شتاء أمريكي بطعم الكربون - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

غافين ماغواير*

مع اقتراب عام 2025 من نهايته، تتكرر ظاهرة مألوفة في سوق الطاقة الأمريكي: ارتفاع حاد في أسعار الغاز الطبيعي، يشبه تماماً موجة الصعود التي بدأت بها السنة. هذا الارتفاع لا يبشّر بخير لأولئك الذين يأملون في استمرار التراجع التاريخي لاستخدام الفحم في الولايات المتحدة.
فبين يناير ومارس الماضيين، قفزت أسعار الغاز بنحو الثلث تحت وطأة موجة برد قوية وارتفاع غير مسبوق في صادرات الغاز الطبيعي المسال. النتيجة كانت تحول شركات الكهرباء نحو زيادة الاعتماد على التوليد بالفحم بوصفه خياراً أرخص مقارنة بالغاز. واليوم، يبدو أن الدورة نفسها تتكرر مع اقتراب الأسعار من أعلى مستوياتها خلال ثلاث سنوات، الأمر الذي يدفع مورّدي الطاقة مجدداً إلى إعادة تشغيل محطات الفحم وتقليص الاعتماد على الغاز المكلف.
مرة أخرى، تُعدّ درجات الحرارة المنخفضة والصادرات القياسية من الغاز الطبيعي المسال، إضافة إلى الدعم الحكومي، دوافع رئيسية للتحول من الغاز إلى الفحم. لكن الأثر الأهم هو أن هذه العودة الواسعة للفحم تعني ارتفاعاً واضحاً في الانبعاثات. فوفق بيانات «إمبر»، يولّد الفحم ما يقارب 75% انبعاثات كربونية أكثر لكل كيلوواط/ساعة مقارنة بالغاز. ومع ذلك، تجد شركات الطاقة نفسها مضطرة للقبول بقفزة الانبعاثات مقابل تلبية الطلب المتزايد على الكهرباء، والحفاظ على أسعار معقولة للمستهلكين في شتاء قاسٍ.
منذ نهاية سبتمبر، قفزت العقود الآجلة لأسعار الغاز الطبيعي في مؤشر «هنري هَب» الأمريكي بأكثر من 40%، مدفوعة بالطلب المحلي وصادرات الغاز الطبيعي المُسال التي سجّلت رقماً قياسياً جديداً. وللمرة الأولى منذ 2022، تتجاوز الأسعار حاجز ال4.9 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، وربما تلامس خمسة دولارات قريباً. لكن أسواق العقود الآجلة لا تتوقع اختراقاً قوياً لهذا السقف خلال الشتاء، وتشير التوقعات إلى متوسط يبلغ 4.24 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية حتى نهاية مارس. أما لعام 2026، فيتوقع أن يبلغ متوسط السعر 4.15 دولار، وهو أعلى مستوى سنوي منذ 2022، ما يعني ثلاث سنوات متتالية من ارتفاع أسعار الغاز في البلاد.
لا شك أن احتمال ارتفاع إضافي يتجاوز 10% في أسعار الغاز الطبيعي يثير قلق قطاع الكهرباء، الذي يعتمد على السلعة الحيوية لتأمين 42% من إمدادات البلاد. ومن أجل تجنب هذه الكلفة، من المرجح أن تختار العديد من شركات المرافق الأمريكية زيادة إنتاج محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، وتحاول الحد من التوليد بالغاز لخفض الكلف.
خلال الربع الأول من 2025، زاد توليد الكهرباء من الفحم بنسبة 21% مقارنة بالعام السابق، بينما تراجع إنتاج محطات الغاز بنسبة 3%. هذا الاتجاه عاد للظهور بقوة منذ سبتمبر، إذ ارتفع إنتاج الفحم خلال أكتوبر ونوفمبر بنحو 16%، مسجلاً أعلى مستوى له منذ 2022. أما إنتاج الطاقة من الغاز، فانخفض بنسبة 3%، مسجلاً أدنى مستوى لشهر نوفمبر منذ ثلاث سنوات.
ومن المرجح أن يتسارع هذا التحول خلال ديسمبر، مع دخول أول موجة برد رئيسية للشتاء، بالتزامن مع ارتفاع أسعار الغاز. وبالنسبة لشركات تمتلك مزيجاً من محطات الفحم والغاز، يبدو التوسع في الفحم خياراً اقتصادياً أكثر واقعية.
لا تأتي الضغوط من الداخل فقط. فالتنافس على الغاز بين شركات الكهرباء ومصدّري الغاز الطبيعي المُسال يتصاعد. فلطالما شكّلت المبيعات النشطة للغاز الطبيعي المُسال الأمريكي للمشترين العالميين ركيزةً أساسيةً في أجندة إدارة ترامب ذات الصلة، وقد لاقت ترحيباً واسعاً من قطاع الطاقة الأمريكي. مع ذلك، لم تكن شركات توليد الطاقة متحمسةً للزيادة الكبيرة في أحجام صادرات الغاز، نظراً لأن زيادة الصادرات قد تعني انخفاض إمدادات السلعة لمحطات الطاقة.
خلال الأحد عشر شهراً الأولى من 2025، صدّرت الولايات المتحدة نحو 750 مليون طن متري من الغاز المُسال، وهو أعلى رقم مسجل لتلك الفترة. ومن المتوقع استمرار الارتفاع في الأسابيع الأخيرة من العام بالتوازي مع تخزين كبار المشترين في أوروبا وآسيا استعداداً لفصل الشتاء المُقبل. وإذا جاء ارتفاع صادرات الغاز في وقت يتزايد فيه الطلب المحلي على التدفئة، فستبقى الأسعار مرتفعة ومضطربة، بما يضاعف الضغوط على شركات الكهرباء.
* كاتب متخصص في التحول العالمي في مجال الطاقة (رويترز)

0 تعليق