لم تعد أخبار جرائم القتل بين الأزواج في مصر مجرد حوادث فردية عابرة. لقد باتت هذه المآسي تحتل، بصورة شبه يومية، صدارة المنصات الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي، كاشفة عن واقع مؤلم ومثير للقلق العام.
من "حادثة زوج المرج" الذي أنهى حياة شريكته خنقا بسبب خلافات أسرية، إلى "جريمة الإسكندرية" التي انتهت بمقتل الزوجة طعنا عقب مشادة كلامية، مرورا بـ "واقعة طنطا" الدامية حول المصاريف اليومية، ووصولا إلى "قضية الشرطي" الذي رفض طلب زوجته الانفصال فقتلها مع عدد من أفراد أسرتها؛ كلها وقائع تشير إلى تصاعد خطير في وتيرة الاعتداءات الداخلية التي تتداخل فيها ضغوط الحياة مع غياب الوعي.
السوشال ميديا "كشفت" المستتر
هل هذه الجرائم "جديدة" حقا على المجتمع المصري؟ يرى أستاذ علم الاجتماع، الدكتور سعيد صادق، أن الأزمة ليست وليدة اللحظة، بل إن جذورها ضاربة في القدم.
وفي تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، أوضح صادق أن وسائل التواصل الاجتماعي لم تخلق الظاهرة، بل قامت بكشفها وتسريع انتشار أخبارها بصورة أكبر.
يشخص صادق الأسباب الأعمق، مشيرا إلى ما أسماه "ثقافة الذكورة المتضخمة" لدى بعض الرجال، التي تدفعهم للتعامل بتعال واعتبار القسوة وسيلة لإثبات القوة.
كما يربط بعض الوقائع بمفهوم "رفض الانفصال"، مستشهدا بالقضية الشهيرة للشرطي الذي رفض طلب شريكته الطلاق فلجأ إلى الجريمة.
ويضع أستاذ علم الاجتماع "الضغوط الاقتصادية" كعامل حاسم في تأجيج هذه الصراعات، خاصة داخل الطبقتين الفقيرة والمتوسطة.
"ثقافة العادي" والانهيار الأخلاقي
لكن التشخيص الأكثر قتامة يأتي من جانب الطب النفسي. الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، لا يرى في الأمر مجرد انكشاف لظاهرة قديمة، بل تفاقما حقيقيا.
وحذر فرويز من أنه يتوقع زيادة أكبر في هذه الوقائع خلال الفترة المقبلة، مؤكدا أن هذا ليس "تشاؤما" بل "قراءة واقعية" للمعطيات.
يعيد فرويز الأمر إلى عدة عوامل متداخلة، على رأسها ما وصفه بـ "الانهيار الأخلاقي وتراجع سمات الشخصية المصرية".
كما انتقد "الانفتاح غير المنضبط" على العالم، الذي أدى إلى تقليد سلوكيات مضطربة وغير سوية.
لعل النقطة الأكثر خطورة في تحليله هي انتشار "ثقافة العادي"؛ حيث أصبح المجتمع يطبع مع العنف.
وقال: "بقى عادي إن حد يقتل، عادي إن حد يدبح، عادي إن الناس تموت... بقى فيه تطبيع مع العنف بشكل خطير"، وأضاف فرويز بنظرة تنذر بالخطر، أن "الانحدار الإنساني المستمر" سيؤدي إلى موجة أعنف من الجرائم الأسرية.
وانتقد الحلول المطروحة حاليا، معتبرا أنها "ليست حلولا حقيقية" لأنها لا تعالج الجذور النفسية والقيمية للمشكلة.

0 تعليق