في واحدة من أكبر قضايا الفساد التي تضرب القطاع التجاري والرقابي، أحالت النيابة العامة الكويتية ملفا ضخما يضم 73 متهما إلى المحكمة، وذلك على خلفية اتهامات بتشكيل شبكة إجرامية منظمة تلاعبت في السحوبات التجارية الترويجية، وارتكبت جرائم جسيمة تشمل الرشوة، والتزوير، وغسل الأموال، بقيمة جوائز تجاوزت 4 ملايين دولار أمريكي.
تفاصيل القضية: "شبكة إجرامية منظمة" بطلها موظف رسمي
أعلنت النيابة العامة الكويتية، في بيان رسمي نشرته عبر حسابها على منصة "إكس" (تويتر سابقا)، أن تحقيقاتها المكثفة كشفت عن وجود "شبكة إجرامية منظمة".
وأوضح البيان أن هذه الشبكة استغلت بشكل ممنهج السحوبات التجارية الترويجية التي كانت تنفذها شركات كبرى تحت الإشراف المباشر لوزارة التجارة والصناعة، بهدف "تحقيق مكاسب مالية غير مشروعة".
ووفقا للنيابة، فإن هذه الشبكة قامت بعمليات تزوير واسعة لنتائج السحوبات، "واستهدفت الاستيلاء بغير حق على جوائز تلك السحوبات عبر ممارسات احتيالية".
وتواجه الشبكة اتهامات ثقيلة تشمل:
الرشوة والتوسط فيها: حيث أكدت النيابة أن بعض المتهمين تلقوا رشاوى بشكل مباشر أو غير مباشر لتسهيل عمليات التلاعب، أو للتوسط في تمريرها.
التزوير في المحررات الرسمية والإلكترونية:
لم يقتصر التلاعب على سحب الأسماء، بل شمل تزوير المستندات الرسمية الصادرة عن الوزارة، والتلاعب في الأنظمة الإلكترونية المخصصة للسحوبات لضمان فوز أسماء محددة مسبقا.
غسل الأموال: أوضح البيان أن العائدات الضخمة الناتجة عن هذه العمليات الاحتيالية جرى غسلها عبر سلسلة من المعاملات المالية المتعددة، في محاولة لإخفاء مصدرها الحقيقي ودمجها في الاقتصاد المشروع.
حجم الفساد بالأرقام: 110 سحوبات و 1.24 مليون دينار
كشفت التحقيقات عن حجم التلاعب الهائل الذي جرى على مدار سنوات، حيث شملت التحقيقات الفترة ما بين عامي 2021 و2025.
وتضمنت قائمة الجرائم فحص 110 سحوبات تجارية مختلفة، تبين أن قيمة الجوائز النقدية والعينية فيها بلغت نحو 1.24 مليون دينار كويتي (ما يعادل 4.05 ملايين دولار أمريكي).
ولم تقتصر الجوائز على المبالغ النقدية، بل شملت سيارات فاخرة وهدايا ثمينة.
ونجحت النيابة العامة، في إطار تحقيقاتها، من التحفظ على أموال نقدية وعينية ضخمة بلغت قيمتها التقديرية نحو 1.17 مليون دينار كويتي، وذلك تمهيدا لاتخاذ الإجراءات القضائية المقررة بشأنها ومصادرتها.
كيف انفجرت الفضيحة؟.. "سيدة" تفوز بـ 4 سيارات في عام واحد
تعود شرارة هذه القضية الكبرى إلى شهر مارس/آذار الماضي، وتحديدا خلال مهرجان "يا هلا"، الذي يعد أكبر مهرجانات التسوق والترويج في الكويت.
فجرت سيدة فازت بالجائزة الكبرى للمهرجان، وهي سيارة "كاديلاك إسكاليد 2024" الفاخرة (يقدر سعرها بنحو 80 ألف دولار)، موجة من الشكوك.
لم تكن المشكلة في فوزها بالجائزة الكبرى، بل في كونها السيدة نفسها التي فازت بـ 4 سيارات خلال عام واحد فقط في سحوبات مختلفة، منها سيارات من طرازات حديثة أخرى.
هذا "الحظ الخارق" أثار ريبة الرأي العام ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي.
وسرعان ما انتشرت مقاطع فيديو بشكل واسع، أظهرت وجود تلاعب واضح في عمليات السحب، وكان بطل هذه المقاطع هو رئيس قسم السحوبات في وزارة التجارة والصناعة الكويتية، وهو الموظف المنوط به الإشراف على نزاهة هذه السحوبات وضمان شفافيتها.
وعلى إثر ذلك، تحركت وزارة الداخلية الكويتية، لتكشف عن وجود شبكة منظمة للتلاعب بالسحوبات، مؤكدة أن رئيس قسم السحوبات في الوزارة استغل منصبه الرسمي لتنفيذ هذه العمليات الاحتيالية مقابل الحصول على مبالغ مادية ورشاوى، بالتعاون مع 72 متهما آخرين. وتمثل هذه الإحالة إلى المحكمة بداية فصل جديد في محاكمة واحدة من أبرز قضايا الفساد التي تمس ثقة المستهلك بالجهات الرقابية والسوق التجاري في الكويت.

0 تعليق