روى أسرى فلسطينيون محررون تفاصيل مروعة عن التعذيب الجسدي والنفسي والإهمال الطبي المتعمد داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، حيث فقدوا عشرات الكيلوغرامات من أوزانهم وتعرضوا لكسور وأمراض، بينما استشهد آخرون تحت وطأة الظروف القاسية.
وقد وصل الأسرى الفلسطينيون المحررون إلى أرض الحرية في قطاع غزة حاملين على أجسادهم الهزيلة آثار التعذيب الوحشي داخل سجون الاحتلال، وتبدو ملامحهم شاحبة وأجسادهم منهكة، بينما تحكي أعينهم قصصا يصعب وصفها بالكلمات.
ويستقبل جمال دغاه من مزارع النوباني برام الله حريته بعد سنة ونصف قضاها موقوفا، ويقف أمام كاميرا الجزيرة بجسد فقد 30 كيلوغراما من وزنه مؤكدا أن حاله يغني عن أي كلام.
ويصف الوضع داخل السجون بأنه سيئ جدا في المعاملة والطعام وجميع جوانب الحياة اليومية، كاشفا عن تعرضه لأشكال متعددة من التعذيب الجسدي والنفسي، مؤملا أن يفرج الله عن جميع الأسرى الذين ما زالوا خلف القضبان.
وتتجسد المأساة الإنسانية في مشهد درامي حين فقدت إحدى بنات الأسرى وعيها لحظة رؤية والدها المحرر، وتعكس هذه اللحظة حجم الألم الذي عاشته العائلات الفلسطينية، إذ أصبح بعض الأبناء آباء دون أن يتعرفوا على أبنائهم، بينما لم ير بعض الأجداد أحفادهم قط.
صدمة مزدوجة
في حين واجه أسير محرر آخر التقته كاميرا الجزيرة صدمة مزدوجة عند وصوله إلى لحظة الحرية باكتشافه استشهاد والده وأخيه الأكبر خلال فترة اعتقاله.
ولكنه يتحدث بصوت متماسك رغم الألم، ويصف حالة أخيه الذي كان أسيرا معه موضحا أنه يعاني من وضع صحي متدهور إذ نهشت الأمراض جسده، فضلا عن معاناته من غضروف وكسر في ظهره نتيجة الضرب المتكرر وإصابته بحكة ودمامل حتى وصل وزنه إلى 45 كيلوغراما فقط.
ويروي كيف وصلوا إلى مرحلة الموت داخل سجن نفحة الصحراوي بسبب الإهمال الصحي المتعمد من إدارة السجن، مؤكدا أن التحسن في الظروف الذي شهدوه قبل الإفراج لم يكن بالمستوى المطلوب.
إعلان
ووصف حياتهم اليومية بين جدران عالية وشبك حديدي يحجب السماء، معبرا عن فرحته بمشاهدة السماء لأول مرة بدون شبك بعد حرمان طويل.
ويستعيد الدكتور سامر الحلبية من جانبه ذكرياته المريرة من 10 سنوات قضاها في السجن من أصل حكم بلغ 32 عاما.
ويؤكد تحسن الأوضاع مؤخرا مقارنة بالبداية، لكنه شدد على أن الأسرى عاشوا سنتين من الجوع والخوف والتعب.
إفراج مفاجئ
ويعبر الدكتور الحلبية عن صدمته من الإفراج المفاجئ قائلا إنه لم يصدق حتى اللحظة أنه أصبح حرا وبجانب والدته، ويصف شعوره بالفرحة التي لا توصف مشيدا بعظمة الشعب الفلسطيني وصموده.
ويروي الأسير فيصل المحكوم بـ30 عاما تفاصيل مروعة عن رحلة الإفراج نفسها.
ويصف شعوره بالفرحة المنقوصة لأنهم خرجوا بطريقة مذلة وقاسية، مؤكدا أن ما تعرض له الأسرى خلال السنتين الماضيتين من ضرب ومهانة وإيذاء لو وزع على نصف الأمة الإسلامية لكفاهم، رافضا الخوض في تفاصيل أكثر.
ويسرد فيصل كيف بدأت عملية جمع الأسرى للإفراج مساء يوم الجمعة الماضي، مؤكدا أنه تم عزلهم بشلك تام عن العالم الخارجي من دون محامين أو زيارات أو حتى الصليب الأحمر.
