تحليل شبكي للجزيرة يكشف استغلال أعياد الميلاد بألمانيا لتغذية الإسلاموفوبيا - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

اجتاحت منصات التواصل الاجتماعي في الأيام الأخيرة سلسلة منشورات تزعم أن السلطات الألمانية ألغت أسواق عيد الميلاد الشهيرة هذا العام "خوفا من المسلمين" وتحسبا لوقوع "هجمات إرهابية"، مما أثار موجة من الغضب وجدلا واسعا في أوروبا.

وتقام في ألمانيا سنويا نحو 2500 سوق لأعياد الميلاد تستقطب أكثر من مليوني زائر من الألمان والسياح الأجانب، في تقليد عريق يعود إلى عام 1310 ميلادي يجمع بين العروض الحرفية وبيع الهدايا والمأكولات الموسمية والأنشطة الترفيهية مثل التزلج على الجليد.

اقرأ أيضا

list of 2 items end of list

وادعت حسابات مؤثرة أن الأسواق الجماعية -التي تنطلق عادة في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني وتستمر حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول- لن تقام هذا العام لأسباب "أمنية" و"دينية".

فمن الذي أطلق هذه المزاعم؟ وما علاقة المسلمين في ألمانيا بإلغاء أسواق الأعياد؟ ومن يقف وراء هذه الحملة الضخمة؟ وكيف استُخدمت سردية مضللة ومنسقة لتغذية خطاب الكراهية في أوروبا؟

ويرصد فريق "الجزيرة تحقق" مسار انتشار رواية "إلغاء أسواق الأعياد في ألمانيا"، ويحلل طبيعة الحسابات التي روجت لها، ويفند المحتوى المصاحب لها، كما يكشف عن دور اليمين المتطرف في استغلال القصة، وتوظيف سردية زائفة لتغذية الخطاب المعادي للمسلمين في أوروبا.

بداية الرواية

في أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2025 رصدنا سلسلة منشورات تدّعي إلغاء أسواق أعياد الميلاد، لكن بعض الحسابات أرجعت أسباب القرار المفاجئ إلى استجابة السلطات لضغوط المهاجرين وتحقيقا لأهداف ما وصفه البعض بـ"الإرهاب الإسلامي".

وادعت عدد من الحسابات المؤثرة على منصة إكس -منها حسابات يمينية متشددة- أن "الأمن في ألمانيا بات مكلفا للغاية"، وأن المدن الألمانية بدأت "تعلن إلغاء أسواق الميلاد التقليدية خوفا من الإسلاميين".

اتهامات للمسلمين

وقالت الناشطة الألمانية اليمينية ناومي زايفت إن عيد الميلاد الذي كان "احتفالية ثقافية" أصبح اليوم "ساحة معركة في الحرب المقدسة"، ووفقا لهذا الادعاء فإن الآباء في ألمانيا باتوا غير قادرين على السماح لأطفالهم بزيارة الأسواق بسبب "كره الإسلاميين للمسيحيين"، في خطاب مثير للانقسام.

وربط البعض بين أسباب إغلاق الأسواق المزعومة بحادثة دعس سابقة في سوق لعيد الميلاد بمدينة ماغدبورغ (شرقي ألمانيا) عام 2024، والتي جاءت بعد 8 سنوات على هجوم مماثل في برلين وأسفر آنذاك عن مقتل 12 شخصا وإصابة العشرات.

فبركة وتضليل

ونشر فيليب ديوينتر -وهو أحد أبرز قادة حزب المصلحة الفلمنكي في بلجيكا والشهير بسياساته العنصرية واليمينية المتطرفة- صورة عبر حسابه بمنصة إكس تظهر فيها أكشاك لبيع الخمور وهي محاطة بكتل خرسانية وأسوار حديدية ومحصنة برجال شرطة مدججين بالسلاح.

واتخذ ديوينتر الصورة التي انتشرت على نطاق واسع وشاركتها حسابات أخرى حديثا دليلا على تأثير "الأسلمة"، أو على "الاستبدال الديمغرافي" في ألمانيا، فضلا عن تحويل ما كانت تعرف سابقا باسم "أسواق الأعياد" إلى "الحصون المحاصرة".

إعلان

لكن فريق "الجزيرة تحقق" كشف أن الصورة المرفقة مولدة بتقنيات الذكاء الاصطناعي ولا تصور شكل أسواق الأعياد بعد تأمينها، إذ يظهر أسفل يمين الصورة شعار أداة "جيميني" التي أطلقتها غوغل لتوليد الصور بالذكاء الاصطناعي.

فيديو الأذان

أما حساب "radiogenoa" على منصة -وهو حساب يميني متشدد- فأعاد نشر مواد مصورة تُظهر وجود مظاهر إسلامية في أوروبا وبث الأذان عبر مكبرات الصوت أثناء أسواق أعياد الميلاد في ألمانيا.

وكانت حسابات أخرى مرتبطة باليمين المتطرف قد أعادت نشر نفس الفيديو مطلع ديسمبر/كانون الأول 2023، في حين تمكن فريق "الجزيرة تحقق" من تحديد موقع تصوير الفيديو بدقة عبر خدمة التجول الافتراضي في "خرائط غوغل".

