كتب محمد الجمل:
تراجعت آليات الاحتلال من بعض المناطق في محافظتَي خان يونس وغزة، ما مكّن المواطنين من العودة إلى بيوتهم، بينما ما زالت الدبابات والطائرات تُحكم سيطرتها على مساحات واسعة من القطاع، ويُمنع المواطنون من سكان تلك المناطق من العودة إلى بيوتهم وأحيائهم.
"الأيام" رصدت مشاهد جديدة من داخل قطاع غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي من بعض المناطق، منها مشهد يوثق الصدمة التي انتابت المواطنين بعد العودة إلى بيوتهم، ومشهد آخر تحت عنوان "حزن وحسرة"، ومشهد ثالث يوثق الخطر الكبير الذي يواجهه عشرات آلاف النازحين في القطاع، رغم وقف إطلاق النار.
صدمة العودة للحي
تمكّن عدد كبير من المواطنين من الوصول إلى أحيائهم التي أُجبروا على النزوح عنها في الأسابيع والأشهر الماضية، وقد صدموا بحجم الدمار الهائل الذي تعرضت له بفعل العدوان الإسرائيلي.
وعاد مواطنون إلى بعض الأحياء في مدينة غزة، لا سيما منطقة الشاطئ الشمالي، والنصر، وشارع الجلاء ومناطق أخرى في المدينة، بينما عاد مواطنون إلى وسط مدينة خان يونس.
وقال المواطن محمود العقاد: إنه عاد إلى الحي الذي يقطن فيه لأول مرة منذ أكثر من 4 أشهر، وللوهلة الأولى لم يصدق أن ما شاهده حقيقة، فالدمار الذي حلّ بالحي كبير وغير مسبوق، موضحاً أن جميع المنازل والبنايات في الحي دُمرت، والبنية التحتية جرى تخريبها بشكل متعمد.
وأشار إلى أن العودة للإقامة في تلك المناطق مستحيلة، فحتى خيمة لا يمكن وضعها هناك، بسبب الركام، والحفر، والمنطقة بحاجة إلى إعادة تأهيل لتصلح لإقامة مخيمات للنازحين، عدا أخطار وجود أجسام خطيرة قابلة للانفجار في أي لحظة.
من جهته، قال المواطن إبراهيم منصور: إن منزله يقع عند حافة الانسحاب الإسرائيلي، وتحديداً قرب دوار بني سهيلا، لكنه رغم ذلك غامر وعاد إلى المنزل، ووجده مدمراً بشكل كامل، وأن المنطقة التي تحيط به مُسحت تماماً.
وأكد أنه رغم حجم الدمار الكبير الذي شاهده، إلا أنه لم يشعر بالمفاجأة، فهو يعرف أن جيش الاحتلال عاد إلى المنطقة التي كان احتلها بداية العام 2024 من أجل استكمال تدميرها كلياً.
ولفت منصور إلى أنه شاهد الحزن والحسرة على وجوه المواطنين الذين عادوا إلى منازلهم في مناطق وسط خان يونس، وكان معظمهم يأملون بأن يجدوا البيوت ما زالت قائمة، لكنهم صدموا بتدميرها، مبيناً أن الاحتلال طبّق نموذج التدمير في رفح على محافظة خان يونس.
وبيّن أنه بحث عن بعض حاجيات عائلته تحت الركام، واستطاع استخراج أغطية وملابس، لكنها كانت ممزقة وبعضها تالف، ومليئة بالغبار والأتربة، غير أنه نقلها معه إلى خيمته في منطقة المواصي، على أمل أن تتمكن زوجته من حياكة بعضها، ثم غسلها، حتى يتم استخدامها، خاصة مع قرب فصل الشتاء، وأن أبناءه بحاجة إلى ملابس وأغطية.
وكانت صدمة الدمار في مدينة غزة مماثلة، إذ فوجئ سكان شمال المدينة، خاصة في محيط بركة الشيخ رضوان، بدمار مماثل وربما أكبر.
ووفق مصادر متطابقة، فإن قوات الاحتلال دمّرت آلاف المنازل بشكل كامل، وجرّفت الطرقات في مناطق "النفق، واليرموك، والجلاء والشيخ رضوان، والنصر، والشفاء، ومخيم الشاطئ، وتل الهوا، والصبرة بمدينة غزة".
حزن وحسرة
يعيش أكثر من نصف سكان قطاع غزة حالة من الحزن والحسرة، بعد أن مُنعوا من العودة إلى مدنهم وأحيائهم حتى بعد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ.
ووفق المرحلة الأولى من الاتفاق، يُمنع سكان محافظة رفح بالكامل وعددهم نحو 270 ألف نسمة من العودة إلى المحافظة، كما منع سكان محافظة شمال القطاع وعددهم مماثل تقريباً من العودة إليها، بينما ما زال نحو نصف مساحة محافظتَي خان يونس، وغزة، خاضع للسيطرة الإسرائيلية، ويمنع سكانها من العودة إليه.
