كتب محمد الجمل:
تتواصل خروقات الاحتلال لاتفاق التهدئة، سواء من خلال القصف وإطلاق النار أو إغلاق المعابر، أو حتى استمرار تدني الخدمات الأساسية في القطاع.
"الأيام" رصدت مجموعة جديدة من المشاهد من قلب القطاع في ظل استمرار التهدئة التي وصفها المواطنون بـ"الهشة"، من بينها مشهد يوثق تشاؤم المواطنين حيال استمرار التهدئة الحالية ونجاحها في وقف الحرب، ومشهد آخر بعنوان "التهدئة لم تنقذ القطاع الصحي"، ومشهد ثالث يرصد انتشاراً كبيراً لمكبات النفايات العشوائية في القطاع، وأضرار ذلك على المواطنين والبيئة.
تشاؤم بشأن استمرار التهدئة
أبدى غالبية المواطنين والنازحين في القطاع حالة من التشاؤم حيال استمرار التهدئة الحالية، ونجاح فرص إنهاء الحرب، وقد دعموا موقفهم بالكثير من الشواهد الميدانية والسياسية، خاصة موجة التصعيد الواسعة التي شهدها القطاع، أول من أمس، وأسفرت عن سقوط 44 شهيداً وعشرات الجرحى.
وأعرب المواطن سمير هاشم عن تشاؤمه حيال استمرار اتفاق التهدئة، موضحاً أن كل شيء على الأرض يؤكد أن إسرائيل على وشك خرق الاتفاق والعودة للحرب، فالمُسيّرات التي تجمع معلومات استخباراتية من غزة لا تتوقف عن التحليق، والدبابات تتمركز على طول ما بات يُعرف بـ"الخط الأصفر"، والقصف والغارات تتواصل في مناطق شرق وشمال وجنوب القطاع، ويومياً يُسجل سقوط شهداء وجرحى، بينما الزوارق الحربية الإسرائيلية تُحكم سيطرتها على بحر غزة، وتستهدف أي مركب يحاول دخول البحر، وموجة التصعيد الأخيرة دليل على ذلك.
وأشار هاشم إلى أنه لم يلمس أي تغيير يذكر على وضع المعابر، ولا يزال الحصار الإسرائيلي على حاله، ويتواصل تقنين دخول السلع والمساعدات، وغاز الطهي الذي وصل القطاع كان بكميات محدودة، والسيولة النقدية لم تدخل غزة، ومعبر رفح لا يزال مغلقاً أمام الجرحى والمرضى.
وأعرب هاشم عن اعتقاده بانهيار وقف إطلاق النار خلال الفترة المقبلة، خاصة أن إسرائيل لا تزال ترفض تطبيق المرحلة الثانية من الاتفاق، في سيناريو مشابه إلى حد كبير ما حدث في اتفاق كانون الثاني من العام الجاري، حين انقلبت إسرائيل على الاتفاق وعادت للحرب.
بينما قال المواطن أحمد عيسى: إن إسرائيل تريد أمراً من اثنين، إما العودة للحرب، وإما السعي لإبقاء الحصار على حالته، مع تطبيق نموذج لبنان في توجيه ضربات محددة لقيادات وعناصر في المقاومة، بهدف استنزاف الأخيرة.
وأكد عيسى أن نتنياهو بارع في خلق الذرائع، لذلك هو يستخدم جثث ورفات الأسرى الإسرائيليين ذريعة، وهو لا يريد تسلم هذه الجثث لتبقى ذرائعه حاضرة، بدليل أنه رفض وصول فريق تركي متخصص بالبحث عن الجثامين تحت الأنقاض، ومنع إدخال معدات وجرافات تساعد في البحث عنهم، وهو معني باستمرار أزمة الجثث.
وأكد أن بقاء الجثث في غزة بالنسبة لإسرائيل "مسمار جحا"، الذي ستجد من خلاله ذريعة لتعطيل فتح المعابر، ومنع وصول معدات الإيواء والإعمار، وتعطيل الدخول للمراحل اللاحقة للاتفاق، بدعوى أن "حماس" لم تلتزم بالاتفاق وربما التنصل من الاتفاق برمّته، ويبدو أن الإدارة الأميركية تدعم هذا التوجه، وهذا ظهر من خلال بيانات وزارة الخارجية الأخيرة، التي ادعت فيها أن "حماس" تنوي التنصل من الاتفاق.
التهدئة لم تنقذ القطاع الصحي
على الرغم من مرور 11 يوماً على بدء تطبيق اتفاق التهدئة، وورود نصوص صريحة في الاتفاق تؤكد على ضرورة إدخال المعدات الطبية، وإعادة تأهيل المستشفيات، إلا أن أوضاع القطاع الصحي في غزة لم تتغير، وما زالت عشرات المشافي والمراكز الصحية وعيادات الرعاية الأولية خارج الخدمة، وثمة نقص شديد في الأدوية والمستلزمات الطبية.
