أصدر جهاز أبوظبي للاستثمار «أديا» تقريره السنوي لعام 2024، والذي يوفر نظرة شاملة ومفصّلة لنشاطاته المختلفة خلال العام الماضي ويلقي الضوء على توقعاته للعام الجاري.
وبحلول 31 ديسمبر 2024، بلغت معدلات العائد السنوي المركبة لـ «أديا» على مدى 20 عاماً و30 عاماً (على أساس نقطة إلى نقطة) نحو 6.3% و7.1% على التوالي، مقارنةً بـ 6.4% و6.8% في عام 2023. وكما هو معتاد، يمكن أن تتأثر هذه العوائد بتغير السنوات إلى جانب إدراج بيانات جديدة من العام المالي الأخير، وهو ما يبرز تفضيل «أديا» التركيز على الاتجاهات طويلة الأجل.
وأكد سموّ الشيخ حامد بن زايد آل نهيان العضو المنتدب لـ«جهاز أبوظبي للاستثمار»، في افتتاحية التقرير السنوي: في ظل المشهد العالمي، مكّنت سياسات جهاز أبوظبي للاستثمار «أديا» القائمة على التنويع والمرونة والتركيز على إدارة المحفظة الكلية، من تحقيق أداء قوي طوال عام 2024.
وقال سموه: «كانت الأسواق العالمية في عام 2024 بمثابة دراسة في التناقضات؛ إذ دفعت موجة من التفاؤل الاقتصادي وتفاؤل الأرباح والتكنولوجيا، الأصولَ عالية المخاطر إلى تحقيق مكاسب كبيرة للعام الثاني على التوالي، رغم تصاعد المخاطر الجيوسياسية والهيكلية».
وأضاف: دخل المستثمرون عام 2024 بتوقعات حذرة وسط مخاوف من ارتفاع تقييمات الأسهم وتأثير الضغوط التضخمية المستمرة على مسار أسعار الفائدة. غير أنه مع تقدم العام، تباطأ التضخم في حين بقيت المؤشرات الاقتصادية الرئيسية — بما في ذلك التوظيف وإنفاق المستهلكين ونمو الناتج المحلي الإجمالي — قوية. وقد شكّل ذلك بيئة مواتية لأرباح الشركات؛ ففي الربع الثاني، تجاوزت قرابة 80% من شركات مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» (S&P 500) توقعات الأرباح لكل سهم.
وأوضح: كما في عام 2023، واصل الزخم دفع الأسواق إلى مستويات أعلى، وكان ذلك واضحاً بشكل خاص في أسهم التكنولوجيا، حيث طغت الآمال بثورة تقودها تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجالي النمو والإنتاجية على المخاوف المتعلقة بالتقييمات المرتفعة. ومع ذلك، وعلى عكس العام السابق، بدأ المستثمرون يبحثون بشكل متزايد عن فرص قيمة في قطاعات أخرى، مثل الخدمات المالية والرعاية الصحية والصناعات. وقادَت الأسهم الأمريكية المكاسب العالمية، تلتها الأسهم اليابانية، فيما أنهى مؤشر «إم إس سي آي» (MSCI) العام مرتفعاً بنسبة 19%. أما الأسهم الأوروبية فقد بدأت العام بثقة، لكن المخاوف بشأن وتيرة تعافي اقتصاد المنطقة كبحت المكاسب لاحقاً، ما أسفر عن أداء متواضع بنهاية العام. وفي المقابل، اكتسبت الأسهم الصينية زخماً في الأشهر الأخيرة من العام، بدعم من تحسّن الآفاق الاقتصادية وتدابير تحفيزية مستهدفة.
وتابع: شهدت أسواق الدخل الثابت تقلبات حادة في 2024، حيث ساهم تباين النمو العالمي واستمرار التضخم وتغيّر سياسات البنوك المركزية في ارتفاع العوائد طويلة الأجل. أما أسواق الائتمان فقد استفادت من متانة القطاع المؤسسي، مع تقلّص فروق العوائد الائتمانية بشكل ملحوظ. وفي ظل هذا المشهد، مكّنت سياسات جهاز أبوظبي للاستثمار (أديا) القائمة على التنويع والمرونة والتركيز على إدارة المحفظة الكلية، من تحقيق أداء قوي طوال عام 2024.