وذكر المواطن أحمد عاشور أنه كان ينتظر حدوث وقف إطلاق النار حتى يتمكن من العودة إلى منزله في محافظة رفح، ويتابع الأخبار أملاً بتحقيق هذه الغاية، حتى يرتاح من عناء النزوح، والإقامة في منطقة المواصي، وكان يُخطط لإنشاء خيمة كبيرة على أنقاض منزله المدمر، ليبقى إلى جانب جيرانه وأحبائه، الذين عاش معهم لسنوات طويلة.
وأكد أنه بدلاً من أن يشعر بالفرحة، شعر بالحزن والإحباط، فأي اتفاق لا يضمن عودته وباقي النازحين إلى بيوتهم يعتبر غير مكتمل، موضحاً أنه سينتظر حلول المرحلة التالية من الاتفاق، لعلها تعيده إلى مدينته، رغم أنه لا يوجد جدول زمني أو موعد محدد لتلك المرحلة.
أما المواطن عبد الرحمن يونس، وهو نازح من شمال القطاع، ويعيش حالياً في مواصي خان يونس جنوباً، فأكد أنه نزح في البداية إلى مدينة غزة، ثم خان يونس، وشعر بحزن وحسرة بعد أن علم أن محافظة الشمال كلها ستبقى خاضعة لسيطرة الاحتلال في المرحلة الحالية، ولن يحدث انسحاب منها.
وبيّن أنه حتى لو تم فتح شارع الرشيد، فلن يعود إلى مدينة غزة، وسيبقى في خيمته التي جهزها للإقامة الطويلة في خان يونس، إلى حين انسحاب قوات الاحتلال من الحي الذي يقع فيه منزله، حينها فقط يمكنه العودة للشمال.
وأشار إلى أنه يشعر بأنه سيعيش فترة نزوح طويلة في خان يونس، معتقداً أن الاحتلال سيماطل في تنفيذ المراحل الأخرى من الاتفاق، وربما ينقلب عليها، ويدمّر الاتفاق ويعود للحرب، كما حدث في آذار الماضي، حيث رفض رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو تطبيق المرحلة الثانية من اتفاق كانون الثاني، والذي كان من المقرر أن يتضمن 3 مراحل.
خطر كبير
رغم دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، وتراجع الاحتلال من بعض المناطق في قطاع غزة، إلا أن آلاف العائلات لا تزال تعيش في خطر، وتتعرض خيامها لإطلاق نار وقذائف بشكل مستمر.
ويعيش النازحون الذين تقع خيامهم عند حافة مناطق تمركز الاحتلال، خاصة جنوب مدينة خان يونس، وقرب مدينة حمد شمال المحافظة، وشمال وجنوب مدينة غزة، في خطر كبير، فرصاص الدبابات والأبراج الآلية لم يتوقف عن الانطلاق باتجاههم.
وشهدت الساعات الأولى ما بعد اتفاق التهدئة سقوط العديد من الشهداء والجرحى في قطاع غزة، خاصة في منطقة "الإقليمي وحمد"، بخان يونس، وفي مناطق متفرقة جنوب وشمال مدينة غزة.
وقال المواطن علي حسنين الذي يعيش في منطقة الإقليمي: إنهم ما زالوا يعيشون في خطر، وتتعرض خيامهم لإطلاق النار، والمُسيّرات الصغيرة تحلّق فوق خيامهم، ويسقط بينهم شهداء وجرحى.
ولفت حسنين إلى أنه لم يشعر بأن هناك وقفاً لإطلاق النار، فلا هو قادر على العودة إلى مدينة رفح، ولم يشعر بالأمان، فإطلاق النار والقذائف يتواصل في المنطقة التي يقيم فيها، ولا هو يعرف ماذا ستحمل الأيام المقبلة من تطورات.
ونوّه إلى أنه ينتظر لعل مناطق وسط المواصي تشهد عودة عائلات، وتتوفر مساحات خالية فيها، حتى ينقل خيمته إليها، فلا يمكنه وعائلته البقاء في ظل الخطر الشديد.
بينما قال المواطن أيمن حسونة، وهو نازح من غزة يعيش في مدينة خان يونس: إنه تحدث إلى أقاربه الذين ما زالوا في غزة، وأبلغوه بأن الوضع هناك ما زال صعباً، وأن الانسحاب الإسرائيلي محدود، وشمل بعض المناطق فقط.
وأكد حسونة أن الدبابات تتمركز شمال مدينة غزة، وتطلق النار باتجاه الأحياء الشمالية منها، خاصة الشيخ رضوان، وأن المواطنين لا يستطيعون العودة إلى بيوتهم أو أحيائهم بسبب الخطر الشديد.
وأوضح أن الاحتلال يعمل على خلق منطقة عازلة تصل إلى كيلومتر من المناطق التي يتواجد فيها، ويطلق النار باتجاهها باستمرار، ما يجعلها مناطق خطرة.
0 تعليق