من جهته، أكد الدكتور محمد أبو سلمية مدير عام مجمع الشفاء الطبي، أنه ومنذ بدء وقف إطلاق النار لم يطرأ أي تحسن على المنظومة الصحية في قطاع غزة، موضحاً أن إغلاق معبر رفح يعني مزيداً من الجرحى الذين سيفقدون حياتهم، خاصة الحالات التي تحتاج للعلاج في الخارج، حيث كان من المفترض وفق الاتفاق خروج هؤلاء الجرحى لتلقي العلاج في الخارج.
وأكد أنه يجري يومياً تسجيل حالات وفاة بين مرضى الفشل الكلوي والسرطان والقلب، في حين لا يتوفر في غزة أي جهاز رنين مغناطيسي، وثمة حاجة عاجلة إلى العديد من الأجهزة لإنقاذ حياة الجرحى.
وأوضح أبو سلمية وجود نقص حاد في مختلف أنواع الأدوية، والكوادر الطبية باتت عاجزة عن تقديم الخدمات، ونحتاج إلى وفود طبية عاجلة.
وأشار إلى أن نحو 70% من مختبرات قطاع غزة خرجت عن الخدمة جراء قصف الاحتلال، وأن هناك نقصاً حاداً جداً في وحدات الدم.
ودعا أبو سلمية المجتمع الدولي للضغط على الاحتلال للالتزام ببنود الاتفاق، لا سيما البنود الإنسانية.
في حين أكد مدير عام المستشفيات في قطاع غزة، الدكتور محمد زقوت، تكدس الآلاف من المرضى والجرحى فيما تبقى من مستشفيات عاملة حيث بلغت السعة السريرية 250%.
وأشار زقوت إلى تفاقم أزمة نقص الأدوية والمستهلكات الطبية، حيث وصلت نسبة الأصناف الصفرية من الأدوية إلى أكثر من 60%، والمستلزمات المخبرية إلى 70%.
وأكد زقوت تعمد الاحتلال تدمير المستشفيات ومراكز الرعاية الأولية، خاصة خلال عدوانه الأخير على مدينة غزة، لا سيما مستشفى الأطفال التخصصي الوحيد في المدينة، والذي يقدم خدمات حيوية، حيث قام الاحتلال بتدمير أقسام مهمة كحضانة الأطفال والعناية المركزة ومحطة الأكسجين.
وأوضح أن المؤسسات الدولية تُحاول ومنذ أشهر إدخال الإمدادات الطبية التي تنتظر على المعابر، إلى جانب أجهزة الأشعة التشخيصية والتي تعتبر جزءاً مهماً جداً لإتمام التدخلات الطارئة للجرحى والمرضى.
مكبات النفايات العشوائية تملأ القطاع
باتت مكبات النفايات الصلبة العشوائية، التي تنتشر في كل مكان بالقطاع، واحدة من أخطر الظواهر البيئية التي يعاني منها المواطنون والنازحون.
ونتجت الظاهرة عن تراجع خدمات جمع وترحيل النفايات من البلديات، حيث يلجأ المواطنون للتخلص من نفاياتهم في أقرب مكان أو ساحة قريبة من بيوتهم أو خيامهم.
ومع مرور الوقت باتت هذا المكبات ممتلئة، وتحولت بعض المواقع في الشوارع والأحياء إلى جبال من النفايات الصلبة، ما بات يُهدد بنشر الأمراض على ناطق واسع في القطاع.
ووفق مواطنين، فإن النفايات الصلبة المتراكمة في كل مكان، خاصة في مدينة غزة، تسببت بجملة من المشاكل الصحية والبيئية، منها جذب الحيوانات الضالة، خاصة الكلاب، وانتشار الحشرات على نطاق واسع، لا سيما البعوض والذباب، مع انتشار الروائح الكريهة الناجمة عن تحلل النفايات.
وأكدت بلدية غزة أن أكثر من ربع مليون طن من النفايات متراكمة في المدينة جرّاء تدمير الاحتلال لآليات البلدية، موضحة أن المكبّات العشوائية للنفايات تُحاصر منازل المواطنين في المدينة.
وأكدت البلدية أن هذا النفايات قد تتسبب بانتشار الأمراض والأوبئة في المدينة نتيجة تراكم المكبات العشوائية، وغياب الآليات الحديثة للتخلّص منها.
وأوضحت البلدية أنها سلّمت المؤسسات الدولية قائمة باحتياجاتها، وتلقّت وعوداً بتوفيرها.
بينما أكدت بلدية خان يونس أن العدوان تسبب بتوقف منظومة جمع النفايات عن العمل بعد خروج مكب النفايات المركزي شرق المدينة، ما دفع المواطنين للجوء لمكبات مؤقتة وسط الأهالي والنازحين غرب المدينة.
وأكد رئيس البلدية، علاء الدين البطة، أن هناك تراكماً لـ(350000) طن نفايات في المكبات المؤقتة وبالقرب من مراكز الإيواء والنازحين، وهذا يشكل خطراً بيئياً كبيراً.
0 تعليق