كتب محمد الجمل:
واصلت "الأيام" رصد مشاهد جديدة من قطاع غزة في اليوم التاسع من اتفاق التهدئة الحالية، ونقلت أبرز القصص التي تُوثق معاناة عائلات المفقودين، في ظل استمرار البحث عن الجثامين، كما جرى توثيق بقاء قوات الاحتلال في مناطق تشكّل مساحتها أكثر من نصف مساحة القطاع.
ومن أبرز المشاهد الجديدة التي رصدتها "الأيام" مشهد تحت عنوان "الخط الأصفر يلتهم نصف مساحة القطاع"، ومشهد آخر يرصد استمرار البحث عن الجثامين المفقودة، ومشهد ثالث يُسلّط الضوء على تصاعد مخاطر الذخائر غير المنفجرة.
الخط الأصفر يلتهم نصف القطاع
بدأ الاحتلال بترسيم ما يُسمى "الخط الأصفر"، داخل حدود قطاع غزة، وهو الحد الفاصل بين مناطق تمركز وانتشار جيش الاحتلال، وبين المناطق التي يُسمح للمواطنين بالعودة إليها.
وعزز الاحتلال وجوده على طول "الخط الأصفر"، خاصة في محيط شارع صلاح الدين شرق مدينة خان يونس، وعلى طول الحدود الشمالية والغربية لمدينة رفح، وفي مناطق شرق وشمال مدينة غزة.
وأكد مواطنون أن الاحتلال يُطلق مُسيّرات تحلّق فوق "المناطق الصفراء"، وتستهدف كل شخص يحاول الوصول إلى منزله في تلك المناطق، بينما جرى توثيق عمليات اعتقال لمواطنين داخل تلك المناطق، ومنذ بداية سريان اتفاق التهدئة سقط عشرات الشهداء والجرحى، بعد استهدافهم في أعقاب وصولهم إلى "المناطق الصفراء".
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، أعلن عن ترسيم "الخط الأصفر"، بوضع علامات مادية ومتواصلة على الخط المذكور، وبموجب هذا الخط يتمركز جيش الاحتلال في منطقة تزيد على 50% من قطاع غزة، وذلك لتحديد مسار خط الفصل الأمني - السياسي الذي يعمل الجيش على طوله، وفق ما أكدته العديد من المصادر الإسرائيلية.
وقال المواطن عبد الرحمن النجار، إن منزله يقع في بلدة عبسان الجديدة شرق مدينة خان يونس، وهي تقع ضمن نطاق "المناطق الصفراء"، المحظور على المواطنين العودة إليها، ورغم ذلك عاد إلى منزله مرة واحدة، وشاهده مدمراً بالكامل، وشعر بالخطر الشديد، وشاهد التحليق المكثف للطائرات المُسيّرة في الأجواء، ولم يفكر بالعودة إلى منزله مرة أخرى.
وأوضح النجار أن ترسيم الخط المذكور يعني أن نحو 160 ألف نسمة من شرق خان يونس لن يتمكنوا من العودة إلى بيوتهم وأحيائهم، إضافة إلى جميع سكان مدينة رفح، البالغ عددهم أكثر من 270 ألف نسمة سيبقون نازحين مهجرين لفترة لا يعلمها أحد.
وأشار إلى أن بدء المرحلة الثانية من اتفاق التهدئة، التي من المفترض أن تشهد انسحاباً إسرائيلياً إضافياً من قطاع غزة، لا يزال غامضاً، ولا أحد يعلم متى ستبدأ، والجميع يعيشون حالة من الانتظار والترقب، وسط خشية من ألا يتم تنفيذ تلك المرحلة في الفترة المقبلة.
استمرار البحث عن الجثامين
رغم مرور 9 أيام على بداية تطبيق اتفاق التهدئة، إلا أن مهمة البحث عن الجثامين وانتشالها من مناطق انسحاب قوات الاحتلال في قطاع غزة مستمرة ولم تنتهِ، خاصة في مدينة غزة، ومناطق جنوب وشرق مدينة خان يونس.
ويومياً، ينتشر عناصر وضباط الدفاع المدني بين أنقاض المنازل المدمرة في أحياء جنوب وشمال مدينة غزة، وفي مدينة خان يونس، ويبحثون عن جثامين ورفات الشهداء تحتها، وينتشلون عدداً من الجثامين بشكل يومي.
وأكد الناطق باسم الدفاع المدني في قطاع غزة محمود بصل، أن طواقم الإنقاذ انتشلت خلال أسبوع جثامين أكثر من 280 شهيداً من المناطق التي انسحب منها جيش الاحتلال، بعد الإعلان عن وقف إطلاق النار، وبعض جثامين الشهداء كانت متحللة، وبعضها كان أشلاء غير كاملة الأجساد، حيث جرى انتشالهم من الطرقات ومن تحت أنقاض المباني والمنازل.
