هذه المساحة المحدودة، المخصصة أساساً لحركة الطائرات على الأرض، تتحرّك فيها عشرات العربات بين تموين ونقل أمتعة وشاحنات وقود وسلالم متحركة وباصات ركاب ومعدات صيانة، ورغم دقة الأنظمة واللوائح إلا أن الحوادث الأرضية تتكرر، فتضيع معها أوقات ثمينة وأموال باهظة.
قبل أيام، كنت عائداً من الطائف إلى الرياض، وبعد الهبوط وأثناء توجه الطائرة إلى البوابة توقفت فجأة بقوة أربكت الركاب، من النافذة رأيت باصاً يقترب بشكل غير نظامي أمام الطائرة عند أحد التقاطعات، وفي مثل هذه الحالة يقوم قائد الطائرة بتدوين رقم المركبة الواضح على جوانبها الأربع ويبلّغ عنه ليتم اتخاذ الإجراءات معه.
مثل هذه المواقف تحدث يومياً في مطارات العالم، شاحنة تصطدم ببدن طائرة، جناح يحتك بذيل أخرى، جسر ركاب يرتطم بطائرة، أو مركبة خدمات تعبر الطريق دون تنسيق، كل حادثة من هذا النوع تربك جداول الرحلات وتضاعف خسائر الشركات وتضيع أوقات الركاب.
للحد من هذه المخاطر، أطلقت إدارة سلامة الطيران عام 2003م برنامج الوقاية من حوادث الساحة (GAP) (ground accident prevention) الذي فرض سياسات تدريب صارمة لتكريس ثقافة السلامة وتقليص الأخطاء.
الأرقام تشير إلى أنه بين عامي 2019 و2023 تم تسجيل 9,073 حادثة أرضية، منها 55 خطيرة، بينما تراجع المعدل في 2023 إلى 1.7 حادثة خطيرة لكل مليون حركة، وتبيّن الإحصاءات أن معدات الخدمات الأرضية مسؤولة عن 61% من الأضرار، نتيجة أعطال ميكانيكية أو ضغط الوقت أو سوء الأحوال الجوية أو ضعف التواصل أو فهم خاطئ للعلامات، «ولا يُستبعد أن يكون استخدام الجوال من بين الأسباب».
الخسائر لا يُستهان بها، حيث تُكلف شركات الطيران ما يقارب 10 مليارات دولار سنوياً، لهذا حُددت السرعة القصوى في المسارات الأرضية الخاصة بالمركبات لتكون 30 كيلومتراً في الساعة أو أقل، وتنخفض إلى 15 كلم/ساعة في المناطق الأخرى، بينما تقترب من سرعة المشي قرب الطائرات.
بعض الحوادث تكون مأساوية، مثل ابتلاع محرك الطائرة لشخص على الأرض، وهي الحادثة التي تكررت مرتين في الأشهر الأخيرة، ورغم تطوّر التكنولوجيا وتوظيف أنظمة أرضية ذكية، تبقى هذه الوقائع دليلاً على أن الهفوات الصغيرة في عالم الطيران ثمنها فادح، وأن بعض الخسائر أصعب من أن يغطيها أي تأمين أو تعويض مالي.
ساحات المطارات التي نمر بها سريعاً دون انتباه هي في الحقيقة مسرح صامت لمخاطر يومية كثيرة، تُثبت أن الأرض أيضاً تكتب قصص الطيران وليست السماء وحدها.
أخبار ذات صلة
0 تعليق