ويضيف أنهم عرفوا بالصفقة فقط حين بدأت إدارة السجن بجمع أصحاب الأحكام المؤبدة من سجن نفحة الصحراوي الذي يضم أكثر من 4 آلاف أسير.
ويكشف أن المعاناة الحقيقية بدأت من لحظة خروجهم من الأقسام، حيث مارست وحدات خاصة مختصة بالتعذيب ضربا مركزا على الوجه والمناطق الحساسة.
ويؤكد أن شدة التعذيب دفعت بعض الأسرى لتمني العودة إلى السجن بعد ساعات من خروجهم، مشيرا إلى آثار التعذيب الواضحة على أيدي وأرجل وأجساد الأسرى، ومؤكدا أنه يملك المزيد من الدلائل على ما تعرضوا له.
حرمان من العبادات
ويعدد فيصل أشكال الحرمان من العبادات والحرية الدينية التي يكفلها القانون، مضيفا أن الأمراض الجلدية انتشرت بين أكثر من 80% من الأسرى.
ويصف الاكتظاظ الشديد في الغرف حيث كانت الغرفة المخصصة لـ6 أسرى تستوعب 15 أسيرا، ما أدى إلى انتقال العدوى بين الأسرى بسرعة.
ويكشف فيصل مفارقة مؤلمة حيث كان الطبيب أول من يعتدي عليهم بالضرب ويرفض إعطاءهم حتى حبة دواء بسيطة، مؤكدا أن الإهمال الطبي كان متعمدا وممنهجا.
أما هاني البالغ من العمر 21 عاما، فتحدث عن تفاصيل اعتقاله على يد وحدة خاصة وقضائه 24 ساعة في الميدان بدون أكل أو شرب تعرض خلالها للضرب الشديد.
ويصف مكان التحقيق الذي سماه الأسرى "الديسكو" وهو مكان خالٍ من كل مقومات الحياة الأساسية.
ويكشف تعرضه و50 أسيرا آخرين لكسور في عظامهم وبقاءهم مكبلين بالكلبشات الحديدية طوال الرحلة، حيث لم يكن أي منهم قادرا على رفع يده.
ويسرد معاناته في سجون الشرطة لمدة سنة و3 أشهر من الجوع والمرض وأشكال العقاب كسحب الفراش والبطانيات والحرمان من الملابس.
ويصف معاناتهم أثناء فصل الشتاء وهم مصابون بالجرب والدمامل والفطريات مما جعلهم يفقدون الرغبة في الحياة.
تعذيب قاسٍ
وتحدث هاني عن أشكال التعذيب القاسية من ضرب بمواسير حديدية وأدوات مطاطية تخرج اللحم من أرجلهم.
ويضيف أنهم كانوا يبقون 24 ساعة على بطونهم وأيديهم في السماء، بينما تظهر على يديه وركبتيه آثار الجروح والالتهابات الداخلية التي لم تلتئم بعد.
إعلان
وينفي تلقيه أي علاج حقيقي من مصلحة السجون، مؤكدا أن الفضل في علاجه يرجع للأطباء الأسرى.
ويصف كيف كانوا يأخذون قطعة سلك من السياج ويعقمونها بكمية ضئيلة من الكلورو يحصلون عليها كل أسبوعين لتنظيف الالتهابات من أرجلهم.
وأكد استشهاد العديد من زملائه بما في ذلك جده البالغ من العمر 83 عاما الذي لم يتحمل التعذيب والظروف القاسية فاستشهد في سجن "سديمان".
وأفاد مكتب إعلام الأسرى التابع لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) بأن 154 أسيرا فلسطينيا تم الإفراج عنهم ونقلهم إلى مصر، وذلك تنفيذا لقرار إبعادهم.
من جهتها، أعلنت مصلحة السجون الإسرائيلية أنها أتمت عملية الإفراج عن 1986 أسيرا فلسطينيا، بموجب الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي.
وقد أفرجت اليوم كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، عن 20 أسيرا إسرائيليا وسلمتهم للصليب الأحمر الدولي في إطار الاتفاق الذي تم التوصل إليه بوساطة قطرية مصرية أميركية.
ويأتي ذلك ضمن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل ضمن خطة طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تقوم على عدد من البنود، منها وقف الحرب، وانسحاب متدرج للجيش الإسرائيلي، وإطلاق متبادل للأسرى ودخول فوري للمساعدات إلى القطاع.
0 تعليق