عاجل

«المركزي» والسياسة النقدية - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

د. لويس حبيقة *

تدار السياسة النقدية من قبل حاكم المصرف المركزي، الذي يجب أن يتمتع بصفات علمية وقيادية بارزة. حاكم المصرف المركزي الأمريكي الأسبق كان «بن برنانكي»، الأستاذ في جامعة برينستون الذي له مؤلفات عدة أهمها دراسة أزمة 1929. الحاكم الحالي جيروم باول، محامٍ لامع جدي يقود مهمته بجدارة، حتى لو قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عنه عكس ذلك. يتمتع المصرف المركزي بالاستقلالية عن السلطات الأخرى. يريد ترامب أن تكون السياسة النقدية أي عملياً تحديد الفوائد تحت سلطته، وهذا في غاية الخطأ والخطورة.
حاكمة المصرف المركزي الأوروبي هي كريستين لاغارد، وهي محامية وكانت وزيرة للمال في فرنسا، وتحوز رضى وتقدير من يعمل معها ولم تتسبب بأي أخطاء في السياسة النقدية. يعين الحاكم الأوروبي لفترة واحدة غير قابلة للتجديد تدوم 8 سنوات. أما حاكم المصرف المركزي البريطاني، فكان مارك كارني، الذي أصبح اليوم رئيس وزراء كندا، تبعه الحاكم الحالي أندرو بايلي، الذي درس الاقتصاد لسنوات في جامعة لندن.
مهمة المصرف المركزي تحقيق الاستقرار النقدي، وهذا يتعارض في المبدأ مع أعمال الأسواق المالية والبورصات المرتكزة على المخاطر وتقييمها. من المؤكد أن الرئيس ترامب سيعين السنة المقبلة خلفاً لباول حاكماً يأتي من الأسواق أو خبيراً استثمارياً ناجحاً، أي له سيرة ذاتية مختلفة جداً عن باول وبقية الحكام.
السياسة النقدية مهمة ليس فقط بأهدافها، وإنما أيضاً بوسائلها وفعاليتها. يحددها المصرف المركزي وتهدف إلى محاربة التضخم، أوإبقاء مؤشر غلاء الأسعار ضمن هامش متفق عليه ومعلن. وسائلها الأساسية هي الفوائد، التي عبرها يحدد نمو الكتلة النقدية، وبالتالي تؤثر في الاقتصاد العام. استقلالية السياسة النقدية تعني أن قرارها غير خاضع للسلطة السياسية، لكنها لا تعني عدم التنسيق مع السلطة التنفيذية، بل العكس صحيح.
تقول جانيت يالين، الحاكمة السابقة للمصرف المركزي الأمريكي ووزيرة مالية عهد بايدن، إن إحدى أهم وسائل السياسة النقدية هي التخاطب مع الأسواق أي إعلان أهداف المصرف المركزي وكيف سيحققها. سياسة الشفافية هي إحدى أهم ركائز السياسة النقدية في رأيها. يقول مرفين كينغ، حاكم المصرف البريطاني الأسبق، إن هدف السياسة النقدية هو استقرار الأسعار على المدى الطويل. للمصارف، في رأي كينغ، أهمية كبيرة، وبالتالي وجبت تقوية رأسمالها.
من الضروري الاستمرار في محاربة التضخم، عبر السلطة النقدية، وترك مهمة تحقيق النمو للسلطة المالية. كم هو مفرح أن نرى حاكم المصرف المركزي الأمريكي يخضع لأسئلة أعضاء مجلس الشيوخ، عبر وسائل الإعلام. هذا يقوي ثقة المواطنين بالمؤسسات والمسؤولين. كلما توسعت صلاحيات وقوة المصرف المركزي، هددت الاستقلالية الضرورية للسياسة النقدية الصحيحة. من غير المقبول أن يكون أي مصرف مركزي مساهماً في شركة طيران أو مصرف أو معلم سياحي أو شركة مالية أو غيرها، إذ يتعدى بذلك على جوهر السياسة النقدية والاستقرار المطلوب. تحديد التوازن الصحي بين الصلاحيات والأهداف والحفاظ عليه هو في غاية الدقة.
* كاتب اقتصادي لبناني
[email protected]

0 تعليق