مهمة تحديد جنسية اللاجئين الذين يشوهون مظاهر المدن الألمانية تركها المستشار ميرتس لرئيس كتلة حزبه النيابية ينس شْبان (الجزيرة)
مهمة تحديد جنسية اللاجئين الذين يشوهون مظاهر المدن الألمانية تركها المستشار ميرتس لرئيس كتلة حزبه النيابية ينس شْبان (الجزيرة)
Published On 11/11/202511/11/2025
|آخر تحديث: 13:29 (توقيت مكة)آخر تحديث: 13:29 (توقيت مكة)
"حققنا الكثير وخفضنا أعداد اللاجئين من أغسطس 2024 لغاية أغسطس 2025 بنسبة 60 بالمئة ولكن ما زالت تواجهنا مشكلة بخصوص مظهر المدن. لهذا يعمل وزير الداخلية على جعل عمليات الترحيل بأعداد كبيرة أمرا ممكنا"
المستشار الألماني فريدريش ميرتس، أكتوبر 2025
"المستشار تحدث بوضوح عن أشياء يراها الجميع في محطات القطارات في دويسبورغ وهامبورغ وبرلين: إهمال، تجار مخدرات وشباب مهاجرون في الغالب من بلدان عربية ومسلمة... هذه نتيجة الهجرة غير المنظمة".
ينس شْبان، رئيس الكتلة النيابية للاتحاد المسيحي الديمقراطي، أكتوبر 2025
زلّة لسان أم كلام محسوب لمستشار ألمانيا "العنيد" على رأي كاتب سيرته دانييل غوفارت؟ ألمانيا تتساءل وتناقش بحدة غير مألوفة أسباب لجوء رئيس حكومة أكبر دولة أوروبية ورئيس كتلة حزبه النيابية في البرلمان (البوندستاغ) لتصريحات "استفزازية" و"عنصرية" خلطا فيها عن قصد أو غير قصد بين أعراض إشكالية الهجرة وأسبابها وشملا ملايين البشر: عربا ومسلمين وغيرهم ولكنهما خصا مهاجرين لا ينطبق عليهم تعريف اليمين الألماني المحافظ "للمواطن المثالي".
ولأن ألمانيا متنوعة -سواء أعجب ذلك رئيس حكومتها أو لم يعجبه- فإنها لم تهدأ منذ اليوم الأول للإدلاء بهذه التصريحات: مظاهرات عفوية في عشرات المدن، مبادرات ورسائل مفتوحة، وانتقادات حتى على ألسنة قياديين في الاتحاد المسيحي الديمقراطي، ومقالات رأي في كبرى الصحف الألمانية تتهم ميرتس بالعنصرية وشق المجتمع ووضع أكثر من ربع سكانه في خانة الاتهام.
ولكن لماذا يحرق ميرتس أصابعه بأمور أصغر من مهام مستشار ألمانيا وهو الذي قضى ثلثي حياته في عالم السياسة ويعرف تماما دهاليز البزنس السياسي في عاصمة ألمانيا؟
هل يريد مجرد استفزاز ملايين البشر والاصطياد في المياه العكرة؟ أم تحريك مياه راكدة؟
أم -كما يرى البعض- تحقيق مآرب سياسية واستمالة ناخبي الحزب اليميني المتطرف (البديل) وفي الوقت ذاته وقف نزيف التحاق الناخبين المحافظين وناخبي أحزاب أخرى بهذا الحزب الذي لا يشغله سوى التحريض على ملايين المهاجرين وتحديدا المسلمين منهم؟
الثابت هو أن حزب البديل يتقدم في استطلاعات الرأي وأصبح منذ الانتخابات البرلمانية الأخيرة في بداية العام ينافس على المركز الأول ويستعد في بقية هذا العام وفي العام المقبل لخوض خمس دورات انتخابية في خمس ولايات.
