غزة في خيم (الجزيرة)
Published On 6/11/20256/11/2025
|آخر تحديث: 08:04 (توقيت مكة)آخر تحديث: 08:04 (توقيت مكة)
لا يزال ملايين الفلسطينيين محصورين في خيم متراصّة، مدارس مكتظة ومبان أخرى، أو ينامون ببساطة في شوارع غزة، بينما تستمر إسرائيل في حرب الإبادة على القطاع، رغم اتفاق وقف إطلاق النار الهش.
وقد حوّل الاكتظاظ، رداءة الصرف الصحي، نقص الغذاء وندرة الأدوية، ملاجئ غزة المؤقتة، إلى أرض خصبة للأمراض المعدية.
تقول سماهر سعيد مديرة الحماية في "الإغاثة الطبية لفلسطين "ماب" (MAP)" في غزة، للجزيرة من جنوب القطاع: "حتى المعايير الدنيا للكرامة الإنسانية والنظافة، غير متاحة في هذه الظروف".
تضيف سعيد في إشارة إلى الواقع اليومي الذي يواجهه الفلسطينيون المهجّرون "لا يوجد استقرار، ولا أمان".
الحياة داخل خيمة في غزة كيف تكون؟
للوقوف على ظروف العيش داخل خيمة في غزة، زارت الجزيرة مخيما للنازحين في دير البلح، المحافظة التي تضم أكبر عدد من تجمعات النزوح المستحدثة.

تنقسم فسحة المعيشية إلى حيز خارجي وآخر داخلي. يُستخدم الجزء الخارجي لقضاء الحاجات اليومية المتعددة، بما في ذلك طهي الطعام على نار مكشوفة، غسل الأواني، تعليق الملابس واستخدام المرحاض الخارجي، بينما يتم استخدام المنطقة الداخلية أساسا للنوم والاحتماء من الشمس أو المطر.
تشغل الخيمة مساحة قدرها 20 مترا مربعا (215 قدما مربعة) يتقاسمها 10 أشخاص بالمتوسط، مما يترك لكل فرد فقط مترين مربعين (22 قدما مربعة) أي أقل بكثير من الحد الأدنى الموصى به من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والذي يبلغ 3.5 أمتار مربعة للفرد وارتفاع مترين (6.5 أقدام) لإتاحة التهوية المناسبة.

تتكون الخيمة نفسها من بطانيات قديمة وقطع قماش، مع أوراق نايلون مدعومة بالحبال ومثبتة بأعمدة معدنية وخشبية. وهي تؤمّن حماية بسيطة من المطر، بلا خصوصية، ولا تفيد في ضبط درجات الحرارة خلال الشتاء البارد والصيف الحار.
تقول سعيد "الخيام التي تم نصبها في بداية الحرب تهتكت تماما بعد عامين من الاستخدام؛ لم تعد تحمي الناس من الشظايا، أو حرارة الصيف أو برد الشتاء".
وكان تقرير سابق للجزيرة من غزة نقل عن إحدى الأمهات قولها إن الصيف "أضر بأجساد الأطفال" وإن "الذباب والحشرات نهشت لحمهم" حيث "بيئة الخيمة بائسة للغاية".
في زوايا الخيمة، تُحفظ المتعلقات الشخصية داخل أكياس وصناديق كرتونية، بينما تعلق الملابس لتوفير المساحة، مما يتيح لها أن تُحزم بسرعة عند ورود أوامر الطرد القسري المتواصلة وقصف إسرائيل المستمر.

المطبخ
تخزن أدوات المطبخ، القدور والمقالي في زاوية أخرى من المنطقة المعيشية الخارجية، بينما يتم تخزين المياه الصالحة للشرب في حاويات بلاستيكية.

على مقربة من المكان، تُستخدم نار مكشوفة للطهي، بجوار أكوام القمامة، بما في ذلك الكرتون ومواد أخرى تستخدم كوقود، مما يتسبب في انبعاث دخان ضار في الهواء يحمل معه المخاطر الصحية.
على مقربة من المخيمات المستجدة تراكمت مئات الآلاف من أطنان القمامة بعد قيام إسرائيل بتقييد الوصول إلى مدافن غزة الرئيسية، في جحر الديك في الشمال، والفخاري (المعروفة أيضا بصوفا) في الجنوب، حيث كانت تُنقل هذه القمامة عادة.
واعتبارا من فبراير/شباط 2025، استمر منع الوصول إلى مدفن صوفا، الواقع في منطقة محظورة من قبل إسرائيل، مما حال دون نقل النفايات الصلبة من 30 موقعا مؤقتا لتفريغ القمامة والعديد من المواقع غير الرسمية المستمرة.
تقول سعيد "غالبا ما نجد أنفسنا في مواقف نعرف فيها أن الناس يعيشون في بيئات خطرة أو غير كريمة بالقرب من الصرف الصحي، مكبات النفايات أو ملاجئ غير آمنة، ولكن ببساطة لا يوجد لدينا بدائل لنقدمها لهم".
المنامة
ترتيبات النوم قاسية؛ أفضل ما يمكن أن يأمله الإنسان هو العثور على فرشة رقيقة للنوم عليها، ولكن ليست هناك واحدة لكل فرد من أفراد الأسرة، وكثير منهم ينتهي بهم الأمر بالنوم على الأرض العارية. وخلال النهار تحفظ البطانيات والوسائد جانبا .
المراحيض
مع توفر عدد قليل من المراحيض، أجبر الناس على حفر مراحيض، أو استخدام دِلاء لقضاء حاجاتهم. وفقا للإغاثة الطبية لفلسطين (ماب)، يضطر ما يصل إلى 600 شخص في المتوسط للمشاركة في مرحاض واحد، وهو ما يزيد 30 مرة عن المعايير الدنيا.
نتيجة لذلك تتدفق مياه الصرف الصحي والمخلفات البشرية إلى الشوارع وتتمدد لتصل على مقربة من الملاجئ.

