الاتفاق، الذي ينص على أن أي اعتداء على أحد الطرفين يُعد اعتداءً على الآخر، يعيد باكستان إلى قلب الحسابات الأمنية الخليجية، وهذه المرة ليس من خلال البُعد الديني أو التاريخي فقط، بل بوصفها شريكاً إسلامياً نووياً في معادلة ردع إقليمية تتغير موازينها بسرعة.
في المقابل، مثّل الرد الخليجي الجماعي على استهداف إسرائيل للدوحة لحظة نادرة من التناغم العسكري والسياسي. أن تجتمع دول الخليج بهذا الشكل الطارئ، وتتخذ قرارات دفاعية عملية – كتعزيز الإنذار المبكر وتوحيد الصورة الجوية – يعني أن نظرية «الأمن الجماعي» التي طالما طُرحت نظرياً، بدأت تجد طريقها إلى التنفيذ والفاعلية.
من وجهة نظري، هذه التحركات ليست مجرد ردود أفعال على أحداث طارئة، بل هي إشارات إلى تحوّل أعمق. لقد أدركت دول الخليج، خاصة بعد التذبذب في المواقف الدولية تجاه قضاياها الأمنية، أن الاعتماد على الحلفاء لم يعد كافياً، بل ولم يعد ضماناً مطلقاً. لذا، فإن الذهاب إلى خيارات مثل التحالف مع باكستان، أو بناء قدرات دفاعية مشتركة داخل مجلس التعاون، لم يعد خياراً إستراتيجياً فحسب، بل ضرورة وجودية.
ورغم أن الضربة الإسرائيلية كانت محدودة عسكرياً، إلا أن أصداءها كانت مدوّية سياسياً. فقد أظهرت أن كل دولة خليجية – مهما بدت هادئة أو متعقّلة – يمكن أن تصبح هدفاً مباشراً في صراعات تتجاوزها. ومن هنا، فإن ما رأيناه من حراك سعودي وخليجي ليس فقط رداً على تلك الضربة، بل استعداد لما هو أخطر وأشمل.
نحن أمام مشهد جديد يتشكل: الخليج يتقارب أكثر مع قوى إسلامية آسيوية، ويعمل على مراجعة وإعادة تقييم التحالفات التقليدية، ويبدأ ببناء استراتيجيات نحو منظومة أمنية ذاتية، قادرة على الردع والدفاع دون انتظار ضوء أخضر.
في المحصّلة، يبدو أن الخليج، بقيادة سعودية أكثر حذراً وتحسم مواقفها، وتتجه نحو بناء منظومة أمنية أكثر استقلالاً، وأكثر تنوعاً من حيث الشركاء، وأقل اعتماداً على قوى دولية قد لا تلتزم بالشراكات والتعاون الأمني. إنها لحظة إعادة تعريف للدور الخليجي، وإعادة تموضع في المشهد الجيوسياسي للخليج كله.
أخبار ذات صلة
0 تعليق