فوفقا لآخر استطلاع للرأي أشرفت عليه القناة التلفزيونية الأولى (ARD) تشتد المنافسة على المركز الأول بين حزب ميرتس المسيحي الديمقراطي (27 بالمئة) والبديل (26 بالمئة) بينما لا يعطي هذا الاستطلاع أقدم حزب في ألمانيا -وهو الاشتراكي الديمقراطي- أكثر من 14 بالمئة.
ما القصة؟
في 14 أكتوبر/تشرين الأول، ذكّر أحد الصحفيين مستشار ألمانيا بوعد قطعه على نفسه عام 2018 وهو خفض شعبية الحزب اليميني المتطرف (البديل) إلى النصف: ما هو برنامجك وكيف تريد حل هذه المشكلة (تفوّق حزب البديل)، سأل الصحفي؟
ميرتس لم يفكر طويلا وأشاد مباشرة بقدرة وزير داخليته على خفض أعداد اللاجئين بنسبة 60 بالمئة. ولكن المستشار الألماني يرى أن العمل لم يكتمل وإكماله مرتبط بحل مشكلة تتعلق بأن بعض اللاجئين -دون ذكر جنسياتهم-يشوهون مظهر المدن الألمانية، الأمر الذي يتطلب تكثيف عمليات ترحيلهم.
ولكن لماذا يربط مستشار ألمانيا بين ارتفاع شعبية اليمين المتطرف وأعداد اللاجئين؟ ألا تشير أرقام السلطات الألمانية إلى أن أعدادهم بدأت تتراجع قبل تسلم حكومته مهامها في بداية مايو/أيار الماضي؟
بلى، لأن أرقام المكتب الاتحادي للهجرة واللجوء (BAMF) تؤكد بدء أعداد اللاجئين في التراجع بشكل كبير منذ عام 2023. هذا العام سجل انخفاضا بنسبة 54,7 بالمئة في أعداد القادمين الجدد وهذا يعني أن "الفضل" في ذلك يعود لجهود الحكومة السابقة بقيادة الاشتراكي الديمقراطي أولاف شولتس وليس لسياسة حكومة ميرتس.
مهمة تحديد جنسية هؤلاء اللاجئين تركها المستشار الألماني لرئيس كتلة حزبه النيابية ينس شْبان الذي فصل بالقول إن مظهر المدن سيكون أفضل بدون مهاجرين من دول عربية ومسلمة وأوروبية شرقية.
ففي اليوم التالي، سلم ميرتس الدفة لشْبان الذي لمع نجمه قبل أقل من عقد ووصل في تصريحاته المعادية للمسلمين حتى إلى مرحلة المطالبة بابتكار قوانين خاصة بهم لدرجة أنه طالبهم بالاستحمام عراة في استوديوهات اللياقة البدنية.
"في استوديو اللياقة البدنية الذي أرتاده، تم تعليق يافطات تسمح بالاستحمام بمايوه السباحة. عرب كثيرون من ذوي العضلات المفتولة كانوا يخجلون من الاستحمام عراة. هذا يشير إلى تحول في المجتمع لا أريده".
ينس شْبان في مقابلة مع صحيفة "دي فيلت" المحافظة. 30 يوليو/تموز 2016
قصَد شْبان أو لم يقصد، لا يختلف اثنان على أن مطالبته بسنّ قوانين خاصة بالمسلمين (5,5 ملايين مسلم يعيشون في ألمانيا) تغذي أخطر الخزعبلات عن الإسلام: الإسلام ليس دينا بل أيديولوجية.
صحيح أنه لم يجهر بذلك ولكنه يعرف أن الذهاب بعيدا في التجني على الإسلام هو مهمة آخرين وتحديدا الحزب اليميني المتطرف (البديل) الذي اتهم الإسلام على لسان القياديين فيه ألكسندر غاولاند وبياترِكس فون شتورخ بأنه مجرد أيديولوجية. هذا كله شجع أكبر صحيفة في ألمانيا (بيلد) على التجرؤ على إهانة الإسلام بالقول في مقال: "ليس حزب البديل من اعتبر الإسلام أيديولوجية كما يُنقل. لأن الإسلام في الواقع مجرد أيديولوجية.
