخصاً واحداً من كل 10 يصاب بها في مرحلة ما من حياته، فيما تؤكد الأرقام السنوية تسجيل 500 ألف حالة إصابة بقرحة المعدة، وأن 10% من البالغين حول العالم يُصابون بالقرحة الهضمية في مرحلة ما من حياتهم، وأشارت دراسات أخرى، إلى أن 1% من سكان الولايات المتحدة يعانون من قرحة المعدة، وأن عدد الوفيات بسببها يقدر بنحو 10,000 سنوياً، والمُدخِّنون أكثر إصابة بالقرحة. وبيّنت وزارة الصحة السعودية، أن قرحة المعدة جرح عميق في بطانة القناة الهضمية بسبب تآكل في الغشاء الداخلي المبطِّن للجزء العلوي من الجهاز الهضمي، ويمكن أن تُسبِّب آلاماً أو اضطراباً في المعدة، أو تؤدي إلى نزيف داخلي. وفي بعض الحالات تلتئم القرحة الهضمية دون علاج، والعديد من المصابين يحتاجون إلى علاج لتخفيف الأعراض والوقاية من المضاعفات.
الجرثومة الحلزونية والطعام المهيّج
استشاري أمراض الجهاز الهضمي والكبد الدكتور عبدالله المحمود، أوضح أن قرحة المعدة هي تآكل في الغشاء المخاطي المبطن لجدار المعدة الداخلي، ينشأ عندما يختل التوازن بين إفراز الأحماض الهاضمة والعوامل الواقية التي تحمي بطانة المعدة، والخلل يؤدي إلى حدوث جرح مفتوح يسبب ألماً مزمناً، وشعوراً بالحرقة وعدم الارتياح في الجزء العلوي من البطن، ويُصنَّف هذا المرض ضمن ما يُعرف بـ«القرحة الهضمية» التي تشمل أيضاً قرحة الاثني عشر، وهي أكثر شيوعاً من قرحة المعدة نفسها.
وقال الاستشاري المحمود لـ«عكاظ»: إن بعض الدراسات قدرت أن نحو 5 إلى 10% من البالغين قد يُصابون بقرحة هضمية في مرحلة من حياتهم، وهي نسبة تجعلها من أكثر أمراض الجهاز الهضمي انتشاراً عالمياً.
وأشارت دراسات إلى أن السبب الأكثر شيوعاً هو العدوى ببكتيريا تُعرف باسم «الجرثومة الحلزونية»، وهي بكتيريا دقيقة قادرة على العيش في بيئة المعدة الحمضية، وتُحدث التهابات مزمنة قد تتطور إلى تقرّحات.
ويأتي بعد ذلك الاستخدام الطويل أو المفرط لمسكّنات الألم مثل الأسبرين والإيبوبروفين وبعض مضادات الالتهاب غير الستيرويدية التي تضعف الغشاء الواقي للمعدة، كما تُسهم بعض العوامل المساعدة في زيادة احتمالية الإصابة أو تأخير الشفاء؛ منها: التدخين، وتناول الكحول والمشروبات الغازية، والضغوط النفسية والتوتر المستمر، والإفراط في تناول الكافيين والأطعمة المهيّجة، ووجود تاريخ عائلي أو أمراض مزمنة كالفشل الكلوي أو أمراض الكبد.
هل لها علاقة بالأطعمة الحارقة ؟
عن أعراض قرحة المعدة، يقول الدكتور المحمود إن الأعراض تختلف باختلاف موقع القرحة وشدتها، لكن أكثرها شيوعاً ألم حارق أو ضغط في الجزء العلوي من البطن، يزداد بعد الأكل أو في الليل، والغثيان أو الميل للتقيؤ، والانتفاخ والشعور بالامتلاء السريع، وفقدان الشهية أو نقص الوزن عند الحالات المزمنة.
وفي بعض الأحيان، لا تظهر أي أعراض واضحة حتى تتطور القرحة إلى نزيف داخلي يظهر على شكل تقيؤ دموي أو براز داكن اللون، وهي حالة تستدعي التدخل الطبي العاجل.
