حملة توعية بشأن المخلفات الحربية نظمتها في غزة اللجنة الدولية للصليب الأحمر (الجزيرة)
حملة توعية بشأن المخلفات الحربية نظمتها في غزة اللجنة الدولية للصليب الأحمر (الجزيرة)
Published On 1/11/20251/11/2025
|آخر تحديث: 13:22 (توقيت مكة)آخر تحديث: 13:22 (توقيت مكة)
بعد مرور أقل من أسبوع على عودة عائلة الشرباصي من جنوب قطاع غزة إلى حيهم وسط مدينة غزة، عقب فترة نزوح استمرت عدة أشهر نتيجة حرب الإبادة الجماعية، وتمركز جيش الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة، دوى انفجار ضخم قرب المنزل، حيث كان أطفال العائلة يلهون. هرع الوالدان والجد إلى مكان الانفجار، ليجدا الطفلين التوأمين يحيى ونبيلة (6 سنوات) ممددين على الأرض غارقين في دمائهما، ويفصل بينهما عدة أمتار.
وتبين -وفقًا لتوفيق الشرباصي (جد الطفلين)- أنهما كانا يلعبان بجسمٍ ظناه لعبة، فانفجر بهما فجأة، مسببًا لهما إصابات بالغة وخطيرة؛ إذ بترت يد يحيى وأدخل إلى مجمع الشفاء الطبي، ولا يزال يخضع لعمليات جراحية، بينما أصيبت نبيلة بجروح متعددة وتواجه خطر بتر قدمها.
يقول الشرباصي للجزيرة نت: "بعد عودتنا من جنوب قطاع غزة، بدأنا بمحاولة التأقلم مع الواقع الجديد، وراح الأطفال يلعبون حول ما تبقى من منازلنا وفوق الركام، حتى وقع الانفجار وأُصيب أحفادي بهذه الإصابات الخطيرة". ويضيف أن "وضع هذه المتفجرات على هيئة ألعاب بشكل متعمد هدفه إيذاء الأطفال، وهذا ما حدث مع أحفادي".
بعد أيام من واقعة نبيلة ويحيى الشرباصي، وقعت حادثة مماثلة مع أسرة فلسطينية أخرى في جنوب القطاع، وبالتحديد في مدينة خان يونس. فمع عودة عائلة حماد إلى موقع منزلها المدمر في حي الأمل شمال المدينة، ومحاولة أفرادها استخراج بعض احتياجاتها من تحت الركام، خاصة ملابس الشتاء، دوى انفجار قوي. أدى الانفجار إلى إصابة 5 من أفراد العائلة، بينهم 3 أطفال، بجروح مختلفة في أجسادهم، نُقلوا على إثرها إلى مجمع ناصر الطبي.
وبعد معاينة معد التحقيق وشهادات المصابين، تبين أن الانفجار سببه معلبات طعام تركها جيش الاحتلال الإسرائيلي خلفه بشكل متعمد بعد تفخيخها بأنواع من المتفجرات شديدة الانفجار، وبمجرد أن لامسها أحد أفراد العائلة انفجرت وأحدثت الإصابات بينهم.
ويتذكر بلال -الذي أصابت بعض الشظايا الجزء العلوي من جسده- ما حدث معه قائلا إنه شاهد علبة تشبه معلبات الطعام فوق ركام منزله، فتوجّه إليها عمُه لتفحصها، وبمجرد لمسها دوّى انفجار كبير تسبب في إصابة جميع من كان في المكان من أفراد العائلة، بمن فيهم العم.
عاينت الجزيرة نت موقع الانفجار، ووجدت أن الركام ينتشر فيه، وما زالت تتناثر فوقه كثير من المعلبات غير المعروف ماهيتها، والتي قد تكون مفخخة بالمتفجرات وتركها جيش الاحتلال خلفه. ووفقا لتأكيدات أهالي الحي، فإن جيش الاحتلال الإسرائيلي بقي في المنطقة ذاتها لأكثر من 4 أشهر وتعمد ترك هذه المخلفات لإلحاق الأذى بالمدنيين.
يقول محمد حماد (9 أعوام) للجزيرة نت: "ما أذكره أن انفجارا قويا حدث، بعد أن تعثر أخي بعلبة تشبه معلبات الطعام فوق ركام منزلنا، ونُقلنا بعدها إلى مجمع ناصر الطبي". ويُفيد والده أحمد بأن يوسف (الابن الثاني) لامس أحد الأجسام الغريبة التي كانت فوق ركام المنزل دون أن يدري ماهيتها، وأنها انفجرت وأصابته وشقيقه أيضا.
