في خطوة طموحة لتوسيع نفوذ الذكاء الاصطناعي في عالم المعلومات، أطلق الملياردير الأمريكي إيلون ماسك مشروعه الموسوعي الجديد "غروكيبيديا" (Grokipedia)، في محاولة واضحة لمنافسة موسوعة "ويكيبيديا" الشهيرة، التي يتهمها ماسك مرارا بـ "التحيز السياسي".
إلا أن البداية لم تكن سلسة، إذ واجه الموقع عطلا تقنيا مؤقتا خلال أول يوم لإطلاقه الرسمي، ما أثار جدلا واسعا حول قدرته على الوفاء بالوعود التي روج لها منذ البداية.
عطل فني في يوم الإطلاق
يوم أمس الاثنين، وبعد دقائق فقط من بدء تشغيل المنصة، أوقف الموقع نفسه مؤقتا بسبب ضغط كبير على الخوادم نتيجة الإقبال الأولي الكبير، وفق تقارير إعلامية أمريكية مثل "Business Insider" و"Wired".
وبعد عدة ساعات، عاد الموقع للعمل، لكن العطل ألقى بظلاله على الانطباع الأولي للمستخدمين والمحللين على حد سواء.
ويشير هذا الأمر إلى حجم التحديات التقنية التي تواجه أي مشروع ناشئ يعتمد على الذكاء الاصطناعي في إنتاج محتوى موسوعي واسع النطاق.
طموح موسوعي وعدد المقالات
انطلقت المنصة بعدد مقالات تجاوز 885 ألف مادة، وهو رقم طموح لمشروع ناشئ، لكنه لا يزال ضئيلا مقارنة بملايين المقالات التي تضمها "ويكيبيديا".
وتعتمد "غروكيبيديا" على المساعد الذكي "غروك" (Grok) الذي تنتجه شركة ماسك للذكاء الاصطناعي "xAI"، ويقوم بإنتاج المحتوى تلقائيا اعتمادا على خوارزميات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي.
ومبرر ماسك لإطلاق المنصة يرتكز على فكرة تأسيس موسوعة خالية من الدعاية السياسية، موجها انتقادات صريحة لموسوعة "ويكيبيديا"، التي وصفها بسخرية بـ "Wokipedia"، في إشارة إلى ما يعتبره تحيزا أيديولوجيا يساريا.
تشكيك الخبراء وتحديات الحياد
ورغم طموح ماسك في تقديم موسوعة محايدة، واجه المشروع تشكيكا واسعا من خبراء الإعلام والذكاء الاصطناعي، الذين أكدوا أن الاعتماد الكلي على خوارزميات الذكاء الاصطناعي يحمل معه مخاطر "التحيزات الضمنية".
وأوضحوا أن الذكاء الاصطناعي، مهما كان متقدما، يعتمد على بيانات تم جمعها ومعالجتها مسبقا، ما يعني أن هذه البيانات قد تعكس التحيزات المضمنة فيها.
وأشار المحللون إلى أن "غروكيبيديا" ستواجه صعوبات جوهرية في بناء قاعدة بيانات دقيقة وموثوقة، وأن الاعتماد الكلي على الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى أخطاء واقعية، أو معلومات غير دقيقة، وربما حتى اقتباسات مشكوك فيها من ويكيبيديا نفسها.
التحديات التقنية والقانونية
إلى جانب المخاطر المتعلقة بالدقة والحياد، تواجه "غروكيبيديا" تحديات تقنية مستمرة تشمل استقرار الخوادم وأداء الخوارزميات تحت ضغط الإقبال الكبير.
كما يبرز تحد آخر يتعلق بحقوق النشر للمحتوى المستخدم في تدريب الذكاء الاصطناعي، إضافة إلى إمكانية فرض رقابة معلوماتية تتماشى مع رؤية ماسك، ما قد يزيد من مخاوف المستخدمين حول مصداقية المحتوى.
منافسة محتدمة وفرصة لإثبات الذات
ورغم البداية المتعثرة، إذا تمكنت "غروكيبيديا" من تجاوز العقبات التقنية وضمان دقة محتواها، فإن المشروع قد يمثل منافسا حقيقيا لـ "ويكيبيديا" في المستقبل.
لكن الرهان الأكبر يبقى على كسب ثقة المستخدمين، وضمان مصداقية المعلومات المقدمة، وهو ما يعتبر أساسيا لأي موسوعة رقمية ناجحة.
ويرى بعض النقاد أن المشروع قد يكتفي بإعادة إنتاج تحيزات ماسك الشخصية، ولكن بطريقة أكثر "رقمية وبريقا"، ما قد يقيد حيادية المنصة على المدى الطويل.
وفي المقابل، هناك من يرى أن دخول الذكاء الاصطناعي في صناعة الموسوعات يوفر فرصا لتحسين سرعة إنتاج المحتوى وتحديث المعلومات، بشرط وجود إشراف بشري دقيق لضمان الدقة والموثوقية.
تبقى تجربة "غروكيبيديا" في بداياتها، والحكم النهائي سيكون للمستخدمين ولجودة ودقة المعلومات التي تقدمها المنصة.
وفي الوقت نفسه، يشير العطل الفني المبكر والانتقادات حول التحيز المحتمل إلى أن الطريق أمام ماسك لا يزال مليئا بالتحديات، سواء من الناحية التقنية أو من ناحية كسب ثقة الجمهور في عالم الموسوعات الرقمية.

0 تعليق