Published On 1/11/20251/11/2025
|آخر تحديث: 22:50 (توقيت مكة)آخر تحديث: 22:50 (توقيت مكة)
افتتح رسميا منذ ساعات قليلة المتحف المصري الكبير، الذي يُعد أحد أهم المشاريع الثقافية في مصر في القرن الـ21. لكن بالنسبة إلى محمد إبراهيم الشويخي، أحد مسؤولي ترميم الآثار بالمتحف منذ انطلاق العمل فيه، فإن الحدث لا يمثل مجرد افتتاح لمشروع ضخم، بل تتويجا لجهود استمرت أكثر من عقدين، شارك فيها مئات المتخصصين وآلاف العمال المصريين. فمنذ وضع حجر الأساس في صحراء ميت رهينة عام 2002، تحوّل المشروع تدريجيًا إلى رمز حضاري وثقافي عالمي يعكس قدرة مصر على الجمع بين تراثها القديم وتقنيات العرض الحديثة في عام 2025.
مسابقة للتعيينات
في عام 2008 أعلنت وزارة الثقافة المصرية عن مسابقة لتعيين مرمّمي آثار للعمل في المتحف المصري الكبير، بعد اكتمال الدراسات المبدئية للمشروع وبدء تنفيذ غرف الترميم والمخازن. تقدّم للمسابقة نحو 10 آلاف متسابق، خضعوا لعدة مراحل من التصفية انتهت في مايو/أيار 2009 باختيار 106 مرمّمين ضمن المرحلة الأولى، كان من المقرر أن تتبعها مرحلة ثانية لتعيين العدد نفسه. غير أن ثورة يناير/كانون الثاني 2011 أوقفت المرحلة الثانية، لتقتصر التعيينات على نصف العدد فقط.
من بين هؤلاء كان محمد عبد القادر النويشي، خريج كلية الآداب، قسم الآثار والترميم، الذي بدأ رحلته في العمل بالمتحف في واحدة من أكثر الفترات اضطرابا في تاريخ مصر الحديث.
يروي النويشي، وهو من الدفعة الأولى للمرممين في المتحف المصري الكبير، تجربته قائلا: "15 عاما عملت فيها من أجل الوصول إلى هذه اللحظة التي طال انتظارها. كان من المقرر افتتاح المتحف قبل عامين أو أكثر، لكن الأحداث السياسية في المنطقة أجّلت الموعد. ومع ذلك، لم يتوقف العمل ليوم واحد، حتى في أصعب الظروف بعد ثورة يناير وحالة الفراغ الأمني التي شهدتها البلاد. في صباح جمعة الغضب، 28 يناير/كانون الثاني 2011، حينما كانت مصر كلها مغلقة، كنا نحن في الثامنة صباحًا أمام بوابة المتحف، نواصل عملنا كأن شيئا لم يحدث".
مجموعة الملك الذهبي تنتظر العرض الأول
على مدى 15 عاما من العمل في الترميم، لا يتذكر المرمم محمد عبد القادر النويشي عدد القطع التي شارك في ترميمها، لكنه لا ينسى لحظة دخوله إلى غرفة مجموعة الملك الذهبي توت عنخ آمون للمرة الأولى، تلك اللحظة التي وصفها بأنها "تجربة لا تُنسى".
إعلان
يقول النويشي في حديثه: "غرفة الملك توت عنخ آمون هي المجموعة الوحيدة التي ستُعرض كاملة لأول مرة في الافتتاح الرسمي. حتى أثناء الافتتاح التجريبي، ظلت الغرفة مغلقة، في انتظار اللحظة التي سيُبهر فيها العالم بما تملكه مصر من تراث وبما أنجزته بهذا المتحف".
أما على صعيد أنظمة الأمان، فيؤكد النويشي للجزيرة نت أن نظام التأمين في المتحف الكبير يُعدّ الأحدث عالميًا، إذ تُؤمَّن كل 50 سنتيمترا بكاميرات مراقبة محيطية وأجهزة تتبّع إلكترونية دقيقة. كما تقع غرف المخازن والترميم تحت الأرض، ولا يعرف مواقع مداخلها سوى العاملين المصرح لهم، وهي مؤمنة بشكل كامل وسري.