وتفيد الشهادات المتقاطعة ومعلومات ضباط الشرطة الفلسطينية بأن جيش الاحتلال الإسرائيلي خلّف في المناطق التي انسحب منها متفجرات على شكل معلبات طعام وألعاب أطفال، وهياكل هواتف، بالتوازي مع اغتياله بشكل ممنهج خلال سنتي الحرب غالبية أعضاء الفريق الفني التابعة للشرطة الفلسطينية في قطاع غزة المتخصص بتفكيك المتفجرات.
وقدّر مكتب الإعلام الحكومي في غزة وجود 70 مليون طن من الركام والأنقاض في أنحاء القطاع، إلى جانب 20 ألف جسم لم ينفجر جراء الحرب الإسرائيلية على غزة. وشدد بيان منشور يوم 16 أكتوبر/تشرين الأول 2025 على أن هذه الأجسام "تتطلب معالجة هندسية وأمنية دقيقة قبل بدء أي أعمال إزالة".
من جهته، أكد العقيد في جهاز الدفاع المدني الفلسطيني ومدير الجهاز بمحافظة خان يونس، أيمن أبو سليمان، أن جيش الاحتلال ترك خلفه كميات كبيرة من المتفجرات، سواء كانت قنابل أو صواريخ لم تنفجر، أو حتى بعض الروبوتات داخل المناطق السكنية في محافظات القطاع كافة.
خبير متفجرات يحيد مخلفات حربية تركها الاحتلال (الجزيرة)
خبير متفجرات يحيد مخلفات حربية تركها الاحتلال (الجزيرة)
وأوضح أبو سليمان للجزيرة نت أن جيش الاحتلال الإسرائيلي تعمد وضع متفجرات مموهة على شكل ألعاب أطفال أو أجهزة جوال أو أشياء ثمينة تنفجر بمجرد العبث بها، وهو أسلوب خبيث يهدف لإلحاق الأذى بالمدنيين، خاصة الأطفال الذين لا يدركون خطورتها. وأشار إلى أن هذه المواد والمخلفات تحتاج إلى خبراء مختصين لإزالتها، في حين أن الجهاز في قطاع غزة يفتقر إلى الإمكانيات اللازمة لتفكيكها أو نقلها بأمان، مما يجعل وجود فرق دولية متخصصة أمرا ضروريا لحماية المدنيين.
ووفقا لشرطة هندسة المتفجرات والدفاع المدني، لم يتم حتى الآن توثيق صور متفجرات على هيئة ألعاب أو هياكل هواتف، وأن المتوفر هو شهادات أهالي الضحايا ومدنيين آخرين.
غير أن محمد عماد الضابط في فريق التخلص من المخلفات الحربية في جهاز الشرطة الفلسطيني داخل قطاع غزة لم يستبعد تعمد جيش الاحتلال الإسرائيلي ترك مخلفات حربية على شكل ألعاب أطفال، ومعلبات طعام، وتشريكها بالمتفجرات بهدف إلحاق الأذى بالأطفال.
وقال للجزيرة نت: "نعم، الاحتلال ما زال يستخدم وسائل خداع كزرع عبوات مموهة على شكل ألعاب أطفال أو هواتف محمولة، وللتعامل مع هذه الحالات نحتاج إلى معدات كشف متطورة للمتفجرات والمواد الكيميائية المشعة، لكنها غير متوفرة حاليا بسبب منع الاحتلال دخولها إلى القطاع".
تقديرات أممية
وقدّرت دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام (UNMAS) في وقت سابق أن ما بين 5% و10% من الذخائر التي أُطلقت على قطاع غزة لم تنفجر، لكنها أوضحت أن القيود الإسرائيلية منعت إجراء مسح شامل للمناطق المتضررة. ولا تملك الدائرة صورة دقيقة عن حجم التهديد في ظل منع إدخال المركبات والمعدات المدرعة الخاصة بالمسح وإزالة المتفجرات، حيث تنتظر 3 مركبات مدرعة عند الحدود منذ أشهر بانتظار التصريح الإسرائيلي.
