كتب محمد الجمل:
يعيش المواطنون في قطاع غزة أجواء من الفرحة الممزوجة بالقلق والترقب، بعد التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، بينما مازالت المعاناة تتواصل في مخيمات النزوح.
"الأيام" رصدت مجموعة جديدة من المشاهد من مخيمات النازحين في قطاع غزة، بعد التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، منها مشهد تحت عنوان: "فرحة وترقب"، ومشهد آخر يرصد ارتفاع أسعار الحطب وأثر ذلك على النازحين في ظل استمرار منع توريد غاز الطهي، وتحوّل الحطب إلى وقود وحيد، ومشهد ثالث تحت عنوان: "سيدات يقدن الأُسر".
فرحة وترقب
عاش المواطنون فرحة كبيرة في عموم قطاع غزة، بعد الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار، حيث عمت الاحتفالات كافة مناطق القطاع، خاصة مواصي خان يونس، وسُمع دوي إطلاق نار في الهواء، وتهليل وتصفيق في مخيمات النازحين.
بينما خرج مواطنون ونازحون إلى الشوارع، وهم يهتفون فرحين بالتهدئة، وسط آمال بالعودة قريباً إلى منازلهم وأحيائهم التي نزحوا عنها قسراً.
وقال المواطن بسام حمودة، إنه يشعر بفرحة كبيرة بعد التوصل إلى اتفاق يقضي بنهاية الحرب، لكنه لم يُخفِ قلقه ومخاوفه من القادم، فهناك تفاصيل كثيرة لم يتم حسمها، وربما إسرائيل تتلاعب فيها، وتعمل على إفشال الاتفاق، وتعود إلى الحرب من جديد، خاصة أنها سبق أن انقلبت على اتفاق كانون الثاني الماضي.
وأشار إلى أن الأمر بحاجة إلى وقت حتى يقتنع هو وغيره من المواطنين بأن الحرب انتهت، وهذا يتوقف على سلوك الاحتلال في المرحلة المقبلة، خاصة فيما يتعلق بانسحاب قواته من المدن في قطاع غزة.
بينما قال المواطن أحمد معمر إنه يشعر بالارتياح بعد التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، لكن فرحته لن تكتمل حتى ينسحب جيش الاحتلال من مدينة رفح، ويعود إليها وباقي سكانها، الذين طردوا منها قسراً.
وأكد معمر أن نحو عام ونصف العام مضت على العمليات العسكرية في رفح، وأكثر من 7 أشهر مرت على إغلاقها وعزلها، ومازال وباقي سكان المحافظة يتوقون للعودة إليها، والعيش فيها، حتى لو في خيام.
ولفت إلى أنه يعيش في مواصي خان يونس حياة صعبة وقاسية، على أمل وقف الحرب والعودة إلى رفح، ويتمنى أن تكون التهدئة الحالية بداية حقيقية لوقف الحرب والانسحاب، وأن لا تكون كسابقتها، مؤكداً أن الاحتلال ومن خلال التجارب السابقة لا يؤتمن جانبه، وتمنى أن يلعب الوسطاء والضامنون هذه المرة دوراً مهماً في ضمان تنفيذ الاتفاق.
ودفعت الفرحة بعض المواطنين لمحاولة العودة إلى بيوتهم وأحيائهم، خاصة في محافظتي خان يونس وغزة من خلال شارع الرشيد، وقد تعرضوا لإطلاق نار وقصف إسرائيلي، وقد طالب جهاز الدفاع المدني في قطاع غزة، المواطنين بعدم العودة إلى مدينة غزة، إلا بعد صدور إعلان بإخلاء شارع الرشيد ومحيطه من قوات الاحتلال.
ارتفاع أسعار الحطب
شهدت أسعار الحطب في قطاع غزة، خاصة جنوبه، ارتفاعاً كبيراً ومتواصلاً خلال الأيام الماضية، مع استمرار استنزاف هذا المورد الطبيعي، في أعقاب قطع غالبية الأشجار في القطاع.
وشوهدت كميات من الخشب تُباع على بسطات في مواصي خان يونس، معظمها عبارة عن خزانات ملابس، جرى تفكيكها وتكسيرها، وأبواب غرف، وأثاث خشبي متنوع.
ووفق باعة خشب وحطب، فإن أغلب ما يتم بيعه في الأسواق هو أثاث خشبي نقله النازحون معهم من مدينة غزة باتجاه جنوب القطاع، بعد تفكيكه من منازلهم قبل الرحيل عنها، لاعتقادهم بأنه سيتم تدمير المنازل.
لكن هذا الخشب يُباع بأسعار مرتفعة جداً، تصل إلى 12 شيكلاً للكيلوغرام الواحد، والعائلة المتوسطة تحتاج بين 2 و3 كغم من الخشب للاستهلاك اليومي، ما يعني أن تكلفة شراء الخشب قد تصل لدى بعض العائلات إلى 35 شيكلاً يومياً.
