طويت صفحة واحد من أعظم علماء القرن العشرين وأكثرهم إثارة للجدل. توفي عالم الوراثة الأميركي الشهير، جيمس ديوي واتسون، أحد مكتشفي بنية "اللولب المزدوج" للحمض النووي DNA ، والحائز على جائزة نوبل في الطب عام 1962 ، عن عمر يناهز 97 عاما.
جاءت وفاته بعد مسيرة علمية فذة غيرت وجه العلوم الحياتية إلى الأبد ، لكنها انتهت بظلال من الجدل الطويل والفضائح التي ألقت بثقلها على سمعته العلمية.
أعلن مختبر "كولد سبرينغ هاربر"، الذي قضى فيه واتسون معظم حياته المهنية، عن وفاته يوم الخميس الماضي، في أحد مراكز الرعاية التلطيفية في "إيست نورثبورت" على جزيرة لونغ آيلاند بنيويورك.
وجاءت الوفاة بعد معاناة قصيرة من عدوى، أدت إلى نقله بشكل مفاجئ لتلقي الرعاية.
وأكد نجله، دانكان، الخبر في بيان عاطفي نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، مشيرا إلى أن والده "مضى بهدوء، محاطا بحبهم".
العبقري المبكر و"لغز الحياة"
ولد واتسون في شيكاغو عام 1928 ، وكانت علامات النبوغ عليه مبكرة؛ إذ تخرج في جامعة شيكاغو وهو في التاسعة عشرة من عمره فقط ، وحصل على الدكتوراه من جامعة إنديانا.
وفي عام 1953، وبينما كان يبلغ من العمر 25 عاما فقط ، قدم واتسون للعالم الاكتشاف الأعظم في مسيرته. فبالتعاون مع زميله فرانسيس كريك في كامبريدج ، قام ببناء النموذج الأيقوني لـ "اللولب المزدوج" لجزيء الحمض النووي (DNA).
وعلى الرغم من الجدل التاريخي حول دورهما، إلا أن النموذج استند بشكل جوهري إلى بيانات الأشعة السينية الدقيقة التي التقطتها العالمة البريطانية روزاليند فرانكلين.
هذا الإنجاز فتح أبواب الوراثة الحديثة على مصراعيها ، وتوج بفوز واتسون وكريك، ومعهما موريس ويلكينز، بجائزة نوبل في الطب عام 1962.
الإرث العلمي: من الجينوم إلى السرطان
لم يتوقف طموح واتسون عند نوبل، بل قاد لاحقا المشروع العملاق لـ "الجينوم البشري" ، الذي وضع الأسس للتقدم الهائل الذي نشهده اليوم في الطب الجيني والتكنولوجيا الحيوية.
كما قضى العالم الراحل عقودا في قيادة مختبر "كولد سبرينغ هاربر" ، حيث نجح في تحويله من مؤسسة بحثية عادية إلى واحد من المراكز العالمية الرائدة في أبحاث السرطان والجينوم. وساهم كتابه الشهير "اللولب المزدوج" (The Double Helix)، الذي باع ملايين النسخ، في إلهام جيل كامل من العلماء.
وفي بيان نعيه، وصف المختبر واتسون بأنه "أحد أعظم علماء القرن العشرين"، مشددا على إرثه في "اللحظة الحاسمة في علوم الحياة".
الجانب المظلم: فضائح العنصرية
على النقيض التام من إنجازاته العلمية، غمرت سنوات واتسون الأخيرة بالفضائح. ففي عام 2007، أثار العالم الحائز على نوبل موجة غضب عالمية بسبب تصريحات عنصرية صادمة في مقابلة صحفية، ادعى فيها وجود تفوق عرقي في الذكاء.
أدت هذه التصريحات، وتكرارها، إلى عزله عن المجتمع العلمي، وبلغت الأمور ذروتها عام 2019 عندما قرر مختبر "كولد سبرينغ هاربر" نفسه تجريده من جميع ألقابه ومناصبه الشرفية.
وعلى الرغم من اعتذاره الجزئي، إلا أنه عاد ودافع عن آرائه في كتاباته ، مما جعله رمزا مثيرا للجدل حتى لحظة رحيله.
وفي تعليق يلخص هذا الإرث المركب، قال فرانسيس كولينز، المدير السابق لمشروع الجينوم، إن "اكتشافه غير العالم إلى الأبد"

0 تعليق