بعد كلام ميرتس وتأكيد رئيس كتلة حزبه النيابية، رد المستشار الألماني على استفسار لأحد الصحفيين عما إذا كان سيعتذر عن تصريحه بالقول: "أكرر. من يراقب الحياة اليومية يعرف أن تصريحاتي في الأسبوع الماضي كانت محقة (...) مرة أخرى: اسأل أطفالك، اسأل بناتك، اسأل في محيط أصدقائك ومعارفك. الكل يؤكد أن هناك مشكلة على الأقل عند حلول الظلام"، مشيرا إلى الربط بين "مشكلة مظهر المدن" الألمانية وسياسة حكومته الرامية إلى التسريع في عمليات ترحيل اللاجئين.
في عودة إلى أحد أهم أسئلة هذا التحقيق وهو هل نتحدث هنا عن زلّة لسان أم عن كلام محسوب بدقة؟ الإجابة عن هذا السؤال تتطلب الرجوع إلى الوراء قليلا وتحديدا إلى تصريحات سابقة لميرتس.
2023: "في الغالب نتحدث عن شباب من المنطقة العربية. هؤلاء غير مستعدين لاحترام القوانين ويستمتعون بتحدي الدولة (...) أتحدث عن مهاجرين عرب يتصرفون كالباشوات". (معنى كلمة Pascha في الألمانية دائما سلبي ويشير في الغالب إلى رجل كسول يطلب من الآخرين خدمته).
2024: "نتحدث عن موضوع معقد. ولكن يجب علينا أن نسأل لماذا هذا المركز الإسلامي في هامبورغ ما زال مفتوحا؟ ماذا يحدث في مدارس القرآن؟ ماذا يحدث في المساجد بألمانيا؟ لدينا أكثر من 1000 مسجد منها.يجب على الدولة تفحص الأمر".
2023: "... يكتظون (اللاجئون) في عيادات أطباء الأسنان ويستبدلون أسنانهم في حين لا يستطيع الألمان الحصول على مواعيد".
جميع هذه الاقتباسات التي أطلقها ميرتس عندما كان في المعارضة أثارت حينها نقمة الشارع، ولكن -لأنه لم يكن في موقع اتخاذ القرار- لم يكن وقعها بالحدة التي عقبت تصريح "تشويه مظهر المدن".
ولكن لماذا لم يتعلم ميرتس الدرس من انتقادات سابقة؟ وهل يشير تكرارها إلى رغبته في المخاطرة بسمعة حزبه من أجل وقف مدّ الحزب اليميني المتطرف (البديل) واستمالة ناخبي هذا الحزب؟ أم أن العداء للمهاجرين وتحديدا للمسلمين أيديولوجية متأصلة عنده وعند حزبه المحافظ؟ وكيف كان وقع هذا الكلام على ملايين المهاجرين والعرب والمسلمين الذين يشكلون أكثر من ربع سكان ألمانيا؟ميرتس رفض التراجع عن تصريحاته بخصوص مسؤولية اللاجئين عن تشويه مظهر مدن ألمانيا(رويترز)
ميرتس رفض التراجع عن تصريحاته بخصوص مسؤولية اللاجئين عن تشويه مظهر مدن ألمانيا(رويترز)
إعادة إنتاج صورة المهاجر
مديرة مركز التوثيق والمعلومات لمناهضة العنصرية، كريمة بن إبراهيم اعتبرت اختيار المستشار لألفاظه من منظور سياسي أمرا "بالغ الإشكالية". فـ"حين ربط ميرتس بين ما وصفه بـ"مشكلة مظهر المدن" والهجرة، تبنّى عن وعي أو غير وعي سرديات يمينية وعنصرية تجاه المهاجرين (...) مثل هذه الصياغات تضع فئات متباينة للغاية لاجئين وأشخاصا من أصول مهاجرة وأقليات دينية أو إثنية في بوتقة واحدة وتعيد إنتاج صورة المهاجر بوصفه عامل اضطراب اجتماعي. (...) هذا نهج خطير، لأنه يقدم صورة نمطية قائمة على التصنيف العرقي بدلا من تحليل الأسباب البنيوية الفعلية للمشاكل القائمة، تضيف بن إبراهيم في حديث مع الجزيرة نت.