ويضيف استشاري أمراض الجهاز الهضمي والكبد المحمود، أن العدوى بالجرثومة الحلزونية قابلة للانتقال بين الأفراد، غالباً عبر اللعاب أو الطعام أو المياه الملوثة، خصوصاً في البيئات التي تقل فيها معايير النظافة، لذا يُنصح بتجنّب مشاركة أدوات الطعام والعناية الشخصية، والحرص على غسل اليدين بانتظام، خصوصاً قبل الأكل وبعد استخدام الحمام، ومع ذلك، لا تُعد جميع حالات القرحة معدية؛ فبعضها ناتج عن الأدوية أو العادات الغذائية أو التوتر النفسي.
والأطعمة الحارة والمشروبات الغازية لا تُسبّب القرحة مباشرة، لكنها قد تُفاقم الأعراض لدى المصابين بها وتؤخر شفاء الغشاء المخاطي، لذلك يُفضَّل تقليلها أو تجنّبها إلى جانب الامتناع عن التدخين والكافيين الزائد والمأكولات الدهنية.
استمع لجسدك
عن الوقاية يقول استشاري أمراض الجهاز الهضمي والكبد الدكتور المحمود: إنها تبدأ بتغيير نمط الحياة نحو الأفضل، بتناول الوجبات بانتظام وتجنُّب الأكل المتأخر ليلاً، والإقلاع عن التدخين والكحول، وعدم استخدام المسكّنات إلا عند الضرورة وباستشارة الطبيب، ومعالجة العدوى البكتيرية فور تشخيصها، فالعلاج يعتمد في حالة العدوى بالبكتيريا الحلزونية على المضادات الحيوية ومثبّطات إفراز الحمض، وفي الحالات غير البكتيرية بالأدوية التي تقلل الحموضة وتحمي بطانة المعدة. ومن الوقاية أيضاً تعديل نمط الحياة، وفي حالات نادرة قد نحتاج للتدخلات الجراحية عند حدوث مضاعفات كالنزيف أو «الانثقاب».
ويحذر الدكتور المحمود، من التهاون في العلاج، ويقول: إذا لم تُعالج القرحة في الوقت المناسب، فقد تمتد لتؤثر على وظائف المعدة والاثني عشر، مسببة مضاعفات خطيرة مثل نزيف الجهاز الهضمي العلوي، وانثقاب جدار المعدة ما يؤدي إلى التهاب الغشاء البطني، وتضيّق مخرج المعدة نتيجة التندّب المزمن، ولهذا السبب، فإن التشخيص المبكر والعلاج المناسب تحت إشراف طبي مختص يضمنان شفاء كاملاً ويمنعان المضاعفات.
وختم بأن قرحة المعدة ليست مرضاً بسيطاً، كما يعتقد البعض، لكنها أيضاً ليست مستعصية على العلاج متى ما تم اكتشافها والتعامل معها بالشكل الصحيح، فالوعي الصحي، والالتزام بتوصيات الطبيب، وتجنب العادات الضارة، هي مفاتيح الوقاية والعلاج معاً، ولعل أهم رسالة يمكن أن نوجهها للقارئ هي: استمع لجسدك، فالألم المتكرر ليس عرضاً عابراً، بل قد يكون إنذاراً مبكراً يمكن أن ينقذك من مضاعفات جسيمة.
الوصفات العشبية.. مخفِّفة فقط
استشارية طب الأسرة بمركز صحي الفضيلة التابع لمستشفى الملك عبدالعزيز بجدة الدكتورة إيمان القرشي، أوضحت لـ«عكاظ»، أن القرحة الهضمية نوعان: قرحة المعدة وقرحة الاثني عشر، وتختلف الأعراض قليلاً، فقرحة المعدة يزداد ألمها بعد تناول الطعام مباشرة، وقرحة الاثني عشر يظهر ألمها بعد ساعات من تناول الطعام، ويخف بعد الأكل أو شرب الحليب. والتخلص من قرحة المعدة، وعلاجها يكون في أغلب الحالات دوائياً بالكامل، ويشمل أدوية تقلل حموضة المعدة ومضادات للبكتيريا المسببة للقرحة، أما الجراحة فتكون نادرة وتقتصر على الحالات المعقّدة أو التي يحدث فيها نزيف أو ثقب.
