أطلق الحاخام الأكبر لليهود السفارديم (الشرقيين) في كيان الاحتلال، يتسحاق يوسف، تصريحا سياسيا متفجرا هدد فيه بهجرة جماعية لطلاب المدارس الدينية (الحريديم) حال إجبارهم على التجنيد في الجيش.
هذا التصريح، "سوف نصعد جميعنا على متن الطائرات ونغادر إسرائيل"، يتجاوز كونه مجرد موقف سياسي ليصبح إنذارا يكشف أزمة الهوية الأعمق في الكيان. إنه يضع الحكومة المتطرفة أمام خيار مستحيل: إما فرض سيادة القانون والمساواة في "تحمل العبء" العسكري، أو خسارة الدعم الوجودي لأهم مكوناتها الأيديولوجية، مما يهدد بنية "العقد الاجتماعي" الإسرائيلي برمته.
"المساواة في العبء" وصراع "الدولة اليهودية" ضد "الدولة الديمقراطية"
لا يمكن فهم خطورة تصريح الحاخام يوسف دون العودة إلى جذر الصراع التاريخي حول تجنيد "الحريديم". منذ قيام الدولة، حصل طلاب المدارس الدينية (اليشيفوت) على إعفاء شبه كامل من الخدمة العسكرية الإلزامية، بموجب "ترتيب الوضع الراهن" (الستاتوس كو) الذي أقره دافيد بن غوريون لضمان ولاء الأقلية الدينية للدولة العلمانية الناشئة.
هذا الترتيب، الذي كان يشمل مئات الطلاب، تحول مع مرور العقود إلى إعفاء لعشرات الآلاف من الشبان الحريديم، في وقت يخدم فيه نظراؤهم العلمانيون والدينيون-القوميون لسنوات في الجيش.
سياسيا، أصبحت الأحزاب الحريديمية (مثل "شاس" التي يمثل الحاخام يوسف مرجعيتها الروحية، و"يهدوت هتوراة") حجر زاوية لا غنى عنه في ائتلافات اليمين بقيادة بنيامين نتنياهو.
المعضلة وصلت إلى نقطة الغليان
قانونيا.المحكمة العليا في الكيان (بج"تس) تدخلت مرارا، وأبطلت قوانين الإعفاء المتعاقبة باعتبارها غير دستورية وتمييزية، مطالبة الكنيست بإقرار قانون يحقق "المساواة في تحمل العبء".
يأتي تصريح الحاخام يوسف في وقت تواجه فيه الحكومة الحالية موعدا نهائيا من المحكمة العليا لإقرار قانون جديد، وسط ضغط شعبي هائل من عائلات الجنود النظاميين والاحتياط الذين يطالبون بإنهاء هذا "التمييز" التاريخي، خاصة مع تزايد الأعباء الأمنية والعسكرية.
لم يكن تصريح الحاخام الأكبر، الذي ورد في درسه الأسبوعي، مجرد زلة لسان، بل رسالة سياسية محسوبة. التفاصيل التي أوردتها صحيفة "معاريف" ترسم صورة واضحة لحرب ثقافية وسياسية شاملة:
التهديد الوجودي (الحاخام يوسف):
بتهديده بـ "المغادرة الجماعية"، يضع الحاخام يوسف الدولة أمام خيار ثنائي: إما الاحتلال كـ "دولة يهودية" (بمفهومه الحريدي) حيث "دراسة التوراة تحمي الشعب"، أو دولة علمانية تفقد "بركتها" وهويتها. هذا التهديد هو السلاح الأقوى لدى الحريديم، فهو يعني سحب الشرعية الدينية والكتلة الديموغرافية من المشروع الصهيوني.
الائتلاف الحكومي في مواجهة المحكمة العليا
تضع هذه العاصفة حكومة نتنياهو في مأزق سياسي لا تحسد عليه. فالحكومة قائمة بالأساس على تحالف "الليكود" مع هذه الأحزاب الحريديمية. إذا رضخت الحكومة للمحكمة العليا وفرضت التجنيد، سينسحب الحريديم فورا ويسقط الائتلاف. وإذا استمرت في مناوراتها لتمرير قانون إعفاء جديد، فإنها تصطدم مباشرة بالمحكمة العليا وبغضب الشارع العلماني، وحتى بأجنحة داخل "الليكود" نفسه.
تصريح الحاخام يتسحاق يوسف ليس مجرد خبر عابر، بل هو إعلان بأن الصراع على هوية الدولة قد وصل إلى نقطة اللاعودة. إنه "ابتزاز سياسي" يضع "دراسة التوراة" في مواجهة مباشرة مع "الخدمة العسكرية"، وهو صراع يهدد بتفكيك التحالفات السياسية القائمة وإدخال إلكيان في دوامة أزمة حكم أعمق من أي تهديد خارجي.

0 تعليق