كتب محمد الجمل:
رصدت "الأيام"، مجموعة جديدة من المشاهد من قطاع غزة، في اليوم الـ 13 من بدء تطبيق اتفاق التهدئة، وركزت على أوضاع النازحين المأساوية، والمخاطر التي تتربص بالعائدين إلى بيوتهم شرق القطاع.
ومن أبرز المشاهد التي رصدتها "الأيام"، مشهد بعنوان "مُسيرات تتربص بالعائدين لبيوتهم"، ومشهد آخر، يكشف تساؤلات النازحين عن مصير مدينة رفح التي لا تزال مغلقة، ومشهد ثالث يوثق استعدادات النازحين المبكرة لفصل الشتاء والأمطار.
مُسيرات تتربص بالعائدين لبيوتهم
تواصل قوات الاحتلال إحكام سيطرتها الكاملة على مناطق شرق القطاع، خاصة محافظتي غزة وخان يونس، من خلال تكثيف انتشار الدبابات، واستمرار الإطباق الجوي الكامل على تلك المناطق.
ويحلق عدد كبير من المُسيرات في أجواء شرق القطاع، بعضها صغيرة محملة برشاشات وقنابل، وأخرى أكبر حجماً تحمل صواريخ مضادة للأفراد.
وعلى مدار الأيام الـ 13 الماضية، منذ بدء تطبيق اتفاق التهدئة، استهدفت المُسيرات المذكورة عشرات المواطنين، ممن حاولوا العودة لبيوتهم، خاصة في مناطق شرق خان يونس، وشرق مدينة غزة، ما تسبب بسقوط عدد كبير من الشهداء والجرحى.
وقال مواطنون وصلوا مناطق شرق خان يونس، إن المُسيرات بجميع أنواعها تتربص بالعائدين إلى بيوتهم، وتستهدفهم فور اجتياز ما بات يُسمى "الخط الأصفر".
وأكد المواطن محمود رجب أنه وصل لبلدته بني سهيلا شرق خان يونس ثلاث مرات منذ دخول اتفاق التهدئة حيز التنفيذ، وفي كل مرة كان يشعر بالخطر، وفي إحداها تعرض لإطلاق نار من مُسيرة إسرائيلية، لكنه نجا بعد اختبائه تحت كتلة خرسانية متداعية.
وأكد رجب أن منزله مدمر، وكان يبحث عن بعض الأثاث والفراش وغيرها، وبعد جولة التصعيد الأخيرة، يوم الأحد الماضي، أصبح الوضع شرق الخط الأصفر شديد الخطورة.
ووضح أنه جرى استهداف جيرانه مؤخراً عبر إطلاق النار عليهم في منطقة بني سهيلا، ما تسبب بإصابة عدد منهم بجروح، موضحاً أن الناس يذهبون إلى شرق القطاع رغم الخطر، بسبب الضيق الذي يعيشونه في منطقة المواصي، وفقد الكثير من متطلبات الحياة.
وتركز قوات الاحتلال في المرحلة الحالية على حيي الشجاعية والتفاح شرق مدينة غزة، وتستهدف كل شخص يحاول العودة لهذين الحيين، حيث سُجل مؤخراً سقوط شهداء وجرحى في هاتين المنطقتين.
وألقت طائرات الاحتلال منشورات تجاه مواطنين في مناطق شرق محافظة خان يونس، طالبت من خلالها المواطنين بإخلاء جميع المناطق التي تقع شرق الخط الأصفر، مع التأكيد على إخلاء بلدة بني سهيلا.
ما هو مصير رفح؟
مع إنهاء اتفاق التهدئة أسبوعه الثاني، لا تزال مدينة رفح الواقعة أقصى جنوب قطاع غزة، محاصرة ومعزولة بالكامل عن باقي مناطق القطاع، ولا يتواجد فيها سوى جيش الاحتلال، بالإضافة إلى مسلحين من ميليشيا ياسر أبو شباب المتعاونة مع الاحتلال، بينما يمنع سكان المدينة من الوصول إليها.
ويتساءل سكان رفح عن مصير مدينتهم، وهل سيعودون إليها، وما سيحل بها، خاصة أن آخر صور للأقمار الاصطناعية أظهرت دماراً كبيراً في المدينة، يفوق 98% من المنازل الموجودة فيها.
ووفق متابعين فإن مصير المدينة لا يزال مجهولاً، خاصة بعد الاقتراح الأميركي بأن يبدأ الإعمار من مدينة رفح، كونها نموذجا خاليا من حركة حماس، وفق ما جاء في وسائل إعلام أميركية وإسرائيلية، بينما تحدثت وسائل إعلام أخرى بأن الاحتلال ينوي البدء بتدمير الأنفاق من مدينة رفح.
ووسط سيل من الأخبار التي تتحدث عن رفح، يقف سكان المدينة حائرين لا يعلمون ما سيحمله المستقبل لهم.