وتؤكد استشارية طب الأسرة الدكتورة القرشي، أن العلاج عادة سهل وفعّال إذا تم الالتزام به، وتتحسن الحالة خلال أسابيع قليلة، أما الحالات المزمنة فتحتاج متابعة أطول لتجنّب عودة الأعراض. وأشارت إلى اختلاف آلام القرحات بين خفيفة وشديدة بحسب عمق القرحة ومكانها ومدى تهيّج الغشاء المخاطي. وقد تكون الأعراض خفيفة في البداية، لكنها تزداد مع تناول أطعمة مهيجة، أو مع التوتر، وتناول المسكنات والدهون التي تُبطئ إفراغ المعدة وتزيد إفراز الحمض، ما يسبب انتفاخاً وثقلاً وألماً لدى المصابين بالقرحة أو الالتهابات المعدية.
وألمحت الدكتورة القرشي، إلى عدم الاعتماد على الوصفات الطبيعية في علاج قرحة المعدة، فبعض هذه الوصفات قد تخفف الأعراض مؤقتاً بفضل خصائصها المهدئة، لكنها ليست علاجاً أساسياً، فالاعتماد على العلاج الطبي المثبت علمياً هو الأهم لضمان شفاء تام ومنع المضاعفات.
ماذاتعرف عن «البكتيريا البوابية»؟
استشاري طب الباطنة الدكتور عبدالله باعطية، أشار لـ«عكاظ»، إلى أن القرحة الهضمية جرح أو تآكل في البطانة الداخلية للمعدة أو الاثني عشر، وتحدث عندما تكون هناك زيادة في الحمض، أو عندما تتكسر الطبقة الواقية من المخاط على البطانة، وهناك عدة أسباب أهمها وأكثرها شيوعاً الإصابة بعدوى «البكتيريا الملوية البوابية» أو ما يسمى «جرثومة المعدة» التي تؤدي إلى زيادة في الحمض، والتهاب في الجدار، واختلال في الطبقة المخاطية، والاستخدام المزمن لمضادات الالتهاب غير الستيرويدية التي تؤدي إلى اختلال في الطبقة المخاطية فتكون عرضة للالتهاب والإصابة بالقرحة.
وأوضح أن من أبرز أعراض القرحة الهضمية ألم أو حرقة في الجزء العلوي من البطن يزيد مع الجوع أو بعد الأكل حسب موقع القرحة، والغثيان أو القيء، وعسر الهضم والتجشؤ أو الشعور بالامتلاء، وفقدان الوزن، وفي الحالات الشديدة قد تصل المضاعفات إلى قيء دموي أو البراز الأسود الذي يدل على وجود نزيف من القرحة، أو يؤدي إلى ثقب أو انسداد في المسار الهضمي، ونادراً ما تكون دون أعراض.
وينصح الاستشاري باعطية، بضرورة مراجعة طبيب الباطنة والجهاز الهضمي عند ظهور الأعراض، والتوجه إلى الطوارئ في حال ظهور قيء دموي أو قيء داكن، أو وجود دم في البراز، أو براز أسود مصاحب بدوخة أو إغماء، أو وجود ألم شديد في أعلى البطن، ويتولى الكادر الطبي تسجيل التاريخ المرضي والفحص السريري وإجراء التحاليل والأشعة والمنظار لتشخيص الحالة وتقديم العلاج المناسب.
هكذا تتحول إلى «سرطان»
استشاري الباطنة الدكتور باعطية، حذر أيضاً من إهمال العلاج، وقال إن القرحة الهضمية قد تتحول إلى قرحة سرطانية، خصوصاً إذا كانت القرحة في المعدة لفترة طويلة دون علاج، والمسبب هي البكتيريا الملوية البوابية، ووجود تاريخ مرضي في العائلة بالإصابة بسرطان المعدة، فالمتابعة الدورية، والتنظير الدوري، مع أخذ العيّنات للتشخيص المبكر؛ علاج حاسم.
وينفي باعطية ما يشاع بتعايش المريض مع أعراض القرحة الهضمية، ناصحاً بمتابعة الطبيب، وتنظيم العادات الغذائية عن طريق الأكل البسيط المتعدد خلال اليوم، وتناول وجبة عشاء خفيفة، وتجنب الأكل قبل النوم بساعتين إلى ثلاث ساعات، والابتعاد عن الأكل الدهني، والابتعاد أو التقليل من المشروبات عالية الكافيين، والإقلاع عن التدخين ومنتجات التبغ الأخرى، وكلها هذه وقاية وعلاج لمرض قرحة المعدة.
أخبار ذات صلة

 
            
0 تعليق