عاجل

مظاهرة الحريديم في القدس: 200 ألف يحتجون ضد التجنيد.. وشلل تام وفوضى بالطرقات - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تحولت مدينة القدس الغربية، اليوم الخميس، إلى ما يشبه ثكنة بشرية مغلقة، بعد أن تدفق ما يقدر بنحو 200 ألف من اليهود الحريديم (المتشددين دينيا) للمشاركة في مظاهرة حاشدة. ووفقا لوسائل إعلام إسرائيلية، من بينها القناة 14، فإن هذه الحشود تظاهرت احتجاجا على ما وصفوه بـ "المماطلة" في سن قانون يمنحهم إعفاء كاملا ودائما من الخدمة العسكرية الإلزامية في الجيش الإسرائيلي.

لم يكن الاحتجاج مجرد تظاهرة سياسية، بل تحول إلى استعراض قوة أدى إلى شلل كامل في شرايين الحياة بالمدينة. وأفادت تقارير ميدانية بحدوث فوضى عارمة في محطات الحافلات والقطارات المركزية، واختناقات مرورية خانقة عند مداخل القدس، مما أدى إلى تعطيل الحياة اليومية لآلاف السكان.

شلل تام: فوضى في النقل واختناقات مرورية خانقة
وصفت وسائل إعلام إسرائيلية المشهد في القدس بـ "الفوضى العارمة". منذ ساعات الصباح الباكر، بدأت حشود الحريديم، الذين وصلوا بحافلات من جميع أنحاء إسرائيل، بالتجمع في النقاط المحددة للاحتجاج، مما أدى إلى إغلاق شرايين المرور الرئيسية المؤدية إلى المدينة.

وأفادت التقارير بأن الاختناقات المرورية لم تقتصر على مداخل المدينة، بل امتدت لتشمل الطرقات الداخلية، مما تسبب في فوضى عارمة في محطات النقل العام. وأظهرت لقطات مصورة تكدسا هائلا في محطة الحافلات المركزية ومحطة القطار السريع، حيث تقطعت السبل بالركاب بعد إلغاء أو تأخير عشرات الرحلات.

تظهر هذه الخطوة قدرة التيار الحريدي على "شل" مرافق الدولة حينما يشعر بأن قضيته الجوهرية (دراسة التوراة) في خطر، وهو ما يمثل ورقة ضغط هائلة على أي حكومة إسرائيلية.


جوهر الأزمة: "إما التوراة أو الجيش"
لا تدور هذه المظاهرات حول قضية هامشية، بل تمس إحدى أعمق الأزمات الفكرية والسياسية في إسرائيل. السبب المباشر للاحتجاج هو "عدم سن قانون يعفيهم من الخدمة العسكرية".

دليل لفهم أزمة تجنيد الحريديم:

الموقف الحريدي: يؤمن هذا التيار بأن دراسة التوراة في المدارس الدينية (اليشيفوت) هي التي تحمي الشعب اليهودي روحيا، وأن هذه الدراسة لا تقل أهمية عن الخدمة العسكرية، بل تفوقها. ويرون في التجنيد خطرا "روحيا وأخلاقيا" يهدد بانحلال شبابهم وابتعادهم عن الدين.

الموقف العلماني/الرسمي: ترى غالبية التيارات العلمانية والوطنية الدينية في إسرائيل أن هذا الإعفاء الشامل يمثل خرقا لمبدأ "تقاسم العبء". ففي حين يخدم أبناؤهم لسنوات في الجيش، يعفى قطاع كامل من المجتمع من هذه الخدمة، ويحصل طلاب المدارس الدينية على مخصصات مالية من الدولة.

الأزمة القانونية:
لعقود، كانت الحكومات الإسرائيلية تمنح إعفاءات مؤقتة ومتجددة للحريديم. لكن المحكمة العليا الإسرائيلية تدخلت مرارا وأبطلت هذه الترتيبات، معتبرة إياها "غير دستورية" وتمييزية. وقد انتهت صلاحية آخر تمديد قانوني، وأصبحت الحكومة ملزمة قانونا ببدء تجنيد الحريديم، وهو ما ترفضه الأحزاب الدينية.

استعراض قوة في قلب العاصفة السياسية
توقيت المظاهرة، وحجمها (200 ألف مشارك)، يحمل رسائل سياسية واضحة، وهو ليس مجرد احتجاج اجتماعي، بل هو أداة ضغط سياسي مباشر على الائتلاف الحكومي الحالي.

تعتمد الحكومة الإسرائيلية الحالية (بشكل شبه دائم) على دعم الأحزاب الحريدية (مثل "شاس" و"يهدوت هتوراة") لضمان بقائها. وقد وعدت هذه الأحزاب ناخبيها بتمرير "قانون التجنيد" الذي ينهي الأزمة ويمنحهم الإعفاء الدائم.

فشل الحكومة حتى الآن في تمرير هذا القانون، بسبب معارضة شديدة من داخل الائتلاف نفسه (من أحزاب يمينية علمانية) ومن المعارضة، وبسبب ضغط المحكمة العليا. مظاهرة اليوم هي بمثابة "إنذار أخير" من قادة الحريديم للحكومة: "إما إقرار القانون، أو أننا مستعدون لحل الائتلاف وإسقاط الحكومة".


المستقبل: بين الانصياع للمحكمة أو انهيار الحكومة
تضع هذه الأزمة الحكومة الإسرائيلية أمام خيارين أحلاهما مر:

الانصياع للمحكمة: البدء فعليا في إجراءات تجنيد الشبان الحريديم، وهو ما يعني انسحاب الأحزاب الحريدية فورا من الائتلاف وانهيار الحكومة.

تحدي المحكمة: تمرير قانون "الالتفاف" على قرار المحكمة بالقوة السياسية، وهو ما قد يدخل الدولة في أزمة دستورية عميقة ويثير غضب الشارع العلماني.

ما شهده شارع القدس اليوم ليس مجرد اختناق مروري، بل هو اختناق سياسي وقانوني يهدد مستقبل الائتلاف الحاكم، ويعكس صدعا أيديولوجيا عميقا حول هوية الدولة اليهودية بين طابعها الديني وطابعها العسكري العلماني.

0 تعليق