ولفت بصل إلى أن جهاز الدفاع المدني عاجز عن انتشال الجثامين من تحت الأنقاض، لأن المعدات الثقيلة غير موجودة، والاحتلال دمّر كل ما يملكونه منها، مشيراً إلى أن ملف المفقودين هو "الملف الأصعب الذي يواجه الدفاع المدني منذ بداية الحرب، وأن انتشال الجثامين بحاجة إلى وقت طويل وجهد كبير".
وبيّن أن جهاز الدفاع المدني يتلقى يومياً إشارات من عائلات تبحث عن أبنائها، لكنهم عاجزون عن المساعدة، لحاجتهم الكبيرة إلى جرافات و"بواقر" وحفارات ضخمة، وهذه المعدات ما زالت عالقة عند المعابر.
ووفق "الدفاع المدني" فإن من بين الجثامين التي جرى انتشالها كان جثمان المعلمة الشهيدة غادة رباح، التي أعدمتها قوات الاحتلال، الشهر الماضي، بقصف منزلها في تل الهوى جنوب مدينة غزة.
وأكد الدفاع المدني أنه جرى نقل جميع الجثامين التي جرى انتشالها إلى المستشفيات في محافظات القطاع، لاستكمال إجراءات التعرف على هويات أصحاب الجثامين، ومواراتهم الثرى لاحقا، مشيراً إلى "قيام الدفاع المدني بتسليم جميع المنظمات الدولية قوائم باحتياجاتنا الطارئة والمتطلبات الفنية اللازمة لعمليات الانتشال".
وإلى جانب الدفاع المدني، يواصل ذوو المفقودين البحث عن جثامين ورفات أبنائهم بأنفسهم، بهدف انتشالها، وإعادة دفن أحبتهم، وبعضهم استخدموا في ذلك أدوات لتحطيم الركام، وآخرون جلبوا جرافات على نفقتهم الخاصة للغرض ذاته.
وسبق أن أكد جهاز الدفاع المدني في قطاع غزة أن هناك أكثر من 10 آلاف شهيد لا يزالون تحت الأنقاض، منذ بداية العدوان الإسرائيلي في السابع من تشرين الأول 2023 والذي استمر عامين، وهو ما يعكس فداحة الحرب التي شنّها الاحتلال على المدنيين العُزل.
مخاطر الذخائر غير المنفجرة
شهدت الأيام الماضية أكثر من حادثة لانفجار أجسام خطرة وذخائر غير منفجرة في أماكن متفرقة بقطاع غزة، خاصة في مدينة غزة، ووسط القطاع، ما أوقع عدداً من الضحايا معظمهم من الأطفال.
وكرر "الدفاع المدني" تحذيراته المتتالية للمواطنين، من أخطار الأجسام المشبوهة والقابلة للانفجار، المنتشرة في الشوارع، وتحت الركام، مطالباً بعدم لمسها أو تحريكها، وفور العثور عليها، إبلاغ الجهات المختصة على الفور.
بينما أكد مواطنون مشاهدة مئات الذخائر غير المنفجرة في الشوارع، وبين المنازل، ووسط الركام، منها قذائف، وصواريخ، وأنواع أخرى من الذخائر.
وحذرت منظمة "هانديكاب إنترناشونال" من مخاطر الذخائر غير المنفجرة في قطاع غزة، والتي تشكل خطراً على النازحين العائدين إلى ديارهم في القطاع المدمّر، مطالبة، بالسماح بإدخال المعدات اللازمة لإزالة الألغام.
وقالت مديرة المنظمة في الأراضي الفلسطينية، آن-كلير يعيش، إن المخاطر هائلة، والتقديرات تشير إلى أن حوالى 70,000 طن من المتفجرات سقطت على غزة منذ اندلاع الحرب.
وبينت أن "طبقات الأنقاض ومستويات التراكم كبيرة جداً، ونحن أمام مخاطر بالغة جداً في أرض معقدة للغاية، بسبب محدودية المساحة في مناطق حضرية عالية الكثافة السكانية".
وحول أنواع المقذوفات، ذكرت مصادر مطلعة أن هناك قنابل مُسقطة جواً من نوع MK أميركية الصنع، من طراز 84، و83، و82، و81 ويتراوح وزن الواحدة منها بين 250 و1000 كيلوغرام، إضافة إلى قذائف مدفعية، وصواريخ موجهة، ومتفجرات لينة "على شكل عجينة"، وأخرى سائلة موجودة في "جالونات"، وألغام تُستخدم لنسف المنال، وطلقات مُتعددة الأحجام، وأنواع أخرى، جميعها تشكل خطراً على المواطنين.
ووفق مصادر مطلعة فإن 50% من المنازل المُدمرة في أنحاء قطاع غزة، يوجد تحت ركامها مقذوفات غير منفجرة، ومواد خطيرة، لذلك هناك خطر كبير عند تحريك أو إزالة الركام.
وحسب دائرة الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام فإن التقديرات تشير إلى أن 5 إلى 10% من الذخائر التي أُطلقت على غزة لم تنفجر.
0 تعليق