الخبير في شؤون اليمين المتطرف من جامعة غيزن، د. يوهانس كيس بدأ كغيره في الأوساط الأكاديمية فور إطلاق هذه التصريحات، التكهن بشأن دوافع المستشار الحقيقية.
"من ناحية -يقول كيس للجزيرة- تتماهى التصريحات الأولى للمستشار مع السرديات اليمينية المتطرفة لحزب البديل ومن ناحية أخرى، جاءت الموجة الثانية من تصريحاته "متعجرفة" و"عنيدة" وتهدف على ما يبدو إلى تعزيز البورفايل اليميني عند اتحاده المسيحي الديمقراطي الذي يشهد توترا كبيرا بشأن قضية الهجرة".
ولكن هل ستساعد مثل هذه التصريحات على وقف حزب البديل عند حده وعلى استعادة حزب ميرتس ناخبين عزفوا عن انتخابه في الأشهر الماضية؟
كيس يؤكد هنا أن ذلك لن يمكن المحافظين الألمان من وقف المد اليميني المتطرف، بل على العكس تماما. فالدراسات تظهر أن النقاشات التي تعقب هذه التصريحات "تُعزز في العادة مواقف حزب البديل لأنه احتكر جميع القضايا المتعلقة بالهجرة ويدعي ملكيتها بغض النظر عن نبرة الأحزاب الأخرى"، في إشارة من الخبير إلى أن الناخب في هذه الحال سينتخب الأصل وليس النسخة المقلدة.
ولكن الأخطر من ذلك -كما يقول كيس- هو أن هذه النقاشات "لا تنتج في المقام الأول إلا خاسرين" وتسبب "الخوف والنفور" من الديمقراطية وتجرد النقاش من طابعه السياسي ولا تساهم في توجيهه نحو البحث عن حلول".
25 مليون مهاجر
تؤكد أرقام مكتب الإحصاءات الألماني الاتحادي أن عدد المواطنين الألمان بالمواطنة وليس بالدم يبلغ 24,9 مليون شخص من بين 83,5 مليون نسمة العدد الإجمالي للسكان في ألمانيا.
ووفق المكتب ذاته، فإن عدد اللاجئين الملزمين رسميا بمغادرة ألمانيا لأسباب مختلفة يبلغ 41 ألف شخص. ولنفرض أن جميع هؤلاء الأشخاص يتحملون مسؤولية "تشويه" مراكز المدن ومظهر محطات قطاراتها الرئيسية، فإنهم لا يشكلون أكثر من 0,07 بالمئة من سكان المدن الألمانية الكبيرة والمتوسطة.
فكيف تلقى المهاجرون والمجتمع الألماني هذه التصريحات؟
عندما اكتفى ميرتس بالإشارة إلى ما وصفه بـ"مظهر المدن المشوه"، لاحظنا أن الاستهجان اقتصر على وسائل الإعلام وبعض النخب، ولكن بعد تحديد جنسيات المهاجرين المستهدفين وعناد المستشار وقوله إنه لن يعتذر عن هذه الإهانات وإذا لم يعجبكم ذلك "اسألوا بناتكم"، قامت الدنيا ولم تقعد: مظاهرات تحت شعار "نحن مظهر المدينة" و"نحن البنات" ومبادرات ورسائل مفتوحة وغيرها من النشاطات التي أظهرت بالفعل تنوع هذا المجتمع.
كريمة بن إبراهيم تقول حول الصدمة التي أحدثها خطاب ميرتس إن الغضب لم يأت فقط من مواطنين من أصول مهاجرة: "مهاجرون كثيرون اعتبروها عن حق عنصرية فقد ترافقت مع ردود فعل من مختلف أطياف المجتمع سواء من صفوف المعارضة أو من داخل الائتلاف الحاكم نفسه ومن منظمات المجتمع المدني وكذلك من شخصيات سياسية".
