"لو أهل عمان أتيت".. والسمت العماني - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة

عندما قدم وفد قبيلة عبد قيس إلى الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وكانوا يسكنون في الأحساء والقطيف وهَجَر والمُشقّر، وقد أسلموا قبل أن يروا النبي صلى الله عليه وسلم وكان يقودهم أشج عبد قيس واسمه المنذر، فذهب أفراد القبيلة إلى المسجد ليروا الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن سيدهم ذهب واستحم وغير ملابسه وتعطر، ثم ذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليقابل هذا النبي الكريم وهو في أحسن حلة وأفضلها وذلك تعظيما لقدر الرسول صلى الله عليه وسلم، فعندما رآه الرسول على هذا الحال بعد السلام عليه قال له "فيك خصلتان يحبهما الله" فقال أشج عبد قيس، وما هما؟ قال: (الحلم والأناة) قال: أشيء حدث أم جبلت عليه؟ قال: "بل جبلت عليه" فقال: الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله"، فقد فهم أشد عبد قيس بأن هذه الأخلاق والطباع والسجايا هي إما أن تكون هبة من الله متصلة بالفطرة التي جبل الله عليها بعض عباده، وإما أن تكون مكتسبة نتيجة لتأثير البيئة المحيطة والتفكير الجمعي المتراكم والمتوارث، وهذا الأمر يعود بنا إلى الجدلية الأزلية حول منشأ الأخلاق.

ولكن بعد التأمل يتضح أن هنالك أخلاق فطر عليها الناس وهي الأخلاق التي تمثل المشترك الإنساني مثل الرحمة، والعطف، والاحترام، وغيرها مما يشترك فيها البشر جميعا من كل الأعراق والطوائف والديانات، وهنالك بعض الأخلاق التي أكدت عليها الديانات السماوية وقامت ببلورتها والحث عليها، بعد أن اشتركت البيئة والعرف الاجتماعي على تكوينها.

ولو نظرنا إلى القيم والأخلاق العربية قبل مجيء الإسلام لوجدنا أنها تتناسب مع البيئة العربية والأوضاع القائمة في تلك البيئة، ففي تلك الصحراء القاحلة التي تشح فيها مصادر الماء والغذاء ويصبح التنقل من مكان إلى آخر مصحوبا بالمشقة والجهد وقد يؤدي إلى الهلاك، فكانوا يسمون الصحراء مفازة، وهذه عادة تمثل التفاؤل عند العرب، بأن من يقطعها يفوز بالحياة، وإلا فهي مهلكة، كما أنهم يسمون الملدوغ سليما، ففي هذه الصحراء أصبح الناس يمدحون من يخالف شهوة النفس في حب التملك والنجاة بما في اليد، فأصبحوا يمدحون قيمة الكرم، وأصبح الكريم صاحب مزية فارقة في تلك البيئة الفقيرة، فخلدوا كرم حاتم الطائي الذي بلغ به الإيثار أن يذبح خيله لإطعام ضيفه، وربما لا نجد هذه الخلق وهذه الخصلة في مجتمعات أخرى أو دول أخرى كما نجد الكرم عند العرب.

ومن الخصال الحميدة والصفات الرفيعة التي امتدح بها الرسول صلى الله عليه وسلم أهل عمان، حب الضيف والترفق معه وعدم التعرض له بما يسوؤه، جاء في صحيح مسلم أن "رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ بَعَثَ رَجُلًا إلى حَيٍّ مِن أَحْيَاءِ العَرَبِ، فَسَبُّوهُ وَضَرَبُوهُ، فَجَاءَ إلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فأخْبَرَهُ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: لو أنَّ أَهْلَ عُمَانَ أَتَيْتَ ما سَبُّوكَ وَلَا ضَرَبُوكَ." فهو وصف لساكني هذا البلد الطيب.

وهذه شهادة عظيمة من خير البشر تمثل جوانبا مشرقة من أخلاق أهل عمان، فهم أجابوا دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم وقبلوا الإسلام عن طواعية، ولكن الجميل في الأمر أن الله جبلهم على هذه الخصلة الحميدة بدليل تقبلهم لدعوة الرسول الكريم وتصديقهم إياه، فعمان هذا البلد الطيب ينبت أبنائه في تربته الطيبة ويكونون مثله، مصداقا لقوله تعالى في سورة الأعراف "وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا ۚ كَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ".