يقول المواطن إبراهيم الملاحي، من سكان مدينة رفح، إن نحو عام ونصف العام مضت على نزوحه من المدينة، ويعيش في خيمة بمواصي خان يونس، حياة بائسة وينتظر بفارغ الصبر العودة لرفح.
وأكد الملاحي أن هناك حالة من الغموض تكتنف مصير رفح، خاصة في ظل السيطرة الأمنية الحالية عليها، وإصرار الاحتلال البقاء في محور صلاح الدين "فيلادلفيا"، حتى في المراحل القادمة من الاتفاق.
وأوضح أن سكان رفح يتعرضون لظلم كبير، فهم حرموا من العودة لمدينتهم، ويعيشون في خيام حياة صعبة، ولا يعرفون ما ينتظرهم في المستقبل، خاصة بعد تدمير مدينتهم بشكل كامل.
في حين قال المواطن أحمد جابر، إن بقاء الاحتلال في رفح وتشكيل ميليشيا فيها، لا يبشران بخير، ويشيران إلى نية الاحتلال القيام بأمر ما في رفح، خاصة أن المعلومات الواصلة من رفح، تشير إلى تنظيف ركام المباني في بعض المناطق، وتحويلها إلى مناطق منبسطة، ما يعني أن الاحتلال يخطط لإقامة شيء ما.
وأكد أن بقاء مصير مدينة رفح غامضا، وعدم التحدث بشكل صريح عن مستقبل المدينة أمر يثير قلق سكانها النازحين عنها، ممن يتوقون للعودة إليها.
استعداد مبكر للشتاء
بدأ آلاف النازحين، خاصة من تيقنوا من تدمير منازلهم، بالاستعدادات المبكرة لفصل الشتاء الذي بات على الأبواب، عبر تجهيز خيامهم لمواجهة قسوة الأمطار والرياح.
وتوجه نازحون إلى منازلهم المدمرة، وعملوا في محيطها لأيام، في محاولة لجلب بعض الحاجيات التي تعينهم في ترميم وتجهيز خيامهم، خاصة الدعامات المعدنية والخشبية، وألواح الصفيح، وشوادر، وغيرها.
وقال المواطن محمد العمور، إنه توجه لمناطق شرق خان يونس، وشاهد منزله تحول إلى كومة من الركام، وقد سمع أصوات إطلاق نار كثيف، موضحاً أنه أيقن بصعوبة العودة للمنطقة التي كان يقيم فيها في المحلة المقبلة، بسبب خطورتها، وأنه سيعيش فترة طويلة في خيمته في مواصي خان يونس، ويقيناً سيقضي الشتاء القادم هناك، لذلك بدأ بالاستعداد لذلك.
وأكد انه جلب ألواح صفيح وعددا من الدعامات الخشبية والمعدنية، من ركام منزله، واشترى عدداً من الشوادر والنايلون، وبدأ بتجهيز خيمته لفصل الشتاء.
وأوضح العمور أنه لا يريد تكرار ما حدث معه، العام الماضي، حين غرقت خيمته مرتين بسبب المطر، واقتلعتها الرياح، وتعرض أبناؤه للمرض والمعاناة.
وأشار إلى أنه ينوي إقامة خيمة مغلقة، لا تدخلها الأمطار، وقوية لا تقتلعها الرياح، وسيستخدم في ذلك كل شيء استطاع توفيره، موضحاً أنه بدأ بتهيئة أفراد عائلته لفترة نزوج طويلة، سيعيشون فيها داخل الخيمة.
في حين يقول المواطن إبراهيم زعرب، وهو من سكان جنوب مدينة رفح، حيث يقع منزله المدمر قرب محور صلاح الدين الحدودي مع مصر "فيلادلفيا"، إنه يعمل وفق المثل القائل "من توضأ مبكراً صلى حاضراً"، لذلك يعمل قبل وصول المطر لتجهيز خيمته، مستفيداً من تجارب العام الماضي.
وأكد زعرب أنه وبعد التأكد من أن الاحتلال لن ينسحب من محور صلاح الدين، تيقن بأنه لا عودة قريبة لرفح، حتى لو انسحب الاحتلال من أجزاء من المدينة لذلك يعمل حالياً على إقامة خيمة تصلح للإقامة الطويلة في مواصي خان يونس، وتكون دافئة في فصل الشتاء.
وبيّن أنه بدأ بسقف الخيمة، إذ حوله من الشكل المستطيل للشكل الهرمي، وهو الأفضل في مقاومة المطر والرياح، كما يعمل على إقامة جوانب مزدوجة من الناحيتين الجنوبية والغربية للخيمة، من خلال وضع أكثر من شادر فوق بعضها، إضافة لوضع سواتر ترابية حول الخيمة، وتبطينها بطبقة من القماش من الداخل، لتظل دافئة، آملا بإدخال بيوت متنقلة "كرفانات"، في القريب العاجل، ليتسنى للنازحين العيش فيها بدلاً من الخيام.
0 تعليق