خارطة طريق برلمانية: القاضي يترأس أول اجتماعات النواب لتجسيد مضامين خطاب العرش وبدء مسار التحديث - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

ترأس رئيس مجلس النواب مازن القاضي أول اجتماع للمكتب الدائم، معلنا بذلك الانطلاقة الرسمية لعمل المجلس في دورته العادية الثانية، ومحددا ملامح الأجندة التشريعية والسياسية للمرحلة المقبلة.

أهمية هذا الاجتماع الأول تنبع من تصريح القاضي بأن "خطاب العرش السامي" الذي افتتح به الملك عبد الله الثاني الدورة، يمثل "خارطة طريق" ترسم معالم المرحلة المقبلة. هذا الإعلان يضع على عاتق المجلس مسؤولية مباشرة لترجمة التوجيهات الملكية، وتحديدا متابعة مسار التحديث السياسي وتعزيز العمل الحزبي، إلى إجراءات تشريعية وبرامج عمل رقابية ملموسة.

سياق التحديث في "المجلس الأخير"

يكتسب افتتاح الدورة العادية الثانية لمجلس النواب التاسع عشر أهمية استثنائية، كونه يأتي في مرحلة مفصلية من تاريخ الأردن السياسي. فـ "خطاب العرش السامي" لا يمثل مجرد تقليد دستوري سنوي، بل هو الوثيقة السياسية الأهم التي تحدد أولويات الدولة العليا (السياسية، الاقتصادية، والإدارية) وتكون بمثابة برنامج عمل ملزم للحكومة وتوجيهي للبرلمان.

يضع الخطاب هذا العام، كما أشار القاضي، مسار "التحديث الشامل" (السياسي والاقتصادي والإداري) كأولوية مطلقة. هذا المجلس تحديدا (التاسع عشر) يقف على عتبة التحول الأكبر في تاريخ الحياة البرلمانية الأردنية. فهو آخر مجلس نواب ينتخب وفقا لقانون الانتخاب القديم، الذي كان يرتكز إلى حد كبير على العمل الفردي والخدماتي.

وبموجب مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، التي أقرت تشريعاتها، فإن الانتخابات المقبلة ستشهد تطبيق قانوني الأحزاب والانتخاب الجديدين. هذه القوانين تهدف بشكل أساسي إلى نقل الأردن من مرحلة "العمل النيابي الفردي" إلى مرحلة "العمل البرلماني الكتلوي البرامجي والحزبي".

لذلك، تقع على عاتق هذا المجلس في دورته الأخيرة مسؤولية "تهيئة المسرح" لهذا التحول. الإشارة المتكررة من رئيس المجلس إلى "تعزيز العمل الحزبي النيابي المكرس لخدمة الوطن" ليست مجرد توصية، بل هي المهمة الأساسية المتبقية لهذا المجلس: أن يتدرب ويتصرف "كمجلس حزبي" قبل أن يصبح كذلك بالقانون، ليكون بمثابة "بروفة" للنموذج الجديد، ولإثبات جدية المؤسسة التشريعية في تبني مخرجات التحديث.


التفاصيل: اجتماعات "التوافق" وتشكيل اللجان

بدأت الإجراءات الرسمية للمجلس باجتماعين متوازيين عقدهما الرئيس القاضي، وكلاهما يهدف إلى ضبط إيقاع العمل البرلماني منذ اليوم الأول:

اجتماع المكتب الدائم: وهو الاجتماع الإجرائي الأول، وحضره نائبا الرئيس (الدكتور خميس عطية وإبراهيم الصرايرة) ومساعدا الرئيس (هالة الجراح وميسون القوابعة). وكان المخرج العملي الأول لهذا الاجتماع هو "تسمية أعضاء لجنة الرد على خطبة العرش السامي". هذا الإجراء، رغم كونه بروتوكوليا، إلا أن آلية اختياره "بناء على تنسيبات الكتل النيابية" هي بحد ذاتها تطبيق عملي للتوجه نحو مأسسة العمل الكتلوي. كما بحث المكتب أولوياته بهدف "تقديم عمل برلماني يلبي طموحات وتطلعات الأردنيين"، وهي إشارة إلى الملفات الاقتصادية والمعيشية الضاغطة. اجتماع رؤساء الكتل: وهو الاجتماع السياسي الأهم. التقى القاضي برؤساء وممثلي الكتل النيابية، بحضور قيادة المكتب الدائم. وحضر ممثلو الطيف السياسي المنظم تحت القبة: الدكتور إبراهيم الطراونة (كتلة الميثاق)، الدكتور عبد الهادي بريزات (كتلة مبادرة)، المحامي صالح العرموطي (كتلة جبهة العمل الإسلامي)، الدكتور مصطفى العماوي (كتلة الوطني الإسلامي)، الكابتن زهير الخشمان (الأحزاب الوسطية)، والدكتور وليد المصري (كتلة عزم).

المخرج الأبرز لهذا الاجتماع كان "التوافق" بين رؤساء الكتل على آلية ترشيح أعضاء اللجان النيابية الدائمة. تم الاتفاق على أن تجري الترشيحات بشكل "توافقي"، وهو ما يهدف إلى تجنب الصراعات الانتخابية التي كانت تستنزف طاقة المجلس في دوراته السابقة. الأهم هو ضمان "تمثيل للنواب المستقلين"، وهو اعتراف بالتحدي القائم في مجلس لا يزال يضم عددا كبيرا من النواب خارج إطار الكتل المنظمة.

ربط بالمسار العام وتحدي "البرمجة"

لا يمكن قراءة هذه التحركات البرلمانية السريعة بمعزل عن المسار العام للدولة الأردنية. إن تركيز رئيس مجلس النواب والكتل على "التوافق" في تشكيل اللجان و"البرمجية" في العمل، هو محاولة مباشرة لإرسال رسالة سياسية مزدوجة: رسالة للداخل الأردني بأن المجلس يتبنى نهجا تشاركيا يلبي "تطلعات المواطنين" في ظل ظروف اقتصادية ضاغطة، ورسالة للقيادة السياسية بأن المجلس سيكون شريكا فاعلا في تنفيذ "مسار التحديث السياسي" وليس معرقلا له.

الاختبار الحقيقي لهذا المجلس في دورته الثانية لن يكون فقط في صياغة "الرد على خطبة العرش" أو حتى إقرار الموازنة، بل في قدرته على مأسسة العمل الكتلوي فعليا، وتجويد التشريعات الاقتصادية والإدارية المطلوبة كجزء من التحديث الشامل. إن نجاح القاضي في إدارة هذا "التوافق" بين الكتل ذات الأيديولوجيات المتباينة (من الإسلامي إلى الوسطي) ومع النواب المستقلين، سيحدد مدى جاهزية المؤسسة التشريعية الأردنية لاستقبال الاستحقاق الأكبر: أول انتخابات برلمانية حزبية كاملة في تاريخ المملكة.

0 تعليق