أظهر تقرير "اتجاهات الطلب على الذهب" الصادر عن مجلس الذهب العالمي ارتفاعا تاريخيا في الطلب الإجمالي على المعدن الأصفر خلال الربع الثالث من عام 2025. وجاء هذا الارتفاع الاستثنائي مدفوعا بعودة قوية للبنوك المركزية إلى الشراء، بالتزامن مع طلب قوي من القطاعات الأخرى، مما يؤكد الأهمية الاستراتيجية المتزايدة للذهب كأصل احتياطي عالمي في ظل استمرار الضبابية الاقتصادية.
البيانات والتحليل
كشف تقرير مجلس الذهب العالمي أن إجمالي الطلب على الذهب بلغ 1313 طنا في الربع الثالث، وهو ما وصفه المجلس بأنه "أعلى إجمالي ربع سنوي في سلسلة بياناتنا". هذا الرقم لا يعكس فقط زيادة في الحجم، بل زيادة هائلة في القيمة؛ حيث قفزت قيمة الطلب بنسبة 44% على أساس سنوي، لتصل إلى 146 مليار دولار، وهو مستوى قياسي آخر يشير إلى أن الطلب القوي يتزامن مع ارتفاع كبير في أسعار الذهب العالمية مقارنة بالعام الماضي.
محرك رئيسي: عودة البنوك المركزية
كان المكون الأبرز في التقرير هو الانتعاش الحاد في مشتريات البنوك المركزية. فبعد ربع ثان مخيب للآمال سجلت فيه البنوك أدنى مستوى شراء فصلي منذ ثلاث سنوات (عند 166.5 طنا)، عادت شهية القطاع الرسمي للذهب بقوة.
ووفقا للبيانات، ارتفعت مشتريات البنوك المركزية بنسبة 28% في الربع الثالث مقارنة بالربع الثاني، لتصل إلى ما يقرب من 213.12 طنا. يمثل هذا الرقم عودة إلى المسار القوي الذي شوهد في بداية العام (عندما تم شراء 244 طنا في الربع الأول) ويؤكد أن التباطؤ في الربع الثاني كان مجرد فترة هدوء مؤقتة وليس تحولا في الاتجاه.
تعليق الخبراء
يعزو الخبراء هذا التحول إلى عدة عوامل. يرى محللون أن "ما نشهده هو تأكيد على استراتيجية التنويع طويلة الأجل للبنوك المركزية، خاصة في الاقتصادات الناشئة. التوترات الجيوسياسية المستمرة، والمخاوف بشأن مستويات الديون السيادية العالمية، والاتجاه نحو 'إزالة الدولرة' الجزئية للاحتياطيات، كلها عوامل تدعم حيازة الذهب".
ويضيف المحللون: "يبدو أن التراجع في الربع الثاني كان استجابة لارتفاعات سعرية حادة ومؤقتة، واغتنمت البنوك فرصة استقرار الأسعار نسبيا في بداية الربع الثالث لإعادة الدخول بقوة. حقيقة أن الطلب الإجمالي (1313 طنا) سجل رقما قياسيا، تعني بالضرورة أن الطلب الاستثماري للأفراد وطلب المجوهرات كانا قويين جدا أيضا، وهو أمر لافت للنظر في بيئة أسعار مرتفعة".
التوقعات
ينظر مجلس الذهب العالمي والمحللون المستقلون بإيجابية إلى الأشهر المتبقية من عام 2025. من المتوقع أن يظل الطلب من البنوك المركزية "قويا" (Robust) لبقية العام، مدفوعا بالمخاطر الجيوسياسية والاقتصادية المستمرة التي لا تظهر أي علامات على التراجع.
ومع ذلك، يبقى المسار المستقبلي لأسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية الكبرى (مثل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي) هو العامل الأكثر تأثيرا على أسعار الذهب. إذا استمر التضخم في التباطؤ، مما يسمح للبنوك الكبرى بتثبيت أسعار الفائدة أو حتى التلميح بخفضها قريبا، فإن تكلفة الفرصة البديلة لحيازة الذهب (الذي لا يدر عائدا) ستنخفض، مما قد يجذب المزيد من الاستثمارات المالية (مثل صناديق الاستثمار المتداولة) ويدفع الأسعار إلى مستويات أعلى. لكن في الوقت الحالي، يظهر الطلب المادي القياسي أن المشترين، سواء كانوا بنوكا مركزية أو أفرادا، يركزون بشكل أساسي على دور الذهب كمخزن للقيمة على المدى الطويل.

0 تعليق