وذكر المواطن محمود عبد العال، أن شراء الحطب أرهقه بشكل كبير، ولم يعد يحتمل كل هذه المصاريف اليومية، خاصة مع ارتفاع الأسعار على نحو غير مسبوق.
وبيّن أنه بحاجة للخشب والحطب لإعداد الخبز، وطهي الطعام، وتجهيز الشاي والقهوة، وتسخين الطعام أحياناً، وهذا يتطلب الجلوس أمام النار فترات طويلة.
وأوضح أنه يعاني مادياً وصحياً بسبب إشعال النار، فإضافة إلى دفع مبالغ كبيرة، يعاني من الدخان الذي تسبب له بسعال، وضيق في التنفس، وحرقة في العينين، وقد سئم من استمرار إشعال النار بشكل يومي.
وقال المواطن عبد الله النجار، الذي يبيع الخشب والحطب في مواصي خان يونس، إن الحصول على الخشب والحطب بات صعباً جداً، وأسعاره ارتفعت، موضحاً أنه تم قطع معظم الأشجار في قطاع غزة، خاصة الزيتون المثمر، من أجل حرق حطبها.
وأشار إلى أنه شاهد أحد المواطنين في مواصي خان يونس يقطع شجرة زيتون كبيرة ومثمرة، بهدف بيع حطبها بعد ارتفاع أسعاره، ورغم أنه كان بحاجة إلى شراء الحطب لوضعه على بسطته، إلا أنه شعر بالحزن بعد قطعها، متوقعاً نفاد الخشب والحطب من الأسواق في غضون وقت قصير.
ويواصل الاحتلال منع إدخال غاز الطهي وجميع أنواع الوقود للقطاع، في خطوة وصفت على أنها عقابية ضد المواطنين في القطاع.
سيدات يقدن الأُسر
نجحت سيدات في قيادة أسرهن بعد فقد المُعيل، رغم الظروف العصيبة، وتمكنّ من توفير متطلبات أبنائهن، ومواجهة كل التحديات الصعبة التي واجهتهن.
فقد وجدت آلاف السيدات أنفسهن في موضع المسؤولية بشكل مفاجئ، وفي ظل ظروف الحرب والنزوح والمجاعة، لكنهن واجهن كل الظروف، وقدن أسرهن أفضل من بعض الرجال.
المواطنة "أم مروان"، كانت عائدة من مركز المساعدات الأميركية وهي تحمل طرداً غذائياً، قالت إنها فقدت زوجها الذي استشهد قبل نحو 15 شهراً، لكنها قررت أن تكون بمثابة الأب والأم لأبنائها، وقد واجهت المجاعة والنزوح وحيدة، وتحدّت كل الظروف من أجل أبنائها الخمسة.
وأشارت إلى أنها تتوجه أربع مرات أسبوعياً إلى مركز المساعدات الأميركية شمال مدينة رفح، وتجلب من هناك بعض الطعام، كما أنها تقصد "تكايا الطعام" وتعمل أحياناً في فرن محلي صغير مقابل أجر بسيط.
وأوضحت أنها منذ اللحظة الأولى لاستشهاد زوجها قررت أن تعيش من أجل أطفالها، وأيقنت أن المسؤولية الملقاة على عاتقها كبيرة، لكنها رفضت التخلي عن واجبها، وتعمل كل شيء من أجل أن يعيش أطفالها حياة كريمة.
أما المواطنة سماح مصطفى، فأكدت أنه وحين رحل زوجها وابنها البكر قبل عام، شعرت بأن الدنيا اسودت في عينيها، وظنت أنها لن تستطيع أن تواصل المسيرة، لتربية أبنائها الأربعة، لكنها في لحظة تداركت الأمر، وتماسكت، وقررت أن تواجه الحياة القاسية، وبدأت تتحمل مهام قيادة الأسرة، يعاونها أبناؤها رغم صغر سنهم.
وبينت أنها تقوم بكل شيء كان يفعله زوجها، وتواجه أعباء الحياة بمعاونة أطفالها منفردين، ولم تكن تتخيل أن توضع في هذا الموقف الصعب، لكنها مع الأيام أثبتت لنفسها ولمن حولها أنها قادرة على فعل ذلك وأكثر.
ونوهت إلى أن الكثير من السيدات من أمثالها قدّمن نماذج مشرفة في قيادة الأسر بعد رحيل الزوج، وأخريات واجهن مشكلات مع عائلاتهن بعد أن رفضن الزواج، والبعض واجهن تحديات كبيرة ونجحن في تخطيها.
وشددت على وجوب أن تقف المؤسسات الأهلية والحكومية إلى جانب النساء الأرامل اللواتي يُعِلن أيتاماً، وأن تقدم المؤسسات كل الدعم لهن، من أجل مساعدتهن على مواجهة أعباء الحياة.
0 تعليق