ويواجه فريق تفكيك العبوات صعوبات في تحييد هذه الوسائل -حسب عماد- إذ يعتمد الفريق على المسح البصري فقط، ويتعامل مع الأجسام الظاهرة على السطح، بينما تحتاج الأجسام المدفونة إلى أجهزة وتقنيات متخصصة غير متوفرة. ويوضح أنه مع بدء عودة النازحين إلى مناطق سكنهم، بدأت تظهر ظاهرة المخلفات الحربية غير المنفجرة، والأخرى غير العسكرية التي تم وضعها من قبل الاحتلال لخداع الأطفال وقتلهم.
وعن الاستهداف المتعمد خلال الحرب لأعضاء الفريق العاملين في الميدان، قال عماد إن منازلهم وعائلاتهم تعرضت للقصف بشكل ممنهج، مما أدى إلى استشهاد 16 منهم، وإصابة 11 آخرين بجروح تعوق عودتهم إلى العمل. وأكد أن هذا الاستهداف المنهجي للكوادر وعائلاتهم شكل عائقا أساسيا أمام استمرارية العمل الطبيعي، للتعامل مع المخلفات الحربية، مشددا على أن الفريق المتبقي لا يتجاوز العشرات ممن يواصلون العمل الميداني، "وهو عدد محدود للغاية".
بعد تنهيدة يقول الضابط: "نحن أمام كارثة حقيقية قد تتفاقم مستقبلا نتيجة وجود كميات كبيرة من المخلفات غير المنفجرة في مناطق عودة النازحين، هذا ما نحذر منه ونسعى إلى التعامل معه بقدر الإمكان رغم ضعف الإمكانيات".
التعاون الدولي
وحول التعاون الدولي في مجال إزالة مخلفات الحرب من قطاع غزة، يبين عماد أن "اللجنة الدولية للصليب الأحمر هي المؤسسة الوحيدة التي ساندت الجهاز خلال الحرب وما زالت تعمل معنا ميدانيا"، أما برنامج الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام (UNMAS) فقد تواصل معهم من دون مشاركة ميدانية مباشرة، إذ يعمل وفق بروتوكولات خاصة بطواقمه دون امتلاكه آلية لتحييد الذخائر.
من جانبها، قالت المسؤولة الإعلامية للجنة الدولية للصليب الأحمر أماني الناعوق إن المخلفات الحربية تشكل "خطرا يهدد بقتل أو إصابة المدنيين، خاصة الأطفال الذين غالبا ما يلعبون بين الركام أو يلتقطون أشياء لا يعرفونها، كما تشكل الأجسام غير المنفجرة تحديات مستمرة للمستجيبين الأوائل والعمل الإنساني".
وعن وجود فرق حاليا للجنة في غزة متخصصة في تفكيك المخلفات الحربية، تبيّن الناعوق عدم وجودها، موضحة أن الفريق الموجود حاليا على الأرض يقدم الدعم في مجال تدريب الشركاء بخصوص أفضل الوسائل للتعرف على الأجسام غير المنفجرة أو التعامل معها ولدعم موظفي اللجنة الدولية في أثناء تحركاتهم وعملياتهم.
(الجزيرة)
وتقول الناعوق: "نقوم بتدريب موظفي ومتطوعي جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني على معلومات معينة تمكنهم من عقد جلسات توعوية مجتمعية تتناول شكل الأجسام غير المنفجرة والأماكن التي يمكن أن توجد فيها هذه الأجسام، مثل المنازل والبنى التحتية المدمرة أو المتضررة أو بين الركام أو في الأماكن التي شهدت عمليات قتالية شديدة أو طويلة، إضافة إلى التوعية بالسلوك الآمن في التعامل مع هذه الأجسام غير المنفجرة".
يشار إلى أن قاعدة بيانات الأمم المتحدة المنشورة يوم 23 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، قالت إن أكثر من 53 شخصا قُتلوا وأصيب المئات جراء مخلفات حرب الإبادة التي استمرت عامين في غزة، في حين تعتقد منظمات إغاثة أن العدد الحقيقي قد يكون أعلى بكثير.
وعن المدة الزمنية المتوقعة لإنهاء انتشار المخلفات الحربية أو الحد من خطورتها، أجابت الناعوق أنه لا يمكن التنبؤ بالمدة الزمنية لإزالة هذا الخطر، إذ إن اللجنة ليست الجهة المعنية بإزالة المخلفات الحربية القابلة للانفجار.
المصدر: الجزيرة

0 تعليق