Published On 13/11/202513/11/2025
|آخر تحديث: 16:39 (توقيت مكة)آخر تحديث: 16:39 (توقيت مكة)
هذا الأسبوع، في مخيم "الأفاد" الذي لجأت إليه مئات العائلات بعد فرارها من سقوط مدينة الفاشر، جلستُ مع أمٍّ قطعت آلاف الكيلومترات مع ابنتها البالغة من العمر 5 سنوات وجدتها المسنّة. كانت الطفلة قد خضعت لجراحة في الدماغ بأحد المستشفيات العسكرية قبل أن تُهجَّر العائلة. الآن، تجلس بهدوء إلى جوار والدتها جامدة، منقطعة عن اللعب كما ينبغي للأطفال.
تحدثت الأم عن الضرب الذي تعرّضت له، وعن الجثث الملقاة على الطريق، وعن أشخاص لم يقووا على السير؛ لذا زحفوا وحفروا خنادق بدائية لتجنّب اكتشافهم من الطائرات المسيّرة. معظم الرجال قُتلوا أو مُنعوا من المغادرة. بطريقة ما، وصلت هذه الأم إلى المخيم، لكن دموعها انهمرت وهي تتحسس ندبة ابنتها وتتحدث عن شهر ديسمبر/كانون الأول وعن خوفها من ألا تتمكن من الوصول إلى المستشفى في الموعد القادم لطفلتها.
اقرأ أيضا
list of 2 items end of listقصتها ليست استثناء؛ فمنذ أبريل/نيسان 2023، نزح ما يقرب من 10 ملايين شخص داخل السودان، في أكبر أزمة نزوح في العالم، بينما فر أكثر من 4 ملايين عبر الحدود. وفي دارفور وكردفان، تُقتلع مجتمعات بأكملها، ويُستهدف المدنيون، وتُدمَّر الخدمات الأساسية.
وبعد حصار دام 18 شهرا، أطلق سقوط الفاشر موجة جديدة من الفظائع: عمليات قتل تستهدف مجموعات عرقية، وعنف جنسي، وهجمات متعمدة على المدنيين. هذه ليست مجرد مآسٍ؛ فهي، وفقا لبعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة، انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وجرائم دولية. المدنيون ليسوا أوراق مساومة، ويجب حمايتهم وضمان وصول المساعدات الإنسانية إليهم.
كان السودان يوما ما ملتقى للفرص. كان المهاجرون من أفريقيا والشرق الأوسط يأتون إليه للدراسة والعمل وبناء مستقبل أفضل. وكانت مدنه نابضة بالحياة وعالمية، وجامعاته من بين الأفضل في المنطقة. واليوم، تسلك تلك الطرقَ نفسَها حشودٌ من الناس في الاتجاه المعاكس، فارّين من النزاع. ويظهر عدد متزايد من السودانيين الآن في ليبيا وما بعدها، يخاطرون بحياتهم بحثا عن الأمان وفرص العمل. بلد كان ملاذا يوما ما، أصبح الآن مصدرا للنزوح.
إعلان
" frameborder="0">
ومع ذلك، حتى وسط الدمار، يحاول كثير من السودانيين العودة. في الخرطوم وسنار والجزيرة، تعود العائلات إلى أحياء مدمّرة ومنازل منهوبة. عودتهم ليست مجرد صمود، بل إعلان عن إرادة واضحة: الناس يريدون إعادة البناء، ويريدون السلام.
لكن العزيمة وحدها لا تكفي لإعادة بناء وطن. يحتاج السودان، وبشكل عاجل، إلى أمرين: السلام والوصول.. يجب السماح للمنظمات الإنسانية بالوصول إلى المدنيين المحاصرين بسبب القتال لتقديم الغذاء والدواء والحماية. المجاعة والمرض يلوحان في الأفق، وكلما