2025.. عام إطاحة موظفي الشركات الضعفاء في أمريكا - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

إعداد: أحمد البشير

يبدو أن عام 2025 يسير نحو أن يكون «عام الموظف ضعيف الأداء» في الولايات المتحدة، حيث تتصاعد موجة من التسريحات تستهدف من تصفهم الشركات ب«الأداء المنخفض»، في ظاهرة تعكس تحوّلاً جذرياً في فلسفة الإدارة داخل كبرى الشركات الأمريكية، لكنها، بحسب الخبراء، قد تكون وصفة للفشل أكثر منها للنجاح.

ومؤخراً، أعلن مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة «ميتا»، تسريح نحو 4 آلاف موظف، مؤكداً أن الهدف هو «التخلّص من ضعاف الأداء»، و«ضمان وجود الأفضل فقط في الفرق».

يبدو أن عام 2025 يسير نحو أن يكون «عام الموظف ضعيف الأداء» في الولايات المتحدة، حيث تتصاعد موجة من التسريحات تستهدف من تصفهم الشركات ب«الأداء المنخفض»، في ظاهرة تعكس تحوّلاً جذرياً في فلسفة الإدارة داخل كبرى الشركات الأمريكية، لكنها، بحسب الخبراء، قد تكون وصفة للفشل أكثر منها للنجاح.

ومؤخراً، أعلن مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة «ميتا»، تسريح نحو 4 آلاف موظف، مؤكداً أن الهدف هو «التخلّص من ضعاف الأداء»، و«ضمان وجود الأفضل فقط في الفرق».

وفي الوقت نفسه تقريباً، أنهت «مايكروسوفت» خدمات مئات الموظفين ممن حصلوا على تقييمات أداء منخفضة، بينما قام إيلون ماسك في وقت مبكر من العام بحملة إقالات واسعة بين الموظفين الفيدراليين، متّهماً إياهم بعدم تلبية معايير الأداء المطلوبة، رغم أن كثيرين منهم كانت تقييماتهم مرتفعة في الأصل.

وهذه الإجراءات، وفق مراقبين، تبعث برسالة موحدة إلى العاملين الأمريكيين: «ارفع أداءك أو غادر».

إدارة بالخوف وبثمنٍ باهظ

يقول البروفيسور آدم غرانت، أستاذ علم الإدارة في كلية وارتون بجامعة بنسلفانيا، إن هذه الموجة من «الصرامة الإدارية» تهدف إلى خلق مزيد من المساءلة داخل المؤسسات. ويضيف: «المديرون يعتقدون أن الموظفين أصبحوا مرتاحين أكثر من اللازم، ويريدون هزّ هذا الشعور. والبعض منهم يأمل أن يغادر الأشخاص غير القادرين على مجاراة المستوى الجديد من تلقاء أنفسهم».

لكن غرانت يحذر من أن الإدارة بالخوف لا تنجح على المدى الطويل، موضحاً أن الأبحاث أثبتت لعقود أن محاولات رفع معايير الأداء بالقوة، تؤدي إلى تراجع الروح المعنوية، وزيادة الاستقالات، وانخفاض الأرباح، وتراجع الابتكار.

ويقول: «ربما تحقق نتائج مؤقتة، لكنها قصيرة النظر. في النهاية، تطلق النار على قدمك».

من «تايلور» إلى «ويلش»

إن فكرة تحفيز الموظفين بالخوف ليست جديدة، ففي بدايات القرن العشرين، دعا المنظّر الإداري الشهير فريدريك تايلور إلى فرض معايير صارمة على العمال في المصانع، وفصل كل من لا يحقق الأهداف.

لكن هذا النهج قاد إلى إضرابات واسعة وشلل في المصانع، ما دفع الشركات في منتصف القرن إلى البحث عن بدائل تقوم على الحافز الإيجابي: الانتماء، والتنوع في العمل، والشعور بالفائدة.

غير أن الثمانينات شهدت عودة «الإدارة بالخوف» من جديد، بقيادة جاك ويلش في شركة «جنرال إلكتريك»، الذي قسّم موظفيه إلى ثلاث فئات: 20% من «النجوم»، و70% من المتوسطين، و10% من «ضعاف الأداء» الذين يُفصلون سنوياً. وسرعان ما انتشر هذا النهج المعروف باسم «التصنيف والفصل» (Rank and Yank) في الشركات الأمريكية الكبرى، لكن نتائجه كانت كارثية، ففي «مايكروسوفت»، أدى نظام مماثل يُعرف ب«Stack Ranking» إلى تراجع القيمة السوقية للشركة بأكثر من 50% في بداية الألفية، إذ أصبحت بيئة العمل قائمة على التنافس الداخلي المدمّر لا التعاون.

