يشتهر دير سانت كاترين الكائن تحت سفح جبل سيناء في مصر بما ينعم به من سلام مقدس، غير أنه يستعد الآن ليفتح أبوابه أمام الجمهور.
تم تأسيس الدير، الذي يتبع المذهب الأرثوذكسي، في القرن السادس الميلادي، ويعد واحدا من أقدم الأديرة المسيحية المأهولة باستمرار في العالم.
اقرأ أيضا
list of 2 items end of listويؤمن أتباع الديانات بأن الله تجلى للنبي موسى عند جبل سيناء، كما تلقى موسى الوصايا العشر هناك.
وبالقرب من الجبل تم بناء الدير، الذي يعود تاريخه إلى نحو 1500 عام، في المكان الذي ينتهي فيه الوادي ويبدأ جبل سيناء. ويعرف الدير بين المؤمنين بأنه يحتوي على آثار القديسة كاترين التي عاشت في مدينة الإسكندرية المصرية، كما تحتوي مكتبته القديمة على مخطوطات نادرة تجتذب الكثير من الحجاج.
وفي هذا المكان يمكنك أن تشعر بالقرب من الله، وتملأ محبته قلبك بدرجة تفوق الكثير من الأماكن الأخرى، وفيه تهب نسائم رقيقة قادمة من صخور جرداء ذات لون بني مائل إلى الحمرة، وهي نسائم تجعل شجيرات الورد وأغصان أشجار الزيتون تتمايل.
مشروع تطوير ضخم
وإذا أتيحت لك الفرصة لأن تقضي بضعة أيام في هذا المكان، فإن جل ما ستشعر به هو السكينة، حيث يتجمع الدين والتاريخ والطبيعة معا في مزيج غامر مدهش.
بيد أنه إذا نظرنا إلى أسفل سيطالعنا الوادي الرحب الذي أصبح اليوم يعج بالخرسانة والحاويات ومركبات التشييد، حيث تستعد مصر لغد حافل بالسياح.
وقد تم التخطيط لبناء مجموعة من الفنادق والفلل لتوفير ألف غرفة لاستضافة الزوار، بالإضافة إلى إعداد ممشى للتنزه وسوق وساحة للسلام ومركز للزوار، وتم بالفعل وضع لافتة توضح هذه المعالم الجديدة.
وتحتفل الحكومة بمشروع البناء الذي من المقرر انتهاء العمل فيه في أكتوبر/تشرين الأول 2026، ويوصف المشروع بأنه "هدية مصر إلى العالم بأكمله ولجميع الأديان".
إعلان
كما تم التخطيط لإقامة متحف ومسرح، بالإضافة إلى مركز للمؤتمرات ومطاعم، ويتم كذلك رصف الطرق وتوسيع مطار يقع على مسافة قريبة لا يعمل حاليا، ومن المتوقع أن تبلغ التكلفة 220 مليون دولار.
وقال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي إن المشروع "سيكون مقصدا رائعا لجميع الزوار"، سواء أتوا لأسباب دينية أو ترفيهية أو للاستمتاع بجمال الطبيعة.
وتوضح وسائل الإعلام المرتبطة بالدولة أن الهدف من هذه المشروعات يتمثل في "استثمار سحر المنطقة" وتحويلها إلى "مقصد لا بد من زيارته"، وقد انضمت بالفعل إلى المشروع سلسلة فنادق ألمانية كبرى.
قدسية الدير
لكن هناك سؤالا يطرح نفسه في هذا المقام، وهو: هل يمكن لدير يشتهر ويزدهر بالسلام والعزلة أن يتكيف مع هذا العدد الكبير من الزوار؟ وألن يصبح الموقع الديني، الذي يزوره بعض السائحين من آن لآخر، مجرد موقع سياحي توجد به فقط بضعة معالم دينية جذابة؟
ويرد الأب جوستان، وهو واحد من بين 22 راهبا يعيشون في دير القديسة كاترين، قائلا: "يجب إيجاد توازن دقيق بين أن يكون الدير مفتوحا ويسهل الدخول إليه إلى حد ما، وبين أن يتم الحفاظ على أوقات الهدوء والعزلة التي سادت عبر تاريخه".
ويبدأ الرهبان يومهم في الرابعة صباحا، ويعيشون وفق "جدول معقد تم وضعه منذ قرون"، وفقا لما يقوله الأب جوستان، موضحا أن الدير يفتح أبوابه للزوار لمدة 3 ساعات يوميا في الوقت الحالي.
لكن التغيير قادم في الطريق، وفي هذا الصدد تقول منظمة "متابعة التراث العالمي"، التي تكرس نشاطها لحماية مواقع التراث العالمي المدرجة في قائمة اليونسكو، إن المشروع "يشكل أكبر تناقض ممكن مع ما تمثله المنطقة أصلا"، وقد أدرجت المنطقة في قائمة اليونسكو عام 2002.
ودعت اليونسكو الحكومة المصرية إلى أن تقدم خطة للحماية، وأن توقف أعمال التشييد مع السماح للمراقبين بدخول المنطقة، غير أنه لم يتحقق أي من ذلك حتى الآن.
بين التهجير وضياع التراث
وواجه البدو في المنطقة منذ زمن طويل واقعا جديدا، وينحدر أفراد قبيلة الجبلاية من سلالة الجنود البيزنطيين الذين أرسلوا في القرن السادس الميلادي لحراسة الدير، ويعتقد أنهم أقدم قبيلة في المنطقة.
ويأتي اسم الجبلاية من الكلمة العربية "الجبل"، إذ إنهم يعيشون في منطقة جبلية.
وقد جعل أفراد القبيلة بناء الدير وتشغيله ممكنا في المقام الأول، حيث عملوا حراسا ومرشدين في جولات الزوار بالمنطقة الجبلية، وسائقين للجمال.
أما الآن، فقد تم هدم بيوتهم خلال أعمال تشييد المشروع الجديد.
وحلت مكان منطقة المدافن ساحة لانتظار السيارات، ويقول أحد البدو عن أنشطة الحكومة في المنطقة: "إنهم يتجاهلون الجميع".
وتواجه منطقة دير سانت كاترين خطر أن تصبح مثل منتجع شرم الشيخ الكائن في جنوب سيناء، أي مكانا تقام فيه الفنادق ذات الخمس نجوم، ويستضيف السياح الذين يكتفون بالبقاء داخل فنادقهم.
إعلان
وفي المنطقة السفلى من الدير يمكن سماع ترديد ترانيم الرهبان عبر مكبر للصوت في المتجر الصغير الملحق به، وتفوح في الجو رائحة الشموع المحترقة التي وهبت نذرا للدير.
وداخل عدد قليل من الغرف في المنطقة العلوية من الدير توجد المكتبة التي تضم أكثر من 3300 مخطوطة قديمة، يقال إن قيمتها تضاهي قيمة المخطوطات التي يحتفظ بها الفاتيكان.
ويقول أحد الرهبان، وهو يضع يديه على صدره: "عليك أن توفر الحماية للزوار الذين يأتون إلى هنا ليشعروا بشيء من الراحة والسكينة تملأ أنفسهم وقلوبهم، وإذا لم يتم حمايتهم فسيصبح الدير مجرد معلم سياحي جذاب".
وفوق جبل سيناء يبدو كل شيء كما كان عليه دائما، بينما يشعر البعض بعد صعود شاق للجبل، وكأن الطاقة الكامنة في القديسة كاترين قد انبعثت في أجسادهم.

0 تعليق