عاجل

مدير مكتب الجزيرة السابق بطهران يفكك شيفرة إيران المعقدة - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في حلقة جديدة من بودكاست البلاد، فتح، عبد القادر فايز، مدير مكتب الجزيرة السابق في طهران والمختص في الدراسات الإيرانية صندوق الأسرار لفهم إيران، محاولا تفكيك شيفرتها المركّبة سياسيا وثقافيا واجتماعيا،


وخلال الحلقة التي امتدت لنحو 5 ساعات ونصف، سلط فايز الضوء على الكيفية والأسلوب التي تُدار بها الدولة العميقة في إيران من خلال عقلية توازن بين المصلحة والتاريخ والعقيدة.

يرى فايز أن إيران ليست دولة يمكن قراءتها بعيون السياسة فقط، بل هي كيان متداخل الجذور يختلط فيه البعد الديني بالقومي، ويستند إلى إرث إمبراطوري طويل جعلها تتصرف في محيطها بثقة وأحيانا بتوجّس من الآخر.

من خلال تجربته الصحفية الممتدة في طهران، يصف فايز المجتمع الإيراني بأنه شديد التماسك رغم تنوعه العرقي الواسع، إذ تضم البلاد أكثر من 9 قوميات تشترك في هوية واحدة تجمعها اللغة الفارسية والعامل الحضاري المتراكم عبر قرون.

اقرأ أيضا

list of 4 items end of list

حضارة متجذرة

ويضيف أن الإيرانيين يرون أنفسهم حاملي حضارة لا مجرد دولة، فالعامل الثقافي لديهم ليس هامشيا بل يوجّه السلوك السياسي والاجتماعي، حتى إن الفنون والآداب والإعلام في إيران تُوظَّف جميعها لترسيخ هذا الوعي الجمعي المتماسك.

ويشير إلى أن السياسة الإيرانية تُدار بعقل براغماتيّ خلف عباءة أيديولوجية، إذ تتخذ طهران قراراتها الكبرى وفق ميزان دقيق بين الثابت العقائدي والمرونة الواقعية، وهذا ما يجعلها أحيانا تبدو متناقضة لكنها في جوهرها تسعى للحفاظ على بقاء النظام.

يتحدّث فايز عن تجربته كصحفي عربي عاش داخل إيران لسنوات، معتبرا أن تغطية الشأن الإيراني تتطلّب حيادا مضاعفا وفهما عميقا للتاريخ والمجتمع، لأن الخطأ في تفسير إشارة أو مصطلح قد يُفهم كاصطفاف سياسي أو إساءة للهوية الوطنية.

ويرى أن الصعوبات أمام المراسل الأجنبي هناك ليست أمنية فحسب، بل ثقافية ولغوية أيضا، فالتعامل مع المسؤولين الإيرانيين يحتاج إلى معرفة غير مكتوبة بلغة المجاملة الرسمية وقراءة ما وراء العبارات المتحفظة.

البداية من الداخل

ويؤكد فايز أن فهم السياسة الخارجية الإيرانية يبدأ من الداخل، من بنية النظام الذي يجمع بين مؤسسات منتخبة كالرئاسة والبرلمان، وأخرى غير منتخبة كمجلس صيانة الدستور والمرشد الأعلى، وهي المعادلة التي تخلق ثنائية القوة والقرار في الدولة.

ويشرح أن موقع المرشد في النظام ليس رمزا دينيا فقط، بل مركزا فعليا لإدارة ملفات الأمن والسياسة والعلاقات الإقليمية، في حين تبقى مؤسسات الدولة المدنية واجهة تنفيذية ضمن حدود هذا الإطار الأعلى.

ويصف فايز النظام الإيراني بأنه "دولة داخل دولة"، فهناك نظام رسمي يخضع للدستور، وآخر غير معلن يتولّى رسم السياسات الكبرى، وتلك الموازنة بين الشرعية الدستورية والمرجعية الدينية هي ما يمنح إيران قدرتها على الصمود رغم الأزمات.