ووفق الصحفي كيرت آيشنوالد، كان الموظفون «يكافَؤون ليس فقط على إنجازاتهم، بل على إفشال زملائهم».

وبحلول عام 2013، تخلت «مايكروسوفت» ومعها شركات أخرى، حتى «جنرال إلكتريك» نفسها، عن هذا النظام، بعد أن أثبت فشله الذريع.

لماذا تفشل «الإدارة بالخوف»؟

تظهر الأبحاث الحديثة، أن الضغط المفرط على الأداء يولّد نتائج عكسية، فبينما يندفع الموظفون مؤقتاً للعمل أسرع خوفاً من فقدان وظائفهم، تنخفض جودة الإنتاج وتزداد الأخطاء. كما تؤكد الدراسات أن الخوف يقتل الإبداع والابتكار، إذ يدخل الموظفون في ما يُعرف ب«الاستجابة الجامدة تحت التهديد» (Threat-Rigidity Response)، فيتمسكون بالأساليب القديمة ويكفّون عن اقتراح أفكار جديدة.

ويقول غرانت: «حين يخاف الناس على وظائفهم، يتوقفون عن المخاطرة والتفكير الإبداعي، وهو بالضبط ما تحتاج إليه الشركات في بيئات متقلبة مثل التكنولوجيا».

والأسوأ، أن هذا النهج يدفع أفضل الموظفين إلى المغادرة، فوفق إحدى الدراسات، فإن تسريح 1% فقط من القوة العاملة يؤدي إلى زيادة بنسبة 31% في الاستقالات الطوعية، وغالباً ما يكون المغادرون من ذوي الأداء العالي الذين يملكون خيارات أخرى.

من «الضغط» إلى «الدعم»

يرى الخبراء أن البديل الناجح لا يكون بالتساهل، بل بالموازنة بين الصرامة والاحترام.

ويقول غرانت: «أن تكون مديراً مطالباً لا يعني أن تكون مهيناً. يمكنك وضع معايير عالية، لكن مع دعم الموظف وتمكينه لتحقيقها».

الإدارة الحديثة، كما يوضح، تقوم على الوضوح والمساءلة والتمكين، لا على الإذلال والتخويف.

لماذا تعود الشركات لأسوأ أساليب الماضي؟

السؤال الذي يطرحه المراقبون هو: لماذا تعيد وادي السيليكون اليوم تجربة فشلت مراراً؟

تجيب أستاذة الإدارة في جامعة هارفارد ساندرا ساتشر: «المديرون ببساطة يجهلون الأدلة. يعتقدون أن الخوف سيحفّز الأداء، لكنه في الحقيقة يدمّر الدافعية ويقوّض الأرباح».

ويشير محللون إلى أن التهديدات الجديدة، مثل سباق الذكاء الاصطناعي، جعلت الرؤساء التنفيذيين يعودون إلى أساليب الطوارئ القديمة، تماماً كما فعلت الشركات في الثمانينات لمواجهة المنافسة العالمية.

ومع ذلك، هناك دروس حية من الماضي القريب.

فبعد أن تخلت «مايكروسوفت» عن «التصنيف والفصل»، وتبنّت سياسة المدير التنفيذي ساتيا ناديلا القائمة على «النمو والتعاطف»، تحوّلت الشركة من عملاق متراجع إلى إحدى أنجح شركات العالم في العقد الأخير.

في النهاية، يبدو أن الخاسرين الحقيقيين في «عام الموظف ضعيف الأداء»، قد لا يكونون أولئك الذين يتم فصلهم، بل أولئك الذين يفصلونهم، فبينما يظن بعض الرؤساء التنفيذيين أنهم «ينقّون» شركاتهم، فإنهم في الواقع يقوّضون ثقافة الثقة والابتكار التي تقوم عليها نجاحاتهم.

كما قال جاك ويلش نفسه قبل وفاته: «الضعفاء يجب ألا يُفاجؤوا حين يُطلب منهم المغادرة، لكن يجب أن يُعاملوا بالاحترام والمساعدة في إيجاد طريقهم التالي».

ربما حان الوقت لأن يتذكّر المديرون الأمريكيون هذا الدرس، قبل أن يصبحوا هم «ضعاف الأداء» الحقيقيين في عالم الإدارة.

0 تعليق