بناء قدرات
أكد سموه أنه في السنوات الأخيرة، طبق «أديا» نهجاً علمياً على مستوى المؤسسة بأكملها، واستثمر بشكل كبير في بناء قدراته الداخلية في التحليل الكمي وتحليل البيانات. وقد أتاح له ذلك إجراء تعديلات ديناميكية على مستوى المحفظة الكلية لاقتناص الفرص، وفي الوقت نفسه تعزيز قدرته على الاستفادة من الاتجاهات طويلة الأجل.
وقال: من خلال تعميق فهمه لديناميكيات المخاطر والعائد في المحفظة الكلية، وسّع «أديا» نطاق الأصول القابلة للاستثمار ضمن فئات أصول معينة، ومكّن فرقه الاستثمارية من اقتناص هذه الفرص ضمن أطر واضحة. وأضاف: من الأمثلة على ذلك في عام 2024، اتبع «أديا» نهجاً ديناميكياً تجاه أدوات الدين الخاصة (الائتمان الخاص)، مستفيداً من الطلب المتزايد في السوق على التمويل البديل والمرن. وضمن حدود التعرض المستهدفة التي وضعها الجهاز، كانت فرق الاستثمار المختلفة نشطة في اقتناص الفرص الناشئة المتماشية مع استراتيجياتها وأهدافها الفردية. وفي الوقت نفسه، تطوّر نهج «أديا» في إدارة بعض أجزاء محفظته من الأسهم المُدارة بنشاط، عبر توسيع قدرته على الاستثمار بمرونة عبر طيف أوسع من استراتيجيات الأسهم والأدوات المرتبطة بالأسهم.
توقعات
بعد عامين من الأداء الاستثنائي لسوق الأسهم، كانت التوقعات في بداية عام 2025 تميل نحو تحقيق مكاسب أكثر اعتدالاً وزيادة الحذر بين المستثمرين.
مع حلول عام 2025، من المرجح أن تظل الخلفية الاقتصادية العالمية مُعقدة. من المتوقع أن يستقر التضخم، الذي كان في مسار تنازلي، أو يرتفع قليلاً في عام 2025، حتى مع استمرار ضعف النمو. يُمثل هذا معضلة للبنوك المركزية، التي قد تُشجع على تبني سياسات نقدية أكثر مرونة لدعم النشاط الاقتصادي، حتى مع خطر ارتفاع التضخم قليلاً.
وتابع: من المرجح أن تتوافق هذه العقلية المُركزة على النمو مع جهد أوسع نطاقاً لمعالجة عقود من نقص الاستثمار في البنية التحتية. تُزيد الحكومات حول العالم إنفاقها على مشاريع تحديث الأنظمة المتقادمة ودعم النمو طويل الأجل، بما في ذلك في قطاعات النقل والطاقة والشبكات الرقمية وغيرها. ومع توقعات بوصول احتياجات الاستثمار السنوية في البنية التحتية إلى تريليونات الدولارات، يُتيح ذلك للمستثمرين فرصاً للمشاركة في مشاريع تحويلية لا تُحقق عوائد مالية فحسب، بل تدعم أيضاً الاحتياجات الهيكلية طويلة الأجل.
وأوضح: ستظل التكنولوجيا، وخاصةً صعود الذكاء الاصطناعي، في طليعة الاهتمام العام. في السنوات القادمة، من المتوقع أن يُحدث تطور قدرات هذه التقنيات، واندماجها المتزايد في نسيج الاقتصاد العالمي، تحولاً جذرياً في المجتمع. من خلال تعزيز الكفاءة وفتح آفاق جديدة، فإنها تُبشر بإحداث ثورة في كيفية عملنا وتواصلنا ومواجهة التحديات العالمية المعقدة. ويدرك جهاز أبوظبي للاستثمار، أن عدم اليقين والتغيير سمتان حتميتان في المشهد الاستثماري، حيث غالباً ما تكون الفرص زائلة. في هذا السياق، تُعدّ التكنولوجيا والاستخدام الفعال للبيانات عوامل تمكين أساسية لمواجهة هذه التحديات بفعالية.
0 تعليق