الرياضة الافتراضية.. سلاح جديد ضد الوحدة - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

بين ضغوط العمل من المنزل وازدحام الشاشات، وجد كثيرون أنفسهم في عزلة غير مقصودة. لكن التكنولوجيا، التي كانت سببًا في هذا البُعد، عادت لتُقدّم الحل عبر الرياضة الافتراضية (Virtual Fitness)، التي تمزج الحركة بالمتعة، واللياقة بالتواصل، لتصنع تجربة تجمع الجسد بالعالم من جديد.

من الصالة الواقعية إلى الصالة الافتراضية

على عكس ألعاب الإنترنت الجماعية التقليدية على الحواسيب أو أجهزة التحكم، تُتيح ألعاب الواقع الافتراضي الاجتماعية للاعبين التفاعل داخل عالم رقمي مشترك باستخدام مزيج من نظارات الواقع الافتراضي (Head-Mounted Display)، والصوت، وأدوات التحكم، مما يوفر مستوى أعمق من الانغماس والتجربة الحسية.

اقرأ أيضا

list of 2 items end of list

وتتطلب هذه الألعاب من اللاعب ارتداء نظارة خاصة وأجهزة تتبّع دقيقة لحركات الجسد، ليتمكّن من تحريك شخصية الأفاتار (Avatar) الخاصة به، والتفاعل في بيئةٍ افتراضية بالكامل، باستخدام حركاته الواقعية وكأنّه يعيش التجربة فعليا.

منصات افتراضية تُحاكي المجتمع

تُعَدّ من أشهر هذه المنصّات زويفت (Zwift) وسوبرناتشورال (Supernatural) وفيت إكس آر (FitXR)، وهي تطبيقات تُمكّن المستخدمين من الدخول إلى عالم رياضي ثلاثي الأبعاد، حيث يمكنهم الركض بين جبال الألب أو ركوب الدرّاجات وسط مدينة خيالية مزدحمة بالمشاركين من مختلف أنحاء العالم.

وتجمع هذه المنصّات بين عناصر اللعب والرياضة والتواصل الاجتماعي، إذ تُكافئ المشاركين على إنجازاتهم، وتُتيح لهم الدردشة الصوتية وتبادل التشجيع والنصائح، مما يجعل التجربة أقرب إلى نادٍ اجتماعي رقمي نابض بالحيوية.

وتقول عالمة النفس الأميركية كارول كافانو في دراسة نشرتها جامعة ستانفورد عام 2024: "الرياضة الافتراضية لا تُحسّن اللياقة البدنية فحسب، بل تخلق روابط اجتماعية رقمية تُشبه الصداقات الواقعية في أثرها النفسي".

الصحة النفسية واللياقة الرقمية

وفقًا لدراسة صادرة عن جامعة أكسفورد حول العلاقة بين اللياقة الرقمية والصحة النفسية، تبيّن أن ممارسة التمارين عبر التطبيقات الافتراضية ساعدت على تقليل مشاعر الوحدة بنسبة 25% لدى المشاركين الذين يمارسونها بانتظام.

إعلان

ويؤكد الباحثون أن الدمج بين النشاط الجسدي والتفاعل الاجتماعي داخل المنصّات الافتراضية يخلق تجربة علاجية مزدوجة؛ فهي من جهة تعزز إنتاج هرمونات السعادة (الإندورفين)، ومن جهة أخرى توفّر دعمًا عاطفيًّا غير مباشر من خلال التواصل الجماعي والتشجيع المتبادل.

وفي دراسة أخرى، وُجد أن التمارين الجماعية في بيئات الواقع الافتراضي تُحفّز مشاعر الانتماء حتى لدى الأشخاص الانطوائيين أو أولئك الذين يعملون من المنزل لفترات طويلة.

وتقول الباحثة جيليان بيرس، من فريق الدراسة: "الرياضة الافتراضية لا تُعيد بناء العضلات فحسب، بل تُعيد بناء العلاقات أيضا".

