كابل – سلط الاستقبال الحافل الذي حظي به وزير الخارجية الأفغاني مولوي أمير خان متقي -في الجامعة الإسلامية في ديوبند لدى زيارته للهند- الضوء على العلاقة العميقة بين حركة طالبان والفكر الديوبندي الذي نشأ في أكبر المدارس الدينية الهندية إبان الاستعمار البريطاني، ودوره في تشكيل الأيديولوجية الدينية لدى هذه الحركة.
وتعتبر الجامعة الإسلامية في مدينة ديوبند أكبر وأقدم مدرسة دينية في شبه القارة الهندية، ومنها نشأت الحركة الإسلامية الديوبندية، وهي المدرسة الأم التي انبثق عنها آلاف المدارس الدينية المنتشرة في الهند وباكستان وأفغانستان وغيرها من الدول.
وتأتى أهمية هذه الحركة من دورها في الحفاظ على العلم الديني واللغة العربية، لا سيما في وجه الاستعمار البريطاني الذي سعى لنشر الفكر الغربي في الدول المستعمَرة.

التأسيس وعوامل النشأة
نتيجة للاستعمار البريطاني في الهند وسياسة تهميش الثقافة الإسلامية وفرض اللغة الإنجليزية، قام مجموعة من العلماء على رأسهم مولانا محمد قاسم النانوتوي بتأسيس هذه المدرسة الدينية عام 1866 بهدف الإبقاء على العلوم الإسلامية واللغة العربية.
وكانت في بداية تأسيسها مدرسة صغيرة ملحقة بمسجد القرية، ولكن خلال 10 سنوات اجتاحت شهرتها الهند كلها وتم إنشاء آلاف المدارس الدينية على غرارها في الهند والدول المجاورة.
وتختص هذه المدارس بتدريس العلوم الدينية واللغة العربية. وللدور المهم الذي لعبته الجامعة الإسلامية في ديوبند أُطلق عليها أزهر الهند، ويقدّر عدد الطلاب الذين ينتسبون إلى المدارس الدينية في دول آسيا بالملايين، ويقال إنه لولا هذه المدارس لقضي على العلوم الشرعية بالزوال في هذه المنطقة.
وتشكلت حركة دينية يطلق عليها الحركة الديوبندية نتيجة لانتشار هذه المدارس الدينية.

المناهج ونظام التدريس
تشتمل المدرسة على روضة للأطفال، ومرحلة ابتدائية تستمر 5 سنوات، وثانوية وتستمر 4 سنوات، ويطلق على من يلتحق بها لقب طالب، ويتم خلالها تدريس مواد التفسير وترجمة القرآن وعلوم العربية والتاريخ والجغرافيا.
إعلان
وبعد ذلك، تأتي المرحلة الجامعية وتستمر 4 سنوات وتُدرَّسُ فيها مواد العقيدة وترجمة القرآن والتفسير والأدب العربي وأصول الحديث، ومن يجتاز هذه المرحلة يسمى "ملا أو مولوي".
وتأتي مرحلة الدراسات العليا بعد ذلك، وهي مرحلة التخصص إذ يختار الطالب تخصصه إما في الفقه والإفتاء أو في الحديث الشريف أو اللغة العربية أو التفسير وغيرها من التخصصات، ويطلق على من يجتاز هذه المرحلة لقب "عالِم أو مولانا".
وتتراوح الألقاب بحسب التخصص، فالمتخصص في الإفتاء يطلق عليه لقب "المفتي" والمتخصص في التفسير "مفسِّر" ومن يتخصص في الحديث يسمى "شيخ الحديث".
وتكون الدراسة بهذه المدرسة والمدارس التابعة بالمجان تماما، ويقدم السكن والطعام وحتى الكتب وجميع ما يلزم الطالب من قرطاسية بالمجان، وهي لا تتلقى أي دعم مالي حكومي وإنما هي قائمة تماما على التبرعات لذلك فهي مستقلة تماما ولا تخضع للحكومات.