تضيف بن إبراهيم أن ما يجمع بين هذه المواقف قاسم مشترك واحد هو القلق من أن هذا النمط من الخطاب يساهم في توسيع الهوة بين سياسات الأمن والنظام من جهة والواقع الاجتماعي من جهة أخرى. فالمسألة ليست في إنكار وجود المشاكل، بل في كيفية تناولها لغويا وإعلاميا أي هل يتم ذلك بطريقة دقيقة ومتفحصة، أم من خلال تعميمات تؤدي إلى وصم الجميع بالتهمة ذاتها.
"أهاننا جميعا"
هذا التعميم أحالنا إلى الاستفسار عن وقع هذه الإهانات على مهاجر غير عادي. فبمجرد وضع اسم نادر خليل في محرك غوغل للبحث وقراءة مقالات المديح لأنشطته في مجال التعايش بين سكان الحي المتنوع (نويكولن) بجنوب برلين، يتولد لديك انطباع بأنه أفنى حياته في مجال خدمة هذا المجتمع وفي اندماج العرب والمسلمين فيه، الأمر الذي دفع حكومة ولاية برلين إلى منحه عدة أوسمة أهمها وسام الاندماج لعام 2007.
يقول نادر خليل -في حديث مع الجزيرة نت- إن الحكم على كلام المستشار الألماني في الحياة اليومية يقود إلى الاعتقاد بأن كل شخص أصوله ليست ألمانية متهم وبأن كلام ميرتس موجه له علما بأن ألمانيا بأكملها تقر بمساهمة المهاجرين في إعادة بناء هذا البلد بعد الحرب وبدورهم المحوري في جميع المجالات الاقتصادية.
الأرقام الأخيرة التي قدمها مكتب الإحصاءات الألماني الاتحادي تؤكد ما يقوله خليل وتشير إلى أن بعض القطاعات الاقتصادية في ألمانيا كانت في الأعوام الماضية قادرة على البقاء بفضل المهاجرين فقط، إذا تبلغ نسبتهم في بعضها 60 بالمئة بينما تبلغ نسبتهم الإجمالية في سوق العمل الألماني الأكبر في الاتحاد الأوروبي 26 بالمئة.
كما اتهم خليل الذي ترشح عام 2009 للبرلمان الألماني باسم الحزب المسيحي الديمقراطي، اتهم ميرتس بالتناقض، قائلا: من ناحية يؤكد المستشار ضرورة الحفاظ على تماسك المجتمع ومن ناحية أخرى يدق أسفين الفرقة بين مكوناته.
ولكن كيف استقبل الناس في حي نويكولن حيث يعيش ويعمل ابن الـ57 عاما هذه التصريحات؟
"بتهكم وسخرية" يرد خليل، ويضيف أن صديقا له من أصول تركية مازحه عندما سمع كلام ميرتس قائلا "ما رأي المستشار في أن نصبغ شعرنا بالأشقر حتى نناسب تصوره لمظهر المدن الألمانية"؟ وقال آخر إنه لم يستغرب هذه التصريحات لأن صاحبها يعيش في عالم موازٍ ولا يعرف ماذا تعني الحياة في مدينة متنوعة مثل برلين أو ميونيخ أو هامبورغ.
ولكن الأخطر في تصريحات ميرتس -بحسب خليل- هو أنها تعزز حضور اليمين المتطرف وتعتبر الخطوة الأولى على طريق تنفيذ هذا اليمين سياسته الداعية إلى الترحيل إذا وصل إلى موقع صنع القرار، وخاصة أن هذه التصريحات تأتي من رأس هرم السلطة.
