فِي غَزَّةَ نَجَا مَنْ مَاتَ وَمَاتَ مَنْ نَجَا.. آيَة أَبُو نَصْر تُوَثِّقُ فَقْدَ 150 مِنْ عَائِلَتِهَا مِنْ قَلْبِ الحَرْبِ -فيديو - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
في لحظة واحدة، تحولت حياة آية إلى كابوس، عندما  ارتقى 150 فردا من عائلتها شهداء.

 

"في غزة نجا من مات ومات من نجا". هذه ليست مجرد عبارة بلاغية، بل هي الخلاصة الأكثر إيلاما، وجملة تلخص حكاية مدينة بأكملها. من بين ركام مشروع بيت لاهيا شمال قطاع غزة، يخرج صوت الشابة آية أبو نصر، لا لتكتب روايتها بالحبر، بل بالدمع والفقد والذاكرة التي تأبى أن تموت.

آية، شابة تبلغ من العمر 29 عاما، كانت تحلم كغيرها بحياة طبيعية، لكن الحرب، كما تقول، "اقتحمت حياتي كما يقتحم الليل بيتا مضاء".

في لحظة واحدة، تحولت حياة آية إلى كابوس. في التاسع والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر 2024، محا قصف لقوات الاحتلال بناية خماسية الطبقات كانت تأوي عائلتها الموسعة. النتيجة كانت فاجعة تفوق 150 فردا من عائلتها ارتقوا شهداء.

تصف آية تلك اللحظة بأنها "لحظة انطفأ فيها كل شيء"، لم يتوقف الألم عند هذا الحد؛ فعلى الرغم من التهديدات المتكررة بالنزوح جنوبا، قررت البقاء في الشمال لأطول وقت ممكن، قبل أن تجبرها شراسة العمليات العسكرية على خوض رحلة النزوح المرعبة تحت فوهات الدبابات والطائرات. تستحضر تلك الساعات قائلة: "كان يوما مرعبا... الدبابات تسير بجانبنا، التفتيش والإهانات والاعتقالات أمام أعيننا، وأمي تبكي لأنها تركت أبناءها في الشمال".

من رحم هذا الفقد والألم، أدركت آية أن واجبها قد تغير. تقول إنها من تلك اللحظة أدركت أن عليها أن "تخلد الحقيقة وتنقل للعالم ما يحدث". لم تسمح للألم أن يقيدها، بل حولت جرحها الشخصي العميق إلى طاقة لخدمة الآخرين، فانخرطت في العمل الإنساني وعملت في مؤسسات الدعم النفسي ومساندة النساء النازحات.

كان كتابها الذي يحمل عنوان فاجعتها "في غزة نجا من مات ومات من نجا" هو السلاح الذي اختارته لتواجه به محاولات محو الذاكرة.


الكتاب ليس مجرد سرد لألمها، بل هو وثيقة حية لعشرات القصص الحقيقية لنساء أخريات نجون من القصف والجوع والنزوح.

ترصد فيه آية بدقة مؤلمة صرخات أم فوق جثامين أطفالها التسعة، ومشاهد الرجال في طوابير المساعدات المحفوفة بالموت، وتفاصيل الحياة القاسية في الخيام حيث تنعدم الخصوصية وتغيب أبسط مقومات الحياة. نجحت رسالة آية في عبور الحصار؛ فقد تم تبني الكتاب ونشره رسميا في سلطنة عمان، وبات اليوم متاحا في عدد من المكتبات الدولية.

تشدد آية على أن كتابها "ليس عملا أدبيا عابرا، بل وثيقة إنسانية وتاريخية". وتقول: "هذا الاحتلال لن يضعف قوتي ولن يسكت صوتي... كتبت كي لا تمحى أسماء أحبتي، وكي لا تموت غزة مرتين؛ مرة تحت الركام، ومرة في الصمت".

لم تخرج آية أبو نصر من تحت الركام باكية أو ضحية فقط، بل خرجت شاهدة على الفاجعة، ومقاومة بالكلمة، لتبقي الذاكرة حية، ولتذكر العالم بأن خلف كل رقم اسما، ووراء كل حكاية بيتا كان يمتلئ يوما بالضحكات.

0 تعليق