ولو تتبعنا الأخبار والسير لتجار عمان المسلمين الذين خلدتهم كتب التاريخ لوجدنا أن أنهم كانوا دعاة إلى دين الله عز وجل من خلال عظيم أخلاقهم وتعاملهم مع غيرهم، وكيف أنهم نشروا الإسلام في القرن الإفريقي، وفي بلدان شرق آسيا، ولنا في قصة المغامر العماني حمد بن محمد المرجبي الملقب بـ"تيبوتيب" فاتح الكونغو وناشر الإسلام في دول إفريقيا، أنصع الأمثلة على النشاط العماني في الدعوة إلى هذا الدين الحنيف.

ومن الأمثلة المعاصرة على أن الأخلاق العمانية وسمتهم هو أحد أدوات الدعوة إلى الإسلام والدخول في دين الله، القصة التي حكاها الأستاذ الدكتور العراقي المشهور في برامج الإعجاز البياني في القرآن الكريم فاضل السامرائي وهي أنه كان يعمل في إحدى الجامعات في إحدى الدول العربية ولكن جاره في السكن الجامعي عالم من علماء الجيلوجيا من الجنسية الأسترالية، فكانوا يلتقون ويجلسون مع بعضهم البعض، يتحدثون في أمور علمية ولا يتطرقون إلى الموضوعات الدينية، ولكن في أحد الأيام جاء هذا العالم الجيلوجي الذي يعمل في هذه الجامعة للبحث عن أ.د.فاضل السامرائي فوصف له ربما في مطعم الجامعة فذهب ليبحث عنه في المطعم، وعندما وجده جاء إلى طاولته قال له أريد أن أصارحك بأمر مهم، فقال له وما هو، قال له أنا أسلمت، فتعجب السامرائي من هذا الأمر، فسأله مستفسرا، هل تقصد أنك تريد الدخول إلى الإسلام، أو أنك تريد إخباري بأنك مسلم، فقال له بل أردت إخبارك بأني مسلم منذ 30 سنة، وعندما سأله: أنت بهذه المعرفة والمكانة العلمية وهذا التخصص الدقيق ما الذي دفعك إلى الإسلام؟ فقال له كنت في سلطنة عمان، وتعجبت من حسن تعامل الناس مع بعضهم البعض في السوق، فعندما بحثت عن سبب هذه الصفة الغالبة على هذا الشعب، وجدت أنها لها علاقة بالدين الإسلامي، ولذلك أدركت أن الدين الذي استطاع أن يهذب أخلاقهم ويجعل تعاملهم مع بعضهم بهذا المستوى لهو جدير بالإيمان به، وقد أسلمت بعد أن اطلعت على الدين الإسلامي وتعاليمه، فيقول أ.د.فاضل السامرائي: وأنا أحببت أهل عمان قبل أن أزور عمان".

فهذه الخصوصية في الأخلاق العمانية والسمت العماني والأسلوب والطريقة والعادة تتجلى بشكل يومي من خلال تعامل الناس مع بعضهم البعض ومع غيرهم من الزوار الذين يقدمون من شتى بقاع العالم، ويشهدون ما يشاهدون ويعايشون هذا السمت الأصيل في الشخصية العمانية بعيدا عن التكلف والاصطناع، وهي نتاج للتربية الأسرية والمدرسية والمجتمعية التي ينشأ عليها أبناء هذا البلد.

ولكن يجب على الأجيال المحافظة على المسلك الطيب، على الرغم من المتغيرات في هذا الزمن التي تحاول أن تغير في القيم الأسرية والاجتماعية من خلال الحرب الفكرية التي تغزوا جميع المجتمعات نتيجة دخول التقنية الحديثة في الحياة اليومية وما يصحبها من أفكار قد تكون موجهة لخلخلة الأنسجة الاجتماعية، ومحاولة اجتلاب أفكار دخيلة متنافية مع الأخلاق والقيم الدنية والاجتماعية.

ومن المقترحات التي ربما تساعد في تعزيز السمت العماني هو استحداث منهج مدرسي يتضمن دارسة للأخلاق وتعامل الطالب مع والديه ومع المجتمع من حوله، والتعريف بالخصوصية العمانية في هذا المجال، وصولا إلى الأخلاق الداعية إلى تزكية النفس ووصولها إلى مدارج الكمال لتعيش حياة تتفق مع المنهج الإسلامي الصحيح.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق