ترامب وتاكايتشي.. والعصر الذهبي الجديد - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نايجل غرين*

لم يكن إعلان دونالد ترامب عن «عصر ذهبي جديد» مع اليابان مجرد لفتة دبلوماسية، بل هو إشارة محورية للمستثمرين.
فالشراكة المتجددة بين واشنطن وطوكيو ترسم ملامح المرحلة التالية للأسواق العالمية، وتعيد تشكيل أولويات الاستثمار في مجالات الدفاع والتكنولوجيا والطاقة. كان الاجتماع بين ترامب ورئيسة الوزراء اليابانية الجديدة، سانا تاكايتشي، مليئا بالرمزية لكنه قائم على أسس اقتصادية.
يتقاسم الزعيمان التركيز على المرونة الوطنية والاكتفاء الذاتي والنمو من خلال الاستراتيجية الصناعية. وسيؤثر هذا التوافق على تدفقات رأس المال إلى ما هو أبعد من آسيا. بالنسبة للمستثمرين، تمثل هذه العلاقة فرصة على نطاق لم نشهده منذ ازدهار الثمانينيات.
وينظر إلى التزام اليابان برفع الإنفاق الدفاعي إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي تطوراً حاسماً. وهذا يعني ضخ كميات هائلة من الأموال العامة في القاعدة الصناعية وقطاعات التكنولوجيا التي تغذي القدرات العسكرية والسيبرانية.
وقد بدأت شركات الدفاع العالمية بالفعل في متابعة التأثير، لكن هذه الآثار ستمتد إلى موردي المكونات اليابانيين ومنتجي الروبوتات وشركات الهندسة المتقدمة. وبدأت الأسواق بالفعل في أخذ التوسع طويل الأجل لهذا الوضع الجديد في الاعتبار.
كما أن هذه الخطوة تربط اليابان بشكل أوثق بالمجمع الدفاعي والتكنولوجي الأمريكي. ومن المتوقع أن تتعاون الشركات الأمريكية واليابانية في تطوير أنظمة الجيل التالي والأقمار الصناعية ومنصات الأمن السيبراني.
ولن يؤدي هذا إلى تعزيز العلاقات الأمنية فحسب، بل سيخلق أيضاً قنوات استثمارية جديدة وعميقة بين البلدين. من المرجح أن يستفيد المستثمرون في قطاعات الدفاع والفضاء والذكاء الاصطناعي بسرعة من هذا الزخم.
أما الركيزة الثانية فهي الموارد حيث تُعد الاتفاقية الأمريكية اليابانية الجديدة بشأن العناصر الأرضية النادرة والمعادن الحيوية قصة استثمارية استراتيجية بحد ذاتها.
وهنا تركز الحكومتان على تقليل الاعتماد على سلاسل التوريد الصينية، خاصة الليثيوم والنيكل والكوبالت - وهي المواد التي تُستخدم في تشغيل السيارات الكهربائية وأنظمة الطاقة المتجددة. وتلعب اليابان بالفعل دوراً حاسماً في إنتاج المغناطيسات على مستوى العالم.
وبدعم من الولايات المتحدة، ستوسع اليابان هيمنتها من خلال مشاريع مشتركة في استخراج المعادن ومعالجتها في الخارج. يجب على المستثمرين في التعدين والبنية التحتية لانتقال الطاقة ولوجستيات التوريد التركيز على هذا الاتجاه الهيكلي.
ويلاحظ أن التجارة والاستثمار يسيران جنباً إلى جنب. فقد تم تخفيف التعريفات الجمركية التي كانت تُجهد العلاقات في السابق مقابل تدفقات رأس المال اليابانية إلى قطاع التصنيع الأمريكي. ففي عام 2025، تجاوز حجم الاستثمارات اليابانية في الولايات المتحدة 60 مليار دولار، مع التزامات كبيرة في قطاع أشباه الموصلات ومصانع البطاريات. وتساهم هذه المشاريع في تعزيز الإنتاج الصناعي والتوظيف والابتكار في مجال الطاقة.