وتبين من خلال البحث أن الفيديو التُقط في مدينة كارلشتات الألمانية خلال فعالية تحمل اسم "الشرق يلتقي الغرب" بهدف تعزيز التعايش بين الثقافات في المدينة، وأقيمت بتاريخ 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أي قبل انعقاد سوق عيد الميلاد الفعلي بالمدينة الذي أقيم يومي 8 و9 ديسمبر/كانون الأول من نفس العام.

الحقيقة

وللتأكد من صحة الرواية أجرى فريق "الجزيرة تحقق" بحثا عن أشهر أسواق أعياد الميلاد في ألمانيا والمدن المستضيفة لها، وتبين أن الواقع مغاير تماما لما أظهرته المنشورات المتداولة على منصات التواصل الاجتماعي.

وتُظهر بيانات المواقع الرسمية والسياحية لأبرز هذه المدن مثل برلين وكولونيا وميونخ وهامبورغ ودريسدن أن أسواق أعياد الميلاد المخطط لها لم تلغ، بل من المقرر أن تفتح أبوابها أمام الجمهور في نفس المواعيد المقررة مسبقا.

مواعيد إقامة أسواق أعياد الميلاد لم تتغير في مدينة ترير التاريخية (يمين) ومدينة ميونخ (مواقع ألمانية)
مواعيد إقامة أسواق أعياد الميلاد لم تتغير في مدينة ترير التاريخية (يمين) ومدينة ميونخ (مواقع ألمانية)

بل إن أحد المواقع الاسترشادية المختصة بعرض مواعيد أسواق الميلاد في 10 مدن ألمانية بارزة نشر جداول تفصيلية تؤكد استمرار الفعاليات حتى نهاية عام 2025 دون أي إلغاء.

تحليل شبكي

وكشف تحليل شبكي لـ"الجزيرة" أن وراء هذه الادعاءات حملة رقمية منظمة يقودها اليمين المتطرف، إذ تهدف إلى تأجيج مشاعر الكراهية ضد المسلمين والمهاجرين في أوروبا، وذلك عبر الترويج لروايات مضللة والربط بأحداث قديمة.

وأظهر التحليل لعينة تضم أكثر من 10 آلاف تغريدة على منصة إكس للفترة من 20 أكتوبر/تشرين الأول حتى 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2025 أن سردية إلغاء الأسواق قادتها شبكة مترابطة من الحسابات اليمينية وصناع المحتوى المتشددين الذين استخدموا اللغة الدينية والأمنية في خطاباتهم.

تحليل شبكي لحسابات روجت على منصة
تحليل شبكي لحسابات روجت على منصة إكس لسردية إلغاء أسواق أعياد الميلاد في ألمانيا (الجزيرة)

وأظهرت نتائج التحليل التي شملت 6392 حساب على "إكس" وما يزيد على 7 آلاف تفاعل -بين إعجاب وتغريد وإعادة مشاركة- أن التأثير تركز حول 3 حسابات معروفة بعدائها للمسلمين أو يمينية متشددة.

وشكلت حسابات "suespeaksup"، و"radiogenoa"، و"seibtnaomi" على منصة إكس النواة الأساسية لنشر هذه السردية، وفقا للتحليل.

وساهم حساب "Dr. Maalouf" المشهور بالتحريض ضد الإسلاميين في أوروبا في تغذية الخطاب عبر إعادة نشر مقاطع تحريضية قيل إنها لدعاة مسلمين يطالبون بمنع احتفالات الميلاد، في حين ربطت حسابات أخرى بين "تراجع الأمان" و"اقتراب الحرب الأهلية في أوروبا".

من ألمانيا إلى بريطانيا

وكشف التحليل الشبكي امتداد تأثير السردية إلى بريطانيا عبر مجموعة حسابات محلية قادها خليط من السياسيين والإعلاميين.

إعلان

وظهرت النائبة العمالية داون بتلر -وهي أول وزيرة بريطانية من أصول أفريقية كاريبية- في نفس الشبكة، إذ نشرت تغريدة عبر حسابها الرسمي في "إكس" جاء فيها "لا مكان للإسلاموفوبيا في مدينتنا أو بلدنا، نقف متضامنين مع المجتمعات المسلمة في برنت وفي أنحاء المملكة المتحدة".

لكن هذا الموقف قوبل بردود عدائية من حسابات يمينية، أبرزها الإعلامية جون سلاتر المعروفة بأسلوبها الساخر والمحرض ضد الإسلاميين، والتي علقت قائلة "لو كانت المشكلة فعلا هي الإسلاموفوبيا فعلا لكانت المساجد تبدو كالقلاع ولما احتاجت أسواق الميلاد إلى حواجز".

ويكشف التحليل أن الحملة لم تكن مجرد "موجة غضب محلية"، بل نشاطا رقميا عابرا للحدود استغل موسم الأعياد لتأجيج الخوف من المسلمين وتعزيز الانقسام الثقافي والديني في أوروبا.

ويشير تتبّع الروابط بين الحسابات إلى تحول في الخطاب من مجرد الحديث عن الأمن والاحتياطات إلى سردية دينية قومية تصور المسلمين عدوا جماعيا، وتعيد تدوير مفاهيم مثل "أسلمة أوروبا" و"الاستبدال الديمغرافي".

0 تعليق