النظافة الشخصية
يبقى أن أمر الوصول إلى أساسيات خدمة الصرف الصحي، والنظافة في غزة محدود للغاية، خصوصا بالنسبة للنساء.
فوفاء نصر الله، وهي أم مشردة لطفلين، ليس بإمكانها -مثلا- شراء الفُوَط الصحية. وقد حاولت استخدام القماش وحتى الحفاظات بدلا منها. وفاء هي واحدة من نساء عديدات لا يمكنهن الحصول على أدوات النظافة، فلجأ عدد منهن إلى الأدوية لوقف دوراتهن الشهرية.
كما أن النساء والفتيات لا يحصلن على الكمية الكافية من الماء لغسل أنفسهن في فترة الحيض أو الخصوصية في الحمامات لتمكينهن من ذلك، حتى إذا وجدن الماء.
تقول سعيد "الفتيات ينمن على الأرض العارية خلال دوراتهن الشهرية، بسبب نقص الفراش النظيف أو المساحة الخاصة".
ومعلوم أن إسرائيل عطلت أكثر من 85% من البنية التحتية للمياه والصرف الصحي في غزة، بدءا من الآبار وانتهاء بمحطات المعالجة.
انتشار الأمراض
تنتشر في المخيمات الأمراض التي يمكن تجنبها بسبب الاكتظاظ ونقص المرافق النظيفة والأدوية.
ووفقا لدراسة نشرت في مجلة الطب والجراحة والصحة العامة في أبريل/نيسان، تواجه غزة حاليا فيضا من الأمراض المعدية، مع وجود 700 ألف حالة مُبلغ عنها رسميا.
وتتسبب مصادر المياه الملوثة بـ"نشر الأمراض المنقولة بالماء مثل الكوليرا والإسهال، مما يفاقم الأزمة الصحية"، حيث إن الفقر، الاكتظاظ، نقص النظافة، الطعام الملوث، ونقص المياه الصالحة للشرب عوامل، تنذر بإمكانية الإصابة بالكوليرا.
من الأعلى، غزة عبارة عن خيام متناثرة بين الأنقاض
انتشار خيام غزة (الجزيرة)
تظهر صور الأقمار الصناعية من أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى سبتمبر/أيلول 2025 أن إسرائيل دمرت أحياء بكاملها في جميع محافظات غزة الخمس، مما أجبر حوالي مليوني شخص على الفرار، أغلبهم جنوبا.
بدأت منطقة شمال غزة بتلقي أوامر الإخلاء خلال الأسبوع الأول من الحرب. ومع اندفاع المزيد من الفلسطينيين جنوبا، اعتقد كثيرون أن رفح ستكون آمنة، لكن إسرائيل هاجمتها.
صور الأقمار الصناعية من نوفمبر/تشرين الثاني 2023، بعد شهر من بدء الحرب، وحتى يناير/كانون الثاني 2024 تظهر منطقة مخيم في رفح تم تدميرها بالكامل خلال شهرين.
ثم زعمت إسرائيل أن المواصي -وهي منطقة ساحلية مهجورة جنوب غزة تفتقر لأي منشآت- ستكون "منطقة إنسانية"، وأمرت معظم الناس بالذهاب إليها. وفي غضون أشهر، أصبحت هذه المنطقة مكتظة بمئات الآلاف من النازحين. منذ ذلك الحين، قامت إسرائيل بقصف هذه المنطقة الآمنة بشكل متكرر، وارتكبت عدة مذابح قتلت فيها وأصابت مئات الأشخاص، وأثارت صدمة العالم الخارجي.
تظهر صور الأقمار الصناعية حول مستشفى حمد في رفح بتاريخ 23 أبريل/نيسان و18 يوليو/تموز 2025 خياما وملاجئ حول المستشفى في أبريل/نيسان ولكنها اختفت بالكامل تقريبا بحلول يوليو/تموز.
صورة الأقمار الصناعية أدناه هي لكلية المجتمع في خان يونس بتاريخ 19 ديسمبر/كانون الأول 2023 و4 فبراير/شباط 2024 تُظهر تجمعا سكانيا ما لبث أن اختفى خلال شهرين، ولم يعرف مصير النازحين الذين كانوا هناك.
كان مخيم جباليا يضم خياما بتاريخ 12 أغسطس/آب 2024، وصار تقريبا فارغا بتاريخ 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
غالبية الملاجئ تعرضت للهجوم
