Published On 24/10/202524/10/2025
|آخر تحديث: 18:04 (توقيت مكة)آخر تحديث: 18:04 (توقيت مكة)
بينما تتسارع الإيقاعات البصرية وتزدحم شاشات الأطفال بالمحتوى التجاري السطحي، يظل للفيلم الهادف مكانته الخاصة كنافذة تطل على الجمال والمعنى. فالأعمال الموجهة للصغار لا تصنع للتسلية فحسب، بل لتغرس في الوجدان قيما تسهم في بناء وعيهم الإنساني وذائقتهم الفنية.
من هذا المنطلق، نلقي الضوء على مجموعة من الأفلام العائلية الصادرة حديثا، والتي تميزت بقدرتها على الجمع بين المتعة الفنية والرسالة التربوية. أفلام تنوعت بين المحلية والعالمية، لكنها اشتركت في جوهر واحد: الإلهام، والخيال، والبحث عن الذات.
اقرأ أيضا
list of 2 items end of listجامبو.. من المحلية إلى العالمية
إذا كان عمر أطفالك تجاوز 8 سنوات، ننصحك بمشاركتهم مشاهدة الفيلم الإندونيسي "جامبو" الذي صدر هذا العام وتجاوز تقييمه 8 نقاط على موقع "آي إم دي بي" (IMDb) الفني، في حين حقق إيرادات سمحت له بأن يصبح الرسوم المتحركة الأعلى ربحا في تاريخ إندونيسيا متجاوزا أفلام ديزني وبيكسار.
ينتمي الفيلم لفئة المغامرة والفنتازيا، ويحكي عن دون، فتى صغير ويتيم يتعرض للتنمر والتقليل من قدراته بسبب جسده الضخم، إلا أنه يجد إلهامه الخاص في كتاب مملوء بالرسوم والقصص السحرية، ورثه عن والديه قبل أن يضيعه، ومن ثم يذهب في مغامرة عجيبة بحثا عن الكتاب.
هذه الرحلة تساعده على الحصول على الثقة واكتشاف ذاته، بجانب قيم جوهرية أخرى مثل الشجاعة وأهمية الصداقة وحقيقة أن الأشخاص لا يقاسون بالمظهر. ورغم أن العمل يستهدف الأطفال، فإن بعض المقاطع تحمل عمقا استثنائيا.
استغرق إنتاج الفيلم 5 سنوات بمشاركة أكثر من 400 رسام ومصمم حركة، وقد جاء العمل غنيا بالرسوم المفصلة مع استخدام الألوان بدقة لعكس الحالة النفسية للشخصيات، لنصبح بالنهاية أمام منتج فني محلي قادر على المنافسة عالميا.
" frameborder="0">
اسكتش.. الفن وسيلة للتعبير عن الفقد
فيلم "اسكتش" (Sketch) عمل خيالي يجمع بين الفنتازيا والعاطفة في قصة ملهمة تناسب العائلة. تدور أحداثه حول فتاة في العاشرة من عمرها تفقد والدتها، وتجد في الرسم وسيلتها للتعبير عن الحزن الذي يثقل قلبها. لكن الهدوء لا يدوم طويلا، إذ تتحول الرسومات إلى وحوش حقيقية تبعث الفوضى في المدينة، مما يدفع البطلة إلى مواجهتها والاحتماء بعائلتها.
إعلان
يحمل الفيلم رسالة إنسانية مؤثرة، فهو يشجع الأطفال على تقبل الفقد والتعبير عن مشاعرهم عبر الفن، ويبرز في الوقت نفسه أهمية العائلة كداعم أساسي في مواجهة الحزن.
نجح السيناريو في تحليل مشاعر الألم والفقد على المستويات العاطفية والعقلية والجسدية، ودمج ببراعة بين الإثارة والدراما مع الحفاظ على التشويق حتى النهاية.
ورغم أن الفيلم مصنف لأعمار تبدأ من 8 سنوات، يرى البعض أنه أنسب لمن هم فوق العاشرة، لاحتوائه على مخلوقات مخيفة ورموز فنية ومشاعر عميقة قد يصعب استيعابها على الصغار جدا.
كيارا.. روح مختلفة وهوية ثقافية مميزة
للفتيات الصغيرات نرشح فيلم "كيارا" (Kayara) وهو عمل إسباني بيروفي مشترك، تدور أحداثه في عالم "إمبراطورية الإنكا" حيث تسعى شابة لتحقيق حلم مستحيل بأن تصبح من رسل الإنكا، وهو الدور الذي طالما كان حكرا على الرجال.
لكنها، وكما يليق بفتاة ملهمة، تقرر كسر القيود الاجتماعية لتصنع مصيرها الخاص، مؤكدة أهمية مبادئ مثل المساواة والبسالة والاعتزاز بالهوية.
يتميز العمل بالجمع بين المغامرة والخيال التاريخي، مع تقديم حبكة في إطار ثقافي مختلف عن إحدى أغنى حضارات أميركا الجنوبية، الأمر الذي صبغ العمل برموز واقعية وقيمة بصرية ممتعة، بالإضافة إلى أسلوب تعبيري غني بالألوان المتأثرة ببيئة جبال الأنديز والرموز الإنكوية والمشاهد الممتدة للطبيعة الخلابة.
أما عن الموسيقى والأغاني، فقد ضم العمل مجموعة من الأغنيات بلغة الكيتشوا -لغة السكان الأصليين- مما أضفى صدقا وبعدا ثقافيا. ورغم أن الفيلم لا يقدم ابتكارات فنية كبيرة مثل أعمال ديزني وبيكسار، فإنه اتسم بروح أصلية وهوية مميزة.
" frameborder="0">
الهدية وإعادة تعريف مفهوم العائلة
العمل الأخير ضمن قائمة اليوم كوميديا عائلية أميركية بعنوان "الهدية" (The present) صدرت العام الماضي، خلالها نتتبع رحلة الصبي تايلور الذي يكتشف أن ساعة جده الموروثة تتيح له العودة بالزمن لمدة 12 ساعة، فيقرر استغلال ذلك لمنع والديه من الانفصال.
العمل يسلط الضوء على ما يعنيه أن تكون جزءا من العائلة وأهمية التعاون والتشاور بين أفراد الأسرة الواحدة، بينما يؤكد أن تغيير الماضي ليس الحل، وأن التحدي الحقيقي يكمن في التعامل مع الحاضر والتواصل مع من نحب.
يذكر أن الفيلم مناسب للأطفال الأكبر سنا نظرا لتناوله موضوع الانفصال العائلي بالإضافة إلى ما يحمله من ثقل عاطفي.
الفن كجسر بين الألم والاكتشاف
ما يجمع بين هذه الأعمال الأربعة هو قدرتها على التماس العاطفة بصدق، ومخاطبة الطفل ككائن واع لا يستهان بذكائه أو إحساسه. فهي لا تقدم الترفيه بوصفه غاية، بل بوصفه وسيلة لزرع الأمل والإيمان بالقدرة على التغيير.
تجتمع هذه الأفلام على فكرة أن الفن يمكن أن يكون جسرا بين الألم والاكتشاف، بين الحلم والواقع، وأن الرسوم المتحركة لم تعد مجرد رسومات تتحرك، بل مساحة لتشكيل الوعي ونقل الثقافات بطريقة بصرية وإنسانية في وقت واحد.
هكذا، تثبت السينما الموجهة للأطفال أنها ليست هامشا في الصناعة، بل نواة حقيقية لبناء جيل يرى العالم بعين أكثر رحمة وفضولا وجمالا.

0 تعليق