إشارة من سكان هذه البناية إلى تحدي تصريحات المستشار الالماني فريديش ميرتس (الجزيرة)
إشارة من سكان هذه البناية إلى تحدي تصريحات المستشار الالماني فريديش ميرتس (الجزيرة)
الآثار والأخطار
بخصوص آثار هذا الخطاب على المجتمع تقول بن إبراهيم إن القراءة التحليلية للخطاب المذكور تُبيّن أن له ثلاثة آثار مباشرة على التعايش بين المهاجرين والمسلمين والألمان، أولها عند الحديث عن "مظهر المدن" تتشكّل فورا صور نمطية لمحطات القطارات ومراكز المدن ومجموعات الشباب ذوي الملامح غير الأوروبية. وبذلك تتحوّل قضايا معقدة مثل الفقر والبطالة وضعف البنى التحتية إلى نقاش بصري سطحيّ يغذي الأحكام المسبقة ويهمّش التحليل الموضوعي.
وتضيف أن ذلك ينتج مشاعر التهميش والريبة ويؤدي إلى شعور كثير من المواطنين ذوي الخلفية المهاجرة والمسلمين بأن انتماءهم موضع تساؤل دائم، مما يضعف ثقتهم في المؤسسات الحكومية والمحلية. هذه الثقة ضرورية لنجاح سياسات الاندماج والتعاون المجتمعي.
وثالثا تؤدي هذه الخطابات إلى إزاحة النقاش عن قضايا العدالة الاجتماعية إلى قضايا رمزية ولغوية، ويتضح من ذلك أن المشكلة لا تكمن في طرح القضايا ذاتها بل في اللغة المستخدمة. عندما تتحول اللغة إلى أداة للوصم بدلا من وسيلة للتحليل الدقيق فإنها تنتج فقدانا للثقة وشرخا في تماسك المجتمع.
اللغة ليست مجرد وسيلة للتعبير
وتنصح بن إبراهيم -التي تدير مركزا يعتبر من أهم المرجعيات للحكومة الألمانية بخصوص مناهضة العنصرية- المستشار ببناء الخطاب الرسمي حول الهجرة على أساس معرفي وبياني وتجنب التعميمات وتعزيز الاندماج عبر العمل الأمر الذي يمنح المقيمين الجدد حق الالتحاق الفوري ببرامج اللغة والتأهيل المهني خلال ثلاثين يوما مع تسريع الاعتراف الرقمي بالمؤهلات المهنية وفتح أسواق العمل.
كما تؤكد المختصة ضرورة تكريس مبدأ دولة القانون العادلة للجميع وإبرام اتفاقات شراكة بين الجمعيات الإسلامية ومنظمات المهاجرين والمدارس والتجار وقطاع الإسكان وتحديد أهداف قابلة للقياس مثل زيادة فرص التدريب المهني وتحسين مشاركة النساء في برامج اللغة والعمل وإعادة توجيه سياسات الإسكان والرعاية الاجتماعية وغيرها من الاقتراحات التي تعد أمرا لا غنى عنه إذا أرادت حكومة ميرتس بالفعل الحفاظ على تماسك المجتمع بدلا من إطلاق تصريحات عنصرية تخدم بالدرجة الأولى اليمين المتطرف.
ووفق لبن إبراهيم فإن تحليل الخطاب السياسي الراهن يبين أن اللغة ليست مجرد وسيلة للتعبير بل فاعل سياسي في حد ذاته، مضيفة أن اللغة قادرة على بناء الانتماء أو تفكيكه وعلى دعم التماسك أو تهديده لأن الانتقال من خطاب رمزي قائم على التبسيط إلى سياسة شاملة وفاعلة يمثل خطوة جوهرية وأولى نحو مجتمع متماسك ومتعدد في آن واحد.
فهل يدرك رئيس الحكومة الألمانية أنه فقط من خلال الاعتراف بالتنوع بوصفه قيمة بنيوية واعتماد سياسات تشاركية قائمة على الحقائق يمكن ضمان استدامة التعايش السلمي والعدالة الاجتماعية في المدن الألمانية؟
المصدر: الجزيرة

0 تعليق