كما تدعم هذه الشراكة الدولار وتعزز ريادة الولايات المتحدة في التصنيع المتقدم. ومن المتوقع أن يجني المستثمرون الذين يمتلكون أسهماً في الشركات الصناعية وشركات الأتمتة الأمريكية ثمار هذه الدورة.
ويُعدّ السوق المحلي الياباني جذابًا بنفس القدر. فقد ارتفع مؤشر نيكاي إلى مستويات لم يشهدها منذ أكثر من 30 عاماً. وتجذب الإصلاحات الهيكلية، وتحسين حوكمة الشركات، وارتفاع عوائد المساهمين، رؤوس الأموال الأجنبية.
ويستمر ضعف الين في تعزيز أرباح المصدرين. وتتزايد تدفقات الاستثمار المؤسسي إلى طوكيو، ويعيد المستثمرون في جميع أنحاء العالم تقييم الأسهم اليابانية كاستثمار استراتيجي طويل الأجل بدلاً من مجرد صفقة تكتيكية.
كما تدفع هذه الشراكة نحو التنويع: إذ تعمل صناديق التقاعد والتأمين اليابانية، التي تدير أكثر من 5 تريليونات دولار، على توسيع نطاق استثماراتها العالمية. وتساعد هذه التدفقات الخارجة على استقرار الأسواق في أوروبا وأمريكا الشمالية.
وتُعدّ الطاقة سمة مميزة لهذا التعاون الجديد. فتبقى الولايات المتحدة مصدراً رئيسياً للغاز الطبيعي المسال، بينما تتقدم اليابان في تكنولوجيا الهيدروجين والأمونيا. ويخلق تركيزهما المشترك على استقلال الطاقة فرصاً استثمارية في مجالات الطاقة النظيفة والبنية التحتية وإدارة الموارد.
وستتبع رؤوس الأموال طويلة الأجل المشاريع التي تتماشى مع هذه الاستراتيجية، خاصة تلك التي تربط بين الأمن والاستدامة. وأرى أن هذا التحالف المتطور لا يقل أهمية بالنسبة للمستثمرين عن أي قرار يصدره البنك المركزي أو أي حدث في السوق.
فهو يعيد تشكيل مصادر النمو، والقطاعات الرائدة، والعملات التي ستتعزز. وتتصدر أسهم الدفاع والشركات الصناعية في الولايات المتحدة، وشركات التكنولوجيا والبنية التحتية في اليابان، وشركات التعدين والخدمات اللوجستية التي تدعم سلاسل التوريد في كلا البلدين، طليعة هذا التحول.
والمنطق السياسي واضح. فاستراتيجية ترامب تكافئ الدول التي تستثمر في أمريكا وتتحمل عبء الدفاع. وقد استجابت اليابان بحزم، ما عزز مكانتها كأكثر حلفاء واشنطن الاقتصاديين ثقة في آسيا.
وبالنسبة للمستثمرين، تُترجم هذه الثقة مباشرة إلى انخفاض المخاطر الجيوسياسية وزيادة الثقة في الالتزامات الرأسمالية طويلة الأجل.
ويلاحظ المحللون ذلك وفي جميع أنحاء المنطقة، فكوريا الجنوبية وتايوان تعمقان التعاون في مجال التكنولوجيا والدفاع، بينما تنقل الشركات المصنعة العالمية إنتاجها من الصين لتتماشى مع هذه الكتلة الجديدة.
ويبدو أن هذه بداية هيكل اقتصادي دائم يتمحور حول المصالح المشتركة والربحية المتبادلة. تشهد العلاقات بين ترامب واليابان حقبة ذهبية تُرسّخ إطاراً استثمارياً قوياً قائماً على الاستقرار والابتكار والنهضة الصناعية.
من المرجح أن تُساهم الدولتان اللتان شكّلتا النظام الاقتصادي لما بعد الحرب العالمية الثانية في صياغة ملامح الحقبة القادمة من النمو العالمي. ومن المتوقع أن يُحدد هذا التحالف مسار الفرص الاستثمارية للمستثمرين العالميين خلال العقد المقبل.
* باحث متخصص في إدارة الأصول وكاتب عمود في صحيفة «آسيا تايمز»

0 تعليق