من الفاشية للديمقراطية.. وبالعكس! - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
أيهما أطول عمراً وأكثر استقراراً وأسرع تحولاً: الديمقراطية أم الفاشية؟ تاريخاً: من السهل التحوّل من الديمقراطية إلى الفاشية.. ويصعب التحوّل من الفاشية إلى الديمقراطية. كما يسهل الانقلاب على الديمقراطية، ويصعب التحوّل إلى الديمقراطية. وفي كل الأحوال: المتغيّر الأساس هنا عنصر القوة، لا فقط من حيث امتلاكها، بل الإرادة (الماضية) في استخدامها. الديمقراطية، عموماً، تكاد تخلو من عنصر القوة (المادية) القاهرة، وبالتالي: يصعب التحوّل إليها، والأخطر فرض إرادتها. بينما الفاشية، يسهل التحوّل إليها.. ويصعب التخلص منها، وذلك لأن الفاشية تمتلك القوة (المادية) القاهرة، وكذا الإرادة في استخدامها، سواءً في الوثوب على السلطة، أو البقاء فيها.

لنأخذ، على المستوى الكوني، وإحداث تغيرات حاسمة على شكل وقيم ومؤسسات النظام الدولي، في إطار التحوّلات في هيكل النظام الدولي، قيمياً ومؤسساتياً، من نظام دولي لآخر. الحرب الكونية الثانية، على سبيل المثال: ينظر إليها البعض، من حيث أسبابها ونتائجها، أنها حربٌ بين الديمقراطية والفاشية، حصدت في أتونها أكثر من ستين مليون إنسان.. وكان يُنظر إليها، من حيث اللجوء إلى القوة القاهرة لحسمها خمس سنوات من عمر التاريخ الإنساني، ليتحقق انتصار الديمقراطية باهظ الثمن، حتى للمنتصرين فيها. صحيح أن الحلفاء انتصروا في تلك الحرب، لكن دولٌ عظمى، دخلت الحرب ولم تخرج منها بالوضعية التي كانت فيها قبل الحرب.

بينما لم يحتج هتلر سوى مناورات سياسية قصيرة، مع جرعات مكثفة من استعراضات إرهاب القوة المنظم في الشارع، ليصل إلى السلطة، ليحدث انقلاباً على الديمقراطية، انتهاءً بحرق البرلمان، الذي أتى به للسلطة، واعتقال رموز المعارضة وفرض إجراءات صارمة وحاسمة لسيطرة حزبه النازي على مقادير البلاد، بل والعالم، بأسره.

الفاشية تُقدّر أيما تقدير عنصر القوة الحاسم، مع توفر الإرادة الماضية لاستخدامها. بينما الديمقراطية تتطور ببطء متكاسل وبجهد يقترب من الرومانسية منه للواقعية، بشعارات تكاد تكون جوفاء، لدرجة إهمال متغيّر القوة في مرحلة إقامة الدولة، والمضي في وهم دوام استقرار ومتانة قواعد النظام الديمقراطي. بعبارة أخرى: النظام الديمقراطي يخلو تماماً من المخالب والأنياب، التي تضمن استمراره. الفاشية، في المقابل: تؤمن إيماناً راسخاً بعنصر القوة (المادية)، وهي متمترسة، بكل عزمٍ ومضاء وراء متغيّر القوة هذا، بقناعة مفرطة للاستزادة من موارد وإمكانات القوة، ليس فقط في مرحلة بدايات الوصول إلى السلطة، بل في كل مراحل البقاء فيها والتمترس داخل قلاعها المنيعة.

استراتيجية الفاشية في استخدام القوة للوصول للسلطة، ولو- بالعنف- والاحتفاظ بها، لا تتوفر في النهج الديمقراطي في الحكم. الفاشية، في مرحلة الاستيلاء على السلطة، قد تلجأ لـ «تكتيك» ارتقاء «سلم» الديمقراطية، وعندما تصل إلى السلطة، ترفع «السلم»، حتى لا يستخدمه أحدٌ بعدها، بما فيه رموز النظام الأتوقراطي القائم. بينما الديمقراطية، من ناحية أخرى: تُبقي ذلك «السلم»، ربما تستخدمه أطياف الديمقراطية المتعددة، في محاولة تبدو يائسة، للإيحاء بأن شرعية النظام الديمقراطي تعتمد على إرادة عامة أبدية، نجحت في إيجاد نظام سياسي، وجد حلاً (سلمياً) لحركة الصراع العنيف (الدموي) على السلطة، عن طريق تطوير آلية (سلمية) لتداول السلطة، تعتمد على التعددية السياسية، لا على عناصر عدم الاستقرار، له خلفيته الأيديولوجية المتزمتة، في كثير من الأحايين، التي لم تستبعد بعد متغير التحوّل (العنيف)، للحفاظ على الامتيازات الطائفية والعرقية والمذهبية والطبقية، المتجذرة في المجتمع، مع عدم التسامح، تجاه كل من يتحدى امتيازاتها ونصيبه الأوفر في موارد النظام السياسي القائم العصي عن التحوّل والتغيير.

مع الوقت، قد لا يبقى من نماذج النظام الديمقراطية سوى التجربة الديمقراطية البريطانية العريقة، مع جيوب متفرقة في دول شمال أوروبا المستقرة والغنية. وتبقى الديمقراطية البريطانية العريقة، التي أتت بمواطن بريطاني، من أصول هندية (هندوسية)، ليصبح رئيساً لوزراء بريطانيا، ولو لفترة قصيرة. هذا التطوّر المتماسك المتطرف في تسامحه وإيمانه بالخيار الديمقراطي، قد يكون سبباً، مع الوقت، في انهيار التجربة الديمقراطية العريقة، في بريطانيا العظمى.

وإن كان التاريخ، مع التحوّل الديمقراطي، إلا أن مسيرة حركة التاريخ، أمامها طريق وعر، مرصوف بالعنف وعدم الاستقرار والحروب حتى تستوعب الإنسانية فضيلة السلام والاستقرار والأمن، الذي قد يأتي به الحل الديمقراطي.

أخبار ذات صلة

 

0 تعليق