بعد أسبوع من التقلبات العنيفة والتداولات الحذرة، يبدو أن المعدن الأصفر قد نجح في العثور على أرضية صلبة ليستأنف رحلته الصعودية.
ففي ختام تداولات الأسبوع المنتهي في 7 تشرين الثاني الحالي، استعاد الذهب عافيته ليتداول مجددا فوق مستوى 4000 دولار للأونصة، متجاهلا بذلك الضغوط البيعية القاسية التي شهدها أواخر أكتوبر.
ما حدث في الأسابيع الثلاثة الماضية كان بمثابة اختبار حقيقي لمدى متانة السوق الصاعد.
فبعد أن حطم المعدن النفيس كافة الأرقام القياسية بملامسته مستوى 4381 دولارا للأونصة، دخل السوق في موجة تصحيح عنيفة، هوت بالأسعار إلى ما دون 3975 دولارا.
وقتها، ساد اعتقاد بأن "الحفلة" قد انتهت، خاصة مع ظهور محفزين سلبيين رئيسيين: "ذوبان الجليد" في العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، واللهجة "الأقل تساهلا" من رئيس الفيدرالي جيروم باول، التي قللت من فرص خفض جديد لأسعار الفائدة في ديسمبر.
لكن الأسبوع الماضي أثبت أن ما حدث لم يكن سوى "هزة" لتصفية المراكز الضعيفة وجني الأرباح. فقد عادت الأساسيات لتفرض نفسها، حيث جاءت بيانات التوظيف الأمريكية الأخيرة ADP أضعف من المتوقع، لتذكر الأسواق بأن الاقتصاد لا يزال هشا، وأن الفيدرالي قد يكون مضطرا للتراجع عن لهجته المتشددة.
البنوك الكبرى تجدد الرهان: 5000 دولار وأكثر
الأمر الأكثر لفتا للانتباه هو أن التصحيح الأخير لم يخف عمالقة "وول ستريت".
على العكس، تبدو البنوك الاستثمارية الكبرى أكثر تمسكا بتوقعاتها الصعودية الطويلة الأجل، معتبرة أن الأسباب الهيكلية لصعود الذهب لم تتغير.
كان "بنك أوف أمريكا" قد حدد مستهدفه عند 5000 دولار للأونصة بحلول عام 2026.
ولم تكن هذه النظرة معزولة، بل دعمها "سوسيتيه جنرال" و "إتش إس بي سي" بتقديرات مماثلة.
لكن التصريح الأقوى جاء من قبل الرئيس التنفيذي لبنك "جي بي مورغان"، جيمي ديمون، الذي رأى أن المعدن الأصفر يمكن أن يصل بسهولة إلى 5000 دولار أو حتى 10,000 دولار للأونصة في ظل البيئة الحالية.
هذه التوقعات الجريئة لا تأتي من فراغ.
إنها لا تبنى على المضاربات اليومية، بل على "عاصفة مثالية" من العوامل الأساسية التي تجعل من الذهب الملاذ الأوحد:
تآكل الثقة بالدولار: مع استمرار ارتفاع الديون العالمية والعجوزات المالية الضخمة في الولايات المتحدة، تتآكل الثقة بالعملة الأمريكية كأصل احتياطي.
مشتريات البنوك المركزية: تستمر البنوك المركزية حول العالم، بقيادة الصين، في شراء الذهب بوتيرة قياسية كجزء من استراتيجية "تنويع الاحتياطيات" وتقليل الاعتماد على الدولار.
التضخم المستمر: على الرغم من محاولات الفيدرالي لكبحه، يرى الكثيرون أن الديون العالمية المرتفعة ستبقي التضخم مرتفعا على المدى الطويل، مما يقلل القوة الشرائية للعملات الورقية.
ماذا نتوقع في الأشهر القادمة؟
بناء على معطيات السوق حتى مساء الجمعة، يبدو أن موجة التصحيح العنيفة قد أوشكت على الانتهاء.
نجح الذهب في الدفاع عن مستوى 4000 دولار، وهو ما يعتبر إشارة فنية إيجابية.
يظهر السوق أن الأساسيات الهيكلية شراء البنوك المركزية ومخاوف الديون أقوى من الضجيج اليومي مثل المحادثات التجارية المؤقتة.
لذلك، فإن التراجعات الأخيرة قد تكون بالفعل "الفرصة الأخيرة" للمستثمرين الاستراتيجيين لتعزيز مراكزهم قبل المرحلة التالية من الصعود.
إذا استمرت البيانات الاقتصادية في إظهار الضعف، وإذا عاد الفيدرالي إلى لهجته التيسيرية، فإن الطريق نحو 4200 دولار، ومن ثم 4400 دولار، سيكون مفتوحا على مصراعيه مع نهاية العام وبداية 2026.

0 تعليق