في تحذير أممي يعكس خطورة الوضع الميداني، أكدت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، اليوم السبت، أن اعتداءات المستوطنين المتكررة خلال موسم قطف الزيتون "تهدد أسلوب حياة العديد من الفلسطينيين في الضفة الغربية".
ولم يأت هذا التحذير من فراغ، بل تزامن مع هجوم نفذه مستوطنون على مزارعين فلسطينيين وناشطين أجانب في بلدة بيتا جنوب نابلس، مما يجسد واقعا من التصعيد المنهجي الذي يستهدف الركيزة الاقتصادية والثقافية للمجتمع الريفي الفلسطيني.
موسم الزيتون كهدف سياسي واقتصادي
لا يعد موسم قطف الزيتون، الذي يمتد عادة بين شهري تشرين الأول وتشرين الثاني، حدثا زراعيا عاديا في الأراضي الفلسطينية. إنه يمثل العمود الفقري الاقتصادي لآلاف الأسر، ورمزا تاريخيا وثقافيا لتجذر الفلسطينيين في أرضهم. تشير التقديرات إلى أن صناعة زيت الزيتون تساهم بنسبة كبيرة في الناتج المحلي الزراعي الفلسطيني، وتعتمد عليها أكثر من 100 ألف عائلة كمصدر دخل رئيسي أو ثانوي.
لهذا السبب، يتحول الموسم سنويا إلى ساحة مواجهة سياسية. وتتركز الاعتداءات في المناطق المصنفة "ج" (C)، الخاضعة للسيطرة الأمنية والإدارية الكاملة للاحتلال، والتي تشكل نحو 60% من مساحة الضفة الغربية. كما تستهدف بشكل خاص الأراضي القريبة من المستوطنات والبؤر الاستيطانية.
تاريخيا، وثقت منظمات حقوقية دولية وفلسطينية وتابعة للاحتلال، مثل "بتسيلم" و"يش دين"، نمطا ثابتا من العنف الممنهج خلال هذا الموسم.
تتخذ الاعتداءات أشكالا متعددة، تبدأ من المضايقات ومنع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم، وتصل إلى الاعتداء الجسدي المباشر، وتخريب المحاصيل، وسرقة ثمار الزيتون، وفي أحيان كثيرة، قطع وإحراق آلاف أشجار الزيتون المعمرة.
تحذير "الأونروا" وهجوم "بيتا"
جاء تحذير "الأونروا" اليوم ليضيف طابعا رسميا أمميا إلى ما تصفه التقارير الحقوقية بـ "سياسة الإفلات من العقاب". فإن وصف الاعتداءات بأنها "تهدد أسلوب الحياة" هو اعتراف بأن القضية تجاوزت كونها حوادث أمنية معزولة، لتصبح استراتيجية تهدف إلى جعل حياة الفلسطينيين في هذه المناطق "غير محتملة"، ودفعهم إلى هجر أراضيهم، مما يسهل عمليات التوسع الاستيطاني.
وتشير الوكالة الأممية، كغيرها من المنظمات، إلى أن هذه الاعتداءات غالبا ما تتم "تحت سمع وبصر" قوات جيش الاحتلال، التي تتهمها التقارير الحقوقية بالتقاعس عن توفير الحماية للمدنيين الفلسطينيين (الواقعين تحت الاحتلال)، وفي بعض الحالات، توفير الحماية للمستوطنين المهاجمين.
تجسيدا لهذا الواقع، أفاد مراسلون ميدانيون، اليوم السبت، بوقوع هجوم مباشر في بلدة بيتا جنوب نابلس.
وهاجم مستوطنون، انطلقوا من بؤر استيطانية قريبة، المزارعين الفلسطينيين أثناء عملهم في أراضيهم. اللافت في هجوم بيتا هو استهداف "ناشطين أجانب" كانوا يتواجدون في المكان.
تظهر مشاركة الناشطين الأجانب حجم التوقع المسبق لهذه الهجمات. فهؤلاء الناشطون ينظمون ما يعرف بـ "حملات الحماية والمرافقة"، في محاولة لتوفير غطاء دولي للمزارعين، وتوثيق الانتهاكات، وردع المستوطنين بحكم وجودهم.
وتعتبر بلدة بيتا تحديدا رمزا للمقاومة الشعبية، حيث شهدت البلدة على مدى سنوات مواجهات مستمرة رفضا لإقامة بؤرة "أفيتار" الاستيطانية على أراضيها، مما يجعلها هدفا دائما للانتقام الاستيطاني.
تحذير "الأونروا" اليوم، مقترنا بأحداث بيتا، لا يسلط الضوء على خسارة موسم زراعي فحسب، بل على عملية تقويض ممنهجة لأساسيات البقاء الاقتصادي والاجتماعي للفلسطينيين في الضفة الغربية. وبينما تستمر الدعوات الدولية لوقف هذا العنف، يبقى المزارع الفلسطيني في مواجهة مباشرة مع خطر فقدان أرضه ومصدر رزقه، وهو ما وصفته "الأونروا" بـ "تهديد أسلوب الحياة" بأكمله.

0 تعليق