نازحون في الخيم المستحدثة (الجزيرة)
قامت وكالة التحقق من الأخبار "سند" التابعة لقناة الجزيرة بتحديد مواقع ما لا يقل عن 954 ملجأ موثقا تم إنشاؤها عبر قطاع غزة خلال العامين الماضيين، بناء على معلومات من مجموعات محلية ودولية تديرها.
وكان معظم هذه الملاجئ ( بنسبة 65% أو 624 موقعا) عبارة عن مخيمات مؤقتة، غالبا ما يتم بناؤها باستخدام قطع من القصدير والقماش أو النايلون.
بينما تشكل 282 ملجأ آخر داخل المدارس والمباني التي تم تغيير استخدامها، و14 في المستشفيات، و34 في مرافق أخرى مثل مراكز المجتمع والمساجد والمباني البلدية والمخازن.
تتكدس عدة عائلات في خيمة واحدة أو غرفة صف واحدة داخل مدرسة، دون وجود أثاث كاف للنوم أو الجلوس أو تناول الطعام أو الطهي أو الحفاظ على الحد الأدنى من الخصوصية. ويكافح الناس لأجل البقاء بدون مياه نظيفة أو أدوية ضرورية أو غذاء كاف.
نصف الملاجئ أخليت أو دمرت أو هوجمت
هاجمت إسرائيل خلال العامين الماضيين 447 ملجأ من ملاجئ غزة، مما أدى إلى تدميرها أو الإضرار بها أو إجبارها على الإغلاق.
وأظهر تحليل صور الأقمار الصناعية لهذه المواقع ما يلي:
- دير البلح ضمت 282 ملجأ، 93% منها (262) ما زالت تعمل وتعطل 20 ملجأ.
- خان يونس ضمت 281 ملجأ، تعطل أكثر من نصفها (151)، خاصة تلك القريبة من أراضي المستوطنات.
- مدينة غزة ضمت 179 ملجأ، منها 41% معطلة (73) ملجأ.
- رفح تضم 114 ملجأ، مع نسبة مذهلة بلغت 93% (106) معطلة.
- شمال غزة تضم 98 ملجأ، منها 97 ملجأ لم تعد تعمل.
استهدفت واحدة من كل 4 هجمات إسرائيلية ملاجئ أو مراكز نزوح أو مخيمات النازحين داخليا، من إجمالي 20 ألف هجمة على الأقل مسجلة على غزة، وفقا لـ"بيانات مواقع وأحداث النزاعات المسلحة" (ACLED).
قتلت إسرائيل بين 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 و19 سبتمبر/أيلول 2025، 22 ألفا و402 من النازحين في 4900 هجمة من هذا النوع، مما يعني أن حوالي 39% من جميع الأشخاص الذين قتلتهم إسرائيل في غزة في تلك الفترة قُتلوا في ملاجئ النزوح.
معظم الهجمات كانت ضربات جوية وضربات بالطائرات بدون طيار، وشكلت 72% (3554 حادثة).
شكل القصف المدفعي والقذائف ونيران الصواريخ 23% (1139 حادثة).
وشكلت الأحداث العنيفة الأخرى، مثل الاشتباكات أو الهجمات المباشرة، النسبة المتبقية وهي 5%.
ما الملاجئ التي تعرضت للهجوم أكثر؟
- مخيم البريج تعرض للهجوم 557 مرة، مما تسبب في 1741 وفاة، بمعدل 24 هجمة و75 وفاة شهريا.
- مخيم النصيرات تعرض للهجوم 510 مرات، مما تسبب في 3317 وفاة، بمعدل 22 هجمة و142 وفاة شهريا.
- مخيم دير البلح تعرض للهجوم 487 مرة، مما تسبب في 275 وفاة، بمعدل 21 هجمة و12 وفاة شهريا.
- مخيم الشاطئ تعرض للهجوم 425 مرة، مما تسبب في 1412 وفاة، بمعدل 18 هجمة و61 وفاة شهريا.
- مخيم جباليا تعرض للهجوم 420 مرة، مما تسبب في 3229 وفاة، بمعدل 19 هجمة و142 وفاة شهريا.
أما المواقع الأخرى التي تعرضت للهجوم بشكل متكرر فهي المغازي، المواصي، خان يونس، مركز مدينة خان يونس ومخيم رفح.
فريق العمل:
إعداد : محمد حسين، عبد الحكيم أبورياش، حنا دوغل
صور الأقمار الصناعية: وكالة سند
الفريق الفني: محمد الحداد، فارس الخطيب
تحرير: محمد العلي
المصدر: الجزيرة

0 تعليق