مؤتمر لفلسطين يكشف مأزق الرقابة والحياد الأكاديمي بفرنسا - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي

share2

باريس- قبل أيام قليلة من تنظيم مؤتمر بعنوان "فلسطين وأوروبا: ثقل الماضي وديناميكيات العصر"، أعلن معهد "كوليج دو فرانس" في باريس تعليق الفعالية بدعوى الحفاظ على "الحياد المؤسسي"، بعد أن كان من المقرر عقدها اليوم الخميس وغدا الجمعة.

وفي محاولة لإنقاذ النقاش من مصير الصمت، وجد المنظمون مخرجا إسعافيا سريعا من خلال نقل الفعالية إلى مقر المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات "كاريب"، معتبرين أن ما حدث إشارة مقلقة على تدخل الاعتبارات السياسية في فضاءات يُفترض أن تكون مستقلة ومحمية من الضغوط.

وقد أثار قرار التعليق من الجامعة الفرنسية عاصفة من ردود الفعل داخل الوسط الأكاديمي الفرنسي وخارجه. فالمؤتمر الذي من يُفترض أن يكون ملتقى بحثيا هادئا حول التاريخ والذاكرة والسياسة، تحول إلى اختبار واضح وصريح لحدود الحرية الأكاديمية في البلاد.

مخرج إسعافي

لم يكن قرار تغيير مكان المؤتمر اختياريا، بقدر ما كان استجابة سريعة لضمان ألا تتعطل جلسات النقاش التي استعد لها المتحدثون والجمهور، ومحاولة أيضا لتوفير مساحة أخرى تتيح للمجال الأكاديمي حرية أكبر وأضمن.

فقد شكل التعليق المفاجئ تحديا حقيقيا للمنظمين لإيجاد ملاذ بديل خارج الإطار التقليدي للمؤسسات الفرنسية، وكان اقتراح استضافة المؤتمر في المركز العربي للأبحاث والدراسات السياسية بمثابة طوق النجاة لهذا النقاش العلمي حول فلسطين.

إعلان

وفي هذا الإطار، استنكر مدير المركز سلام الكواكبي قرار مدير "كوليج دو فرانس"، قائلا "كانوا على علم ودراية بمضمون الندوة التي تتحدث عن العلاقة بين فلسطين وأوروبا منذ نهاية القرن الـ19 حتى يومنا هذا، والعلاقات السياسية والارتباط بالاستيطان وغيرها".

وأضاف للجزيرة نت "يشارك في الفعالية أساتذة من أرقى الجامعات العالمية، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا وفلسطين".

وأكد أن الندوة تركز على نقاش علمي محدد، أي أنها ليست نضالية ولا تهدف لفتح أي جبهات، مشيرا إلى أن عدد المتحدثين لن يتغير، لكن المؤتمر لن يكون متاحا للعموم وسيتم الاكتفاء ببعض أهم الباحثين المهتمين بالموضوع بناء على دعوات اسمية بسبب ضيق المكان.

ألبانيزي أكدت أنها لم تتفاجأ بإلغاء الحدث (الجزيرة)

سابقة مقلقة

وسيجمع الحدث أكاديميين وشخصيات بارزة، مثل رئيس الوزراء السابق دومينيك دوفيلبان، وفرانشيسكا ألبانيزي المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالأراضي الفلسطينية.

وتعليقا على القرار، قالت ألبانيزي في تصريح صحفي "أشعر بالارتياح لإيجاد مكان بديل"، وأكدت أنها "لم تتفاجأ" بإلغاء الحدث، لأن "جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل قوية ونشطة للغاية في كل مكان تقريبا".

من جهته اعتبر الكواكبي أن قرار الإلغاء "سابقة لم تحدث من قبل في فرنسا التي تقدم نفسها كمثال للديمقراطيات وحقوق الإنسان والأنوار"، مشيرا إلى الضغط المباشر الذي تعرض له مدير "كوليج دو فرانس" من وزير التعليم العالي فيليب بابتيست.

ووصف تدخل الوزير بـ"الأمر المخجل، خاصة بعد تأثره بضغط المنظمات القريبة جدا من اليمين المتطرف الإسرائيلي، وعلى رأسها المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا (كريف) والرابطة الدولية لمناهضة العنصرية ومعاداة السامية (ليكرا)، فضلا عن تغريدات وردت من صحفيين يعملون في الصحافة المتطرفة والعنصرية في البلاد".

وتابع مدير مركز "كاريب" قائلا: لم يطلع الوزير على مواضيع المؤتمر المشروحة بوضوح باللغة الفرنسية، ولا على أسماء المتدخلين والحضور، وإنما اكتفى فقط بالخضوع لضغوط المجموعات المقربة من حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

بين الحياد والرقابة

وقد تعددت التصريحات التي انتقدت ما حدث لتتخطى جدران "كوليج دو فرانس" إلى مؤسسات أخرى. إذ وصفت "هيئة جامعات فرنسا" ـوهي جمعية تضم قادة الجماعات- القرار بأنه "سابقة مقلقة" و"تقويض للحرية الأكاديمية".

وأعلنت الهيئة في بيان لها أنها اكتشفت "بدهشة" إلغاء المؤتمر العلمي حول فلسطين وأوروبا، مؤكدة على أهمية امتلاك الجامعات القدرة الكاملة على مواصلة تعزيز النقاشات القائمة على البحث العلمي، بعيدا عن أشكال الضغوط الخارجية.

ففي مقال رأي نُشر في صحيفة لوموند، وقعت مجموعة مكونة من أكثر من 300 أكاديمي، من بينهم جان فرانسوا بايار وجوديث بتلر وبيير سيريل أوتكور، على رسالة مفتوحة للتنديد بإلغاء الفعالية، معتبرين ما حدث "هجوما غير مسبوق على الحرية الأكاديمية".

وجاء في البيان "يشكل هذا القرار، الذي اتُخذ إثر مقال مثير للجدل وضغوط مباشرة من وزارة التعليم العالي والبحث، اعتداء غير مسبوق على الحرية الأكاديمية في فرنسا. وبحجة ضمان النزاهة العلمية، شرّعت الوزارة التدخل السياسي في مجال البحث، وهو ما يتناقض مع مهمتها الأساسية وهي حماية استقلال الأكاديميين وتعدد المناهج العلمية".

إعلان

كما وقع نحو 2200 باحث وأستاذ وطالب على عريضة تطالب باستقالة وزير التعليم بابتيست من منصبه، معتقدين أن قرار إلغاء الحدث "يشكل هجوما خطيرا على الحريات الأكاديمية والعلمية".

وبعد كل هذا الجدل الذي أثير حول موضوع الفعالية، سلطت هذه الخطوة الضوء على معضلة أعمق يحوم حولها سؤال: هل بات الباحثون والمفكرون مضطرين للبحث عن مساحات آمنة لضمان استمرار الحوار داخل بلد يتغنى بحرية التعبير؟

0 تعليق