ديفيد والاس ويلز *
في عام 2023، بينما كان «تشات جي بي تي» يقتحم حياتنا ليصل إلى 100 مليون مستخدم شهرياً، انتشرت موجة من الذعر الوجودي مفادها، هل أصبحنا نعيش داخل نسخة واقعية من فيلم «Her»؟ آنذاك، نشرت الباحثة كاتيا غريس دراسة استقصائية صادمة أظهرت أن ما بين ثلث ونصف كبار علماء الذكاء الاصطناعي يعتقدون أن هناك احتمالاً لا يقل عن 10% أن تؤدي هذه التكنولوجيا إلى انقراض البشرية أو نتائج كارثية مشابهة.
بعد عامين فقط، اختلفت الصورة تماماً وباتت أقل ذعراً. صحيح أن هناك من لا يزال يتنبأ بانفجار «ذكاء خارق» يقود البشرية نحو «يوتوبيا» أو«ديستوبيا»، لكن الموجة تغيرت. الذكاء الاصطناعي بدأ يتسلل إلى حياتنا اليومية كأداة نتحكم بها نحن، من دون الحاجة إلى سياسات دراماتيكية أو قفزات تقنية خارجة عن السيطرة. لقد انتقلنا من لحظة «النبوءات الكبرى» إلى «الاعتياد»، وهي دورة مألوفة رأيناها من قبل مع الحديث عن انتشار السلاح النووي أو تغير المناخ أو الأوبئة.
وما كان يبدو قبل عام كلاماً مضاداً للسرد السائد، أصبح اليوم أقرب إلى الحكمة الشائعة. فالفيلسوف توبي أورد تحدّث بداية العام عن «مفارقة التوسع»، أي أن كل قفزة جديدة في أداء النماذج اللغوية العملاقة تتطلب موارد هائلة، بحيث يصبح العائد أقل إثارة مما يظنه المتفائلون. وحتى متحمسون كبار مثل تايلر كوين ودواركش باتيل بدؤوا يتحدثون عن «عنق الزجاجة البشري» وتحديات دمج الذكاء الاصطناعي في الأنظمة الاجتماعية.
الأمر لم يتوقف هنا، فقد حذّر ساتيا ناديلا، الرئيس التنفيذي لشركة «مايكروسوفت»، من المبالغة في الحديث عن «الذكاء الاصطناعي العام»، معتبراً أن النمو الاقتصادي هو المقياس الأهم. والأكثر مفاجأة أن سام ألتمان، الرجل الذي ارتبط اسمه طويلاً بنبوءات «الذكاء الخارق»، اعترف مؤخراً بأن ما نشهده هو تقدم تدريجي مستمر، لا طفرة نوعية مفاجئة.
حتى إريك شميت، أحد أبرز المدافعين عن الذكاء الاصطناعي، دعا وادي السيليكون إلى التوقف عن الهوس بـ«الذكاء الاصطناعي العام» والتركيز على التطبيقات العملية. أما إيلون ماسك، الذي كان يهددنا بسيناريوهات شبه خيالية، فقد صرّح بأن أفضل استخدام لنموذجه «غروك» هو تحويل الصور القديمة إلى مقاطع فيديو قصيرة، لا أكثر.
لكن «الاعتيادي» أو «الطبيعي» في الذكاء الاصطناعي لا يعني أنه بلا أثر. فنصف الأمريكيين تقريباً جرّبوا أدوات الذكاء الاصطناعي، وثلثهم يستخدمها يومياً. الجامعات والمدارس بدورها لم تقاوم طويلاً، فتحوّل الذكاء الاصطناعي إلى شريك أساسي في قاعات التدريس. وفي الاقتصاد، ارتبط نحو 60% من نمو سوق الأسهم في السنوات الأخيرة بشركات الذكاء الاصطناعي. وبخصوص الإنفاق الرأسمالي فقد تجاوز مستويات فقاعة الاتصالات، ويقترب من أرقام طفرة السكك الحديدية التاريخية. نحن اليوم نبني مراكز بيانات للذكاء الاصطناعي بوتيرة أسرع من بناء المساكن والمكاتب للإنسان.
وهنا تكمن المفارقة: المستقبل الذي وُعدنا به لا يزال بعيداً، لكنه في الوقت نفسه حاضر بقوة.
* صحفي أمريكي وكاتب مقال في «نيويورك تايمز»
هل الذكاء الاصطناعي طبيعي؟ - زاجل الإخباري

هل الذكاء الاصطناعي طبيعي؟ - زاجل الإخباري
0 تعليق