نحن نحلم بأن نصبح أكثر ذكاءً، وأن نتمتع بقدرة أكبر على التركيز، وأن نتخذ قرارات أفضل في حياتنا الشخصية والمهنية.
نريد أيضاً أن نكون أكثر مرونة ذهنية، قادرين على التفكير بطريقة إبداعية وتجريدية، واستيعاب مفاهيم جديدة بسهولة. ولكن، الرغبة وحدها لا تكفي لتحقيق هذه الأهداف.
وفقاً لأحدث ما توصلت إليه علوم الأعصاب، يمكننا تحسين قدراتنا العقلية إذا فهمنا كيف يعمل الدماغ على المستوى العصبي والبيولوجي. وقد كشفت الأبحاث عن أربع طرائق فعالة ومدعومة علمياً تساعدنا على تطوير ذكائنا، وتحسين جودة قراراتنا، والحفاظ على مرونتنا الذهنية مع التقدم في العمر.
1- تحرّك لتصبح أكثر ذكاءً في 10 دقائق:
قد يبدو الأمر بسيطاً، ولكن ممارسة القليل من التمارين يومياً يمكن أن يكون له أثر عميق على قدراتك العقلية.
وقد أظهرت دراسة نُشرت في Journal of Epidemiology and Community Health أن ممارسة التمارين الرياضية المعتدلة إلى المكثفة لمدة تتراوح بين 6 و10 دقائق فقط يمكن أن تحسّن الذاكرة العاملة، وتُعزّز المهارات المعرفية العليا مثل التخطيط والتنظيم وتحديد الأولويات.
والتمارين المعتدلة تشمل المشي السريع، والركض الخفيف، أو صعود الدرج، بينما التمارين المكثفة قد تكون مثل السباحة وركوب الدراجة.
إن عدم ممارسة هذه التمارين، حتى ولو لمدة قصيرة، قد يؤدي إلى تراجع بسيط في القدرات العقلية. والدراسة نفسها وجدت أن استبدال ثماني دقائق من النشاط البدني بالجلوس قد يسبب انخفاضاً بنسبة 1–2% في القدرات الإدراكية.
والأهم من ذلك، أن النشاط البدني يمكن أن يبطئ أو حتى يعكس التدهور الطبيعي للدماغ المرتبط بالتقدم في العمر. كما أظهرت أبحاث أخرى أن ممارسة التمارين تساعد على زيادة حجم الحُصين (hippocampus)، وهو جزء من الدماغ مسؤول عن الذاكرة، حتى في الستينات والسبعينات من العمر.
وإذا بدت لك 10 دقائق كثيرة، أظهرت مراجعة نُشرت في Translational Sports Medicine أن تمريناً هوائيّاً لمدة دقيقتين فقط يمكنه تحسين التركيز والذاكرة لمدة تصل إلى ساعتين.
والنتيجة واضحة: الحركة اليومية، حتى لو كانت قصيرة وبسيطة، يمكنها أن تحسّن وظائف دماغك، وتجعلك أكثر ذكاءً، وفي نفس الوقت، أكثر صحة ولياقة.
2- اتخذ قرارات أفضل عبر تقنية «التجميع الذهني»
إن اتخاذ القرارات السريعة والدقيقة لا يعتمد فقط على الذكاء الفطري، بل يرتبط أيضاً بتقنية مهمة تُسمى «التجميع الذهني» (chunking).
وفي دراسة مشهورة على لاعبي الشطرنج، طلب الباحثون من محترفين ومبتدئين حفظ أوضاع القِطع. وتبين أن المحترفين تفوقوا عندما كانت القِطع مرتبة كأنها من مباراة حقيقية، ولكن أداؤهم كان مشابهاً للمبتدئين عندما كانت القطع موضوعة بشكل عشوائي. والسبب في ذلك أن المحترفين يعتمدون على «التجميع الذهني» الذي يتيح لهم ربط المعلومات الجديدة بأنماط مألوفة وسابقة، ما يسهّل استدعاءها واتخاذ قرارات سريعة ودقيقة.
* يمكنك أنت أيضاً تطوير هذه القدرة باتباع ثلاث خطوات أساسية:
أ- تعلّم معلومة جديدة، ثم اختبر نفسك فيها مراراً. هذا يعزز قدرة الدماغ على استرجاعها بسرعة.
ب-علّم هذه المعلومة لشخص آخر، أو حتى حضّر نفسك لتعليمها. إذ إن الدراسات تؤكد أن مجرد التوقع بأنك ستعلّم شخصاً آخر يحفّز الدماغ على تعلمها بعمق أكبر.
ج- اربط ما تعلمته بمعلومات أو تجارب سابقة لديك، حتى يصبح لديك سياق ومعنى أعمق، ويسهل استرجاعها لاحقاً.
3 - استغل إيقاعك البيولوجي لاتخاذ قرارات أفضل
جميعنا يملك طاقة عقلية محدودة في اليوم، ومع اتخاذ عدد كبير من القرارات، نبدأ بالشعور بما يسمى «إجهاد القرارات».
وأظهرت دراسة في مجلة «Current Biology» أن التركيز لساعات طويلة يؤدي إلى تراكم مادة الغلوتامات، ما يؤثر سلباً في الفص الجبهي الجانبي المسؤول عن التخطيط وصنع القرارات.
كما أن دراسات أخرى بيّنت أننا أكثر قدرة على اتخاذ قرارات عقلانية في الصباح، بينما نميل إلى اتخاذ قرارات عاطفية ومتهورة في الليل.
لذلك، حاول جدولة القرارات والمهام التي تتطلب تركيزاً عالياً في بداية يومك، أو مباشرة بعد استراحة غذاء، حينما تكون مستويات الطاقة لديك في أفضل حالاتها.
4- حافظ على مرونتك الذهنية عبر «الثلاثي الذهبي»
بعد سن الأربعين، يبدأ الدماغ في «إعادة تنظيم» شبكاته العصبية، ما يقلل من مرونة التفكير، ويؤثر في القدرة على حل المشكلات والتفكير التجريدي.
لكن يمكنك الحد من هذه التغيرات من خلال «الثلاثي الذهبي»: النظام الغذائي، والتمارين الرياضية، ونمط الحياة الصحي.
* النظام الغذائي السليم: تناول الأغذية الصحية، الغنية بالخضروات والفواكه والأحماض الدهنية الصحية، يسهم في تأخير التدهور العقلي وتقليل مخاطر الأمراض العصبية.
* التمارين الرياضية: تُبطئ تدهور الدماغ وتحافظ على وظائفه.
* نمط الحياة الصحي: إن الحصول على قسط كافٍ من النوم، وتجنب التدخين كلها عوامل تحافظ على صحة الدماغ.
وإضافة إلى ذلك، يساعدك تعلم مهارات جديدة، ممارسة الهوايات، وبناء علاقات اجتماعية قوية في تحفيز الدماغ وزيادة مرونته.
إن تحسين الذكاء واتخاذ قرارات أفضل والحفاظ على مرونة الدماغ ليست صفات فطرية فقط، بل هي قدرات يمكن بناؤها وتعزيزها من خلال خطوات عملية ومجربة. ابدأ بحركة بسيطة يومية، وتدرب على التجميع الذهني، نظم أوقات اتخاذ قراراتك، ولا تهمل نظامك الغذائي ونمط حياتك.
هكذا، ستجد نفسك أكثر ذكاءً، أكثر قدرة على اتخاذ قرارات صائبة، والأهم، أكثر استعداداً لمواجهة تحديات الحياة بعقل حاد ومرن.
0 تعليق