الرياضة الافتراضية قد لا تعوّض دفء اللقاءات الحقيقية (فري بيك)

كبار السن يدخلون عوالم افتراضية لمواجهة الوحدة

يخوض عدد من كبار السن في بريطانيا تجربة جديدة تهدف إلى مكافحة الشعور بالوحدة والعزلة، وذلك عبر دخولهم إلى عوالم رقمية تفاعلية باستخدام تقنيات الواقع الافتراضي، ضمن تجربة بحثية تقودها جامعة شيفيلد هالام بالتعاون مع مؤسسة "إيج يو كيه شيفيلد"، تحت اسم مشروع "بلانت ويلبينغ".

وفي إطار هذه التجربة، يرتدي المشاركون نظارات الواقع الافتراضي للمشاركة في أنشطة اجتماعية وترفيهية متنوعة، مثل الرقص أو لعب الورق (الكوتشينة)، داخل بيئة رقمية مصمَّمة لتمنحهم إحساسًا بالحضور والتفاعل الحقيقي.

وتقول تيريزا باركر، الرئيسة التنفيذية لمؤسسة إيج يو كيه شيفيلد، إن هذا المشروع يحمل إمكانية إحداث نقلة نوعية في أساليب تعزيز الصحة النفسية ورفع جودة الحياة لكبار السن، من خلال خلق مساحة اجتماعية آمنة تمكّنهم من التواصل والمشاركة بعيدًا عن الشعور بالعزلة أو الانعزال.

ما الذي يجعل هذه الرياضة أكثر من مجرد تمرين رقمي؟

السر في البعد الاجتماعي الذي تمنحه، فالتطبيقات الحديثة صُممت لتشبه مجتمعات صغيرة، يمكن للمستخدمين فيها الدردشة والمشاركة في تحديات أسبوعية وتلقّي التشجيع والنصائح من آخرين حول العالم. هذا التفاعل، رغم أنه يتم عبر الشاشة، يُولّد شعورًا بالرفقة والانتماء في زمن تزداد فيه العزلة الرقمية.

ولا يقتصر الأمر على مواجهة الوحدة، بل يمتد إلى الهوية الرقمية ذاتها؛ فجيل الألفية "الميلينيال" و"جيل زد" نشآ في بيئة يرون فيها التفاعل الافتراضي جزءا طبيعيا من حياتهم اليومية.

يقول أليكس مورغان، أحد مدربي منصة فيت إكس آر: "الشباب لا يبحثون فقط عن جسم صحي، بل عن مجتمع رقمي يشعرون فيه بأنهم مرئيون ومفهومون".

لهذا، تمنحهم هذه المنصّات بيئة آمنة خالية من الأحكام، إلى جانب عناصر اللعب والتحدي مثل تسجيل النقاط أو الحصول على مكافآت رقمية، مما يجعل التجربة أكثر متعة واستمرارية.

ويقول أحد مستخدمي فيت إكس آر "لم أكن أظن أنني سأكوّن صداقات عبر تمرين رياضي، لكننا اليوم نتمرن معا كل أسبوع ونتحدث بعد الجلسة كما لو كنا في نادٍ حقيقي".

الرياضة كعلاج تكميلي للوحدة

توصي مؤسسة الصحة النفسية في بريطانيا باستخدام النشاط البدني كأداة لمواجهة الوحدة، والآن تُضاف الرياضة الافتراضية إلى هذه القائمة. فهي لا تتطلب تنقلا أو التزاما مكانيا، ما يجعلها خيارا متاحا للأشخاص الذين يعانون من قلق اجتماعي أو يعيشون بمفردهم.

في الوقت نفسه، يحذر الخبراء من الاعتماد الكامل على هذا النوع من التواصل فقط.

إعلان

يقول الدكتور (نيك هولمز)، عالم النفس في جامعة إدنبرة: "إن الرياضة الافتراضية أداة رائعة لتخفيف الوحدة، لكنها لا يمكن أن تحل محل العلاقات الواقعية، والتوازن هو المفتاح".

قد لا تعوّض الرياضة الافتراضية دفء اللقاءات الحقيقية، لكنها بالتأكيد تفتح بابًا جديدًا لفهم كيف يمكن للتكنولوجيا أن تخفف من آثار الوحدة.

ففي عالم يُقاس فيه التواصل بعدد النقرات، تُعيد هذه المنصات تعريف مفهوم اللقاء من مجرد اتصال عبر الإنترنت، إلى تجربة إنسانية تشاركية تجمع الجسد والروح في فضاء رقمي مشترك.

0 تعليق