ويضيف أن الثورة الإيرانية عام 1979 لم تنهِ النظام الملكي فحسب، بل أعادت صياغة مفهوم الدولة ذاتها، فانتقلت من الشرعية الوراثية إلى الشرعية الثورية، وخلقت طبقة سياسية جديدة تعتبر نفسها حارسة للإرث الثوري وللموقع الإقليمي في آن واحد.

وفي قراءته للعلاقة بين طهران وواشنطن، يصف فايز العداء الظاهر بين الطرفين بأنه جزء من لعبة مصالح متبادلة، إذ يعرف كل طرف حدود خصمه بدقة، بينما تحافظ القنوات الخلفية على التواصل الدبلوماسي في لحظات التوتر القصوى.

علاقة معقدة

أما العلاقة مع إسرائيل، فيراها فايز أكثر تعقيدا، فهي ساحة مواجهة بالوكالة عبر جبهات متعددة من لبنان إلى اليمن، لكنّها أيضا ملف يستخدمه النظام لتثبيت شرعيته الثورية أمام الداخل وتغذية فكرة "التهديد الدائم".

ويشير إلى أن مشروع إيران الإقليمي ليس دينيا بحتا كما يعتقد كثيرون، بل يقوم على رؤية إستراتيجية تعتبر أن النفوذ في المنطقة ضمان لبقاء النظام في الداخل، لذلك تستثمر طهران في حلفائها السياسيين والعسكريين كجزء من منظومة أمنها القومي.

ويرى فايز أن النظام الإيراني لا يتحرك بدافع المغامرة، بل وفق حسابات دقيقة للمخاطر والمكاسب، إذ تدرك طهران أن سقوط أيّ من حلفائها الإقليميين سيقوّض عمقها الإستراتيجي ويهدد استقرارها من الداخل.

ويتوقف فايز عند الشخصية الإيرانية ليقول إنها شديدة الاعتزاز بالذات، متأثرة بتاريخها الإمبراطوري الطويل، ومشحونة دائما بشعور بأن العالم لا يفهمها بما يكفي، وهذا الشعور هو ما يجعلها أكثر حساسية تجاه النقد الخارجي.

تناقض مستمر

ويروي أن المجتمع الإيراني يعيش تناقضا دائما بين الانفتاح الحضاري والمحافظة الدينية، فبينما تتطور طهران والمدن الكبرى بسرعة، تبقى المناطق الريفية متجذّرة في تقاليدها، مما يخلق توازنا بين الحداثة والهوية.

ويعتبر فايز أن فهم هذا التوازن أساسي لقراءة سلوك الدولة، فكل قرار سياسي في إيران يخضع لتجاذب بين مؤسسات تمثل الثورة وأخرى تمثل الدولة، وبينهما يحاول المرشد ضبط الإيقاع دون السماح بانفلات يهدد النظام.

ويضيف أن النظام الإيراني رغم تعقيداته يتمتع بقدرة عالية على التكيّف، فحتى العقوبات والضغوط الخارجية تحوّلت إلى أدوات داخلية لتقوية فكرة الاكتفاء الذاتي وإحياء النزعة الوطنية في مواجهة "المؤامرة" الخارجية.

ويؤكد أن هذا الشعور الجماعي بالمظلومية لعب دورا محوريا في بقاء النظام، لأنه حوّل الأزمات إلى طاقة تعبئة داخلية، وجعل الإيرانيين يلتفون حول دولتهم كلما اشتد الحصار الخارجي عليهم.

تحولات هادئة

وفي رؤيته للمستقبل، يعتقد فايز أن إيران مقبلة على تحولات هادئة لا صدامية، إذ يدرك النظام أن التغيير التدريجي وحده الكفيل بالحفاظ على تماسك الدولة، في ظل جيل شاب يتطلع إلى انفتاح أكبر على العالم.

ويختم فايز حديثه بالتأكيد على أن "فهم إيران يتطلب الصبر والنظر من داخلها لا من نوافذ الآخرين، فهي بلد لا يُقرأ من عناوين الأخبار، بل من تاريخه الطويل وإحساسه العميق بأن البقاء أصعب من النصر".

انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي

share2

0 تعليق