كتاب «ثروة الأمم» يمتلك صفات النماذج - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

د. عبدالعظيم حنفي*

لاحظت دراسات أنه لا يقرأ لآدم سميث سوى قليل من الاقتصاديين الحاصلين على درجة الدكتوراه في الوقت الحالي وهو ما لا يزيد كثيراً عن عدد الفيزيائيين، الذين يحصلون على مصادر معرفتهم من إسحاق نيوتن وبدلاً من ذلك يعتمد طلبة الدراسات العليا على الكتب الدراسية، ليتعلموا منها ما تم تعلمه منذ أن وضع آدم سميث أراءه الخاصة في كتابه الشهير «ثروة الأمم»، عام 1776 وأنه لا يوجد ما يدعو للاستغراب بشأن هذه الحقيقة، فهذه هي الطريقة التي يفترض أن يسير العلم وفقاً لها.
وكما يقول «ألفريد نورث وايتهيد»، في هذا السياق: «إن العلم الذي يتردد في التخلي عن مؤسسيه يواجه الضياع»، هناك أوقات بلا شك يشعر فيها العلماء أنفسهم بالضياع وذلك عندما لا تتوافق التفسيرات التي تعلموها من الكتب الدراسية مع بعضها بعضاً كما ينبغي، فالعلماء، أو على الأقل الأفضل منهم، يعلمون تماماً ما هو العذاب الهادئ الذي يمكن تسميته «الأزمة».
هذا هو ما فعله بعض علماء الاقتصاد عندما رجعوا إلى البحث في الكلاسيكيات، ليتعرفوا على المنهجيات التي استخدمها الاقتصاديون القدامى للتعامل مع بعض الظواهر، التي يقومون ببحثها.
ويعد جيمس بوكانان الحاصل على جائزة نوبل، أحد أهم العلماء الذين اتبعوا نفس الطريقة سالفة الذكر، حيث عمل على دعم «تزايد العوائد» باتباعه لحدسه في ما يتعلق بتأثير مبدأ أخلاقيات العمل البروتستانتي على الآثار الاقتصادية (مزيد من العمل ووقت فراغ أقل، سيؤديان إلى توسيع سوق السلع، على حد قوله). وعندما اتضحت لبوكانان دلالة ذلك العمل الجديد على التجارة والنمو وقام بتمشيط أدب القرنين الماضيين، ليعمل على إنتاج كتاب يشمل «مجموعة من القطع الأدبية المختارة»، يعكس تاريخ الخلاف (متضمناً مقالتين خاصتين به). صدر كتاب «العودة إلى تزايد العوائد»، عام 1994، لكن كتاب بوكانان، كان مصمماً لطلبة الدراسات العليا.
وتوجهت الكتب الدراسية الخاصة بالتنمية الاقتصادية، التي بدأت في الظهور إلى الأفكار الجديدة مباشرة ولم تكن هناك أي محاولات لتوفير أي شرح أو تفسير للعامة، حول مصادر الأفكار الجديدة أو عن أهميتها.
إن ما نبحث عنه في أي تفسير، كما يقول آدم سميث، هو التوصل إلى مبدأ للربط بين أحداث لا ترتبط ببعضها ظاهرياً، فالعلم هو البحث عن سلاسل غير مرئية تربط بين تلك العناصر الناشزة «مع دقة الآليات الفيزيائية، لأن «النظم تشبه الآلات في نواحٍ كثيرة» ولذا يمكن تلخيص «خدعة» الوصول إلى تفسير في خلق نموذج عقلي، «آلة خيالية» ملائمة وذات قوة هائلة وذلك حتى يتسنى التوصل إلى الأسباب والمؤثرات محل الدراسة وتبديد الغموض.
فمن الذي يتساءل عن آلية دار الأوبرا، التي تم الاعتراف بها ذات مرة وراء الكواليس واستهزأ سميث بحقيقة أنه بالرغم من كل ذلك، فإن النظام الأرسطي القديم كان لا يزال يدرس لطلاب جامعة أكسفورد وفي خلفيات أخرى مرتبطة بالتاج الإنجليزي.
ويقرر سميث أن العدو الرئيسي لأي نظرية جيدة، هو التشابه المشوش، بين عمل المفكرين الذين سعوا إلى تفسير شيء معين بناء على شيء آخر، فيقوم الفيثاغوريون، على سبيل المثال، بتفسير جميع الأشياء بناء على خصائص الأعداد، أما الأطباء فيقومون دائماً بالتفكير في الربط بين الفسيولوجي و«سياسة الجسم» وفضلاً عن ذلك، فإن التفسير الجيد لا بد أن يكون قادراً على إقناع الجمهور العام وليس الممارسين فقط، فإذا لم يتحقق ذلك ستكون هناك ذريعة وحافز لدى الخبراء في ادعاء معرفتهم بطريقة غير حقيقية.
وعرض سميث كتابه الأول (تأملات في المزاج الإنساني) وأطلق عليه أسم (نظرية المشاعر الأخلاقية The Theory of Moral Sentiments) الذي نشر بعد ذلك بثماني سنوات، الآن يطلق بعض الباحثين على هذا الكتاب اسم «علم النفس التمهيدي».
وفي عام 1764، في تولوز، شرع في تأليف كتابه الثاني، الذي أطلق عليه «حتى يمر الوقت»، ويصفه بعض النقاد بأنه «کتاب رائع!»، تحقيق في طبيعة وأسباب ثروات الأمم وهو واحد من حفنة من الكلاسيكيات الاقتصادية، التي توفر متعة عند قراءتها إلى الآن، حيث يبدأ هذا الكتاب بمحاضرة طويلة حول مميزات تقسيم العمل ومن ثم يبدأ بالحديث عن تاريخ النقود، ثم يقوم بعرض للأقسام المعتادة المستخدمة في التحليل الاقتصادي: وهي: الأسعار والأجور والأرباح والفائدة وإيجار الأرض ومن ثم يقوم الكتاب بعمل استطراد حول أسعار الفضة، أو ما يمكن أن نطلق عليه الآن «التضخم».
تضمن الكتاب الثالث حول الثروة تاريخاً رائعاً ومدهشاً لأوروبا، منذ سقوط روما، أما الكتاب الرابع، فتضمن هجوماً طويلاً على المحاولات الحكومية لتنظيم التجارة، بهدف الوصول إلى غايات معينة، «المذهب التجاري»، كما هو معروف.
وأخيراً، هناك الكتاب الخامس والذي يُعد عملاً بارزاً ويمكن استخدامه كدليل في مجال المالية العامة وقد تمت صياغة جميع تلك الكتب بتصميم جيد ومتوازن كآلية ساعة جيدة، مع وجود بعض الرؤى التي تتميز بالدهاء.
ويمكن القول إن كتاب (ثروة الأمم) يمتلك الصفات التي عرفت بطريقة مجتمعة على أنها النماذج أو هي ما كنا نمتلكه قبل أن نحصل على النظريات.
* أكاديمي مصري
[email protected]

0 تعليق