الجامعة الحقانية
هي أكبر مدرسة دينية في باكستان، تأسست بعد الانفصال عن الهند عام 1947 في مديرية أكورة ختك في مقاطعة خيبر بختونخوا (شمال غرب باكستان) من قبل مجموعة من العلماء الذين تخرجوا من جامعة ديوبند.
وخلال سنوات الاجتياح الروسي لأفغانستان، التحق آلاف الأفغان بها نظرا لقربها من الحدود فهي لا تبعد عن الحدود الأفغانية بأكثر من 60 ميلا، وتقع في منطقة ذات أغلبية بشتونية.
كما انضم لها آلاف من الطلاب الأفغان من اللاجئين في باكستان سنوات الحرب والذين كانوا يعانون من الفقر، وكانت هذه المدارس المجانية التي تقدم المأوى والطعام هي الخيار الأنسب لهم.
وقد تأثر هؤلاء بالفكر الديوبندي الذي تحمله، إضافة لآلاف المدارس الدينية التي تم تأسيسها في أفغانستان من قبل المتخرجين من جامعة ديوبند أو الجامعة الحقانية، وبذلك أصبح الفكر الديوبندي هو الأساس الفكري الديني بأفغانستان الذي أثر تأثيرا بالغا على المجتمع والسياسة الأفغانية خلال أكثر من 4 عقود.
شبكة حقاني
أثناء الاحتلال السوفياتي لأفغانستان ظهرت مجموعة من الأحزاب الإسلامية الجهادية، وكان معظم أعضاء هذه الأحزاب من خريجي المدارس الدينية وعلى رأسها الجامعة الحقانية.
وقد أسس الشيخ جلال الدين حقاني (خريج الجامعة الحقانية) مجموعة جهادية لمقاومة الاحتلال أطلق عليها "شبكة حقاني" خلال سبعينيات القرن الماضي، وكان للشبكة علاقات قوية مع "المجاهدين العرب" وتنظيم القاعدة.
وبعد الانسحاب الروسي من أفغانستان تحالفت الشبكة مع حركة طالبان وهي المتشكلة من طلاب العلوم الدينية المتخرجين من المدارس الدينية سواء في أفغانستان أو باكستان، وأصبح الشيخ جلال الدين وزير القبائل والحدود بحكومة طالبان الأولى.
وعام 1994 ظهرت في قندهار حركة طالبان بقيادة الملا محمد عمر وهو المتخرج من مدرسة دينية محلية، وتشكلت الحركة من طلاب المدارس الدينية، لذلك أطلق عليها "طالبان" وهذه الكلمة هي الجمع باللغة البشتونية لكلمة طالب، وتعني طالب العلوم الشرعية في المدارس الدينية الديوبندية.
إعلان
وفي الوقت الذي يشكل فيه طلاب المدارس الدينية العنصر البشري للحركة، فإن طلاب الجامعة الحقانية يشكلون معظم أعضاء القيادة العليا بالحركة، ومنهم خليل الرحمن حقاني وزير المهاجرين وهو شقيق مؤسس شبكة حقاني الذي اغتيل العام الماضي.
ومن طلابها أيضا، سراج الدين حقاني نجل مؤسس الشبكة ووزير الداخلية الحالي وشقيقه القيادي بالحركة أنس حقاني وهو من الوجوه الشابة، وأمير خان متقي وزير الخارجية الحالي، والشيخ عبد الحكيم حقاني رئيس المحكمة العليا بالحكومة وصاحب أهم المؤلفات عن الحركة بالعربية وهو كتاب "الإمارة الإسلامية ونظامها" وغيرهم من قيادات الحركة.

متقي في ديوبند
وخلال زيارته الرسمية للهند الأسبوع الماضي، زار الوزير مولوي أمير خان متقي الجامعةَ الإسلامية في ديوبند وحظي باستقبال هائل، وتجمع مئات الطلاب لاستقباله وللاستماع للكلمة التي ألقاها.
وأكد في كلمته أهمية تعزيز العلاقات العلمية بين الجانبين، مشيرا إلى أن علماء الدين في أفغانستان يرتبطون بهذا الصرح العلمي بعلاقات تاريخية وفكرية وروحية عميقة.
0 تعليق