ويشير النويشي إلى أن هذا النظام المتكامل هو ما حافظ على سلامة المقتنيات خلال فترات الاضطراب السياسي والانفلات الأمني التي شهدتها البلاد، ليبقى المتحف الكبير رمزا للصمود والدقة في حماية التراث المصري.
يروي محمد عبد القادر النويشي، أن فكرة إنشاء المتحف لم تكن وليدة لحظة أو قرار مفاجئ من الوزير الأسبق فاروق حسني، بل جاءت نتيجة 5 سنوات من الدراسات والتخطيط في الداخل والخارج. ويؤكد أن كل خطوة إنشائية في المشروع خضعت لحسابات دقيقة وتصميمات هندسية تراعي ضخامة القطع الأثرية وطبيعة عرضها لتظهر بهيبتها المعهودة.
يقول النويشي في حديثه للجزيرة نت: "حين نُقل تمثال رمسيس الثاني من ميدانه الشهير في عام 2006، وُضع مباشرة في موقعه الدقيق داخل التصميم المعماري للمتحف، ثم بُني المبنى حوله، بما في ذلك البهو الرئيسي والبوابة الأمامية".
ويضيف أن درج المتحف، الذي يعرض عليه عدد من التماثيل الفرعونية العملاقة، خضع لتصميم خاص يضمن التوازن البصري والهندسي في طريقة عرض القطع.
ولم تقتصر الدقة على الجوانب المعمارية فحسب، بل امتدت إلى التفاصيل الفلكية؛ إذ أوضح النويشي أن فريق المهندسين المصريين عمل على ضبط موعد تعامد الشمس على وجه تمثال رمسيس الثاني في المتحف، ليحدث في اليوم نفسه الذي تتعامد فيه الشمس على وجه الملك في معبده بالأقصر، وهو ما اعتبره "إنجازا هندسيًا ومعرفيًا سيُسجل في تاريخ مصر الحديث".
ويُرجع النويشي استمرار العمل بالمتحف رغم الأزمات السياسية والاقتصادية إلى تبعية المشروع مباشرةً لرئاسة الوزراء، مما جنّبه البيروقراطية الحكومية.
صرح حضاري
يقع المتحف المصري الكبير عند هضبة الجيزة على بُعد نحو كيلومترين فقط من الأهرامات، مما يجعله أحد أبرز المعالم الثقافية والسياحية المتكاملة في العالم، إذ يتيح للزوار الجمع بين زيارة المتحف وموقع الأهرامات في يوم واحد. يمتد المشروع على مساحة نحو 500 ألف متر مربع، منها 300 ألف متر مربع للمبنى الرئيسي، ليصبح بذلك أكبر متحف في العالم مخصص لحضارة واحدة هي الحضارة المصرية القديمة.
تعود فكرة إنشاء المتحف إلى عام 1992، حين خُصصت له مساحة تبلغ 117 فدانًا قرب الأهرامات، قبل أن يُوضع حجر الأساس عام 2002، عقب إطلاق مسابقة معمارية دولية برعاية اليونسكو والاتحاد الدولي للمهندسين المعماريين لاختيار التصميم الفائز.
وبعد أكثر من عقدين من العمل المتواصل، شهد العالم في نوفمبر/تشرين الثاني 2025 الافتتاح الرسمي للمتحف المصري الكبير، الذي يضم أكثر من 100 ألف قطعة أثرية من مختلف عصور مصر القديمة، بينها مجموعة الملك الذهبي توت عنخ آمون والمراكب الملكية، ليجسد المتحف الجديد رؤية مصر في الحفاظ على تراثها وتقديمه بأسلوب يواكب معايير العرض العالمية الحديثة.
إعلان

0 تعليق