د. علي توفيق الصادق*
ملخص رسالة مديرة صندوق النقد الدولي في اجتماعات مجموعة العشرين في جوهانسبرغ. «الاقتصاد العالمي يُبلي بلاءً حسناً أكثر مما كنا نخشى، ولكنه أسوأ مما نحتاج وأفضل لأنه أثبت مرونته في مواجهة الصدمات المتعددة، والتوترات التجارية، وتزايد حالة عدم اليقين. ترتكز هذه المرونة على عاملين: قطاع خاص نابض بالحياة، وسياسات ومؤسسات تعززت على مرّ السنين، بما في ذلك من خلال التنسيق في منتدى مجموعة العشرين تحديداً».
«لكنه لا يزال أسوأ مما نحتاج: فالنمو منخفضٌ باستمرار، أقل من مستويات ما قبل «كوفيد -19»، والديون مرتفعة بشكل استثنائي، مما يخنق العديد من البلدان، وخاصةً البلدان الأكثر فقراً». تُسهم التوترات الجيوسياسية، والتحولات التكنولوجية والديموغرافية، والأحداث المناخية القاسية المتكررة في تفاقم حالة عدم اليقين وزيادة المخاطر. في هذه البيئة، يُعد بناء المرونة أمراً أساسياً. والعمل يبدأ من الداخل. تتحمل الحكومات مسؤولية بناء الثقة من خلال إجراءات موثوقة وقابلة للتنبؤ ومستدامة، واستعادة احتياطيات السياسات والحفاظ على قوة المؤسسات، ومعالجة الاختلالات المحلية للمساعدة على الحد من الاختلالات العالمية.
اتسم الاقتصاد العالمي خلال الاثني عشر شهراً الماضية بالذكاء الاصطناعي والتحولات الديموغرافية. علاوة على ذلك، تُعيد تحولات سياسية رئيسية تشكيل التجارة العالمية وتدفقات رأس المال. في حين اتسم الاقتصاد العالمي بالصمود في مواجهة الصدمات المتتالية على مدى السنوات الأخيرة، إلا أن التوقعات لا تزال فاترة. وحسب صندوق النقد الدولي، تبلغ توقعات النمو العالمي للسنوات الخمس المقبلة نحو 3%، وهو أقل بكثير من متوسط التوسع بعد الحرب البالغ 3.7%، ولا نزال نواجه توقعات بانخفاض النمو وارتفاع الديون. كان للإجراءات السياسية أن تعزز تقدم النمو في العديد من اقتصادات مجموعة العشرين منذ المؤتمر التأسيسي لمجموعة العشرين عام 2009، كان التقدم المحقق نحو هدفها المتمثل في نمو قوي ومستدام ومتوازن وشامل متواضعاً.
في حين أظهرت اقتصادات مجموعة العشرين مرونة ملحوظة في مواجهة صدمات متعددة، فقد تباطأت آفاق النمو على المدى المتوسط إلى 2.9% فقط، وهو الأضعف منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008. في الوقت نفسه، لا يزال انكماش الأسعار غير مكتمل بالنسبة للكثيرين، وارتفع الدين العام إلى مستوى قياسي بلغ 103% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2004. علاوة على ذلك، تتسع الاختلالات الخارجية المفرطة من جديد. ومع ذلك، يرى صندوق النقد الدولي، أن هناك علامات مشجعة. أحدث تقرير سنوي لدى الصندوق يحث على العمل المتضافر بشأن الإصلاحات الاقتصادية أن يساعد مجموعة العشرين على تحقيق طموحات النمو الجماعي للمجموعة، إلا أن الإصلاحات ذات العوائد الأكبر تختلف من دولة لأخرى. إن للإجراءات السياسية أن تعزز تقدم النمو في العديد من اقتصادات مجموعة العشرين.
في ظل هذه الخلفية، يواجه أعضاء صندوق النقد الدولي تحديات كبيرة. من بينها الحاجة إلى الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي الكلي والمالي، وضمان استدامة الديون، ومعالجة الاختلالات المفرطة القائمة بين البلدان، وتعزيز آفاق النمو. يتطلب تحقيق هذه الأهداف اتخاذ تدابير سياسية عاجلة وجوهرية. ويبدأ هذا من الداخل، ويمكن للدول بذل الكثير من الجهود لترتيب أوضاعها الداخلية. ويمكنها تعزيز الإنتاجية وتعزيز النمو المحلي، واستعادة الاحتياطيات المالية لتوفير مساحة للاستثمارات الضرورية، والاستعداد للصدمات المستقبلية، وتعزيز الاستقرار المالي وبناء القدرة على الصمود. ونظراً لتجاوز حدودها، ينبغي للدول السعي إلى حلول تعاونية للتحديات الاقتصادية المشتركة.
في هذه البيئة، يُعد بناء المرونة أمراً أساسياً. والعمل يبدأ من الداخل. تتحمل الحكومات مسؤولية بناء الثقة من خلال إجراءات موثوقة وقابلة للتنبؤ ومستدامة، واستعادة احتياطيات السياسات والحفاظ على قوة المؤسسات، ومعالجة الاختلالات المحلية للمساعدة في الحد من الاختلالات العالمية. ونحن بحاجة أيضاً إلى إصلاحات هيكلية لتسخير إمكانات القطاع الخاص.
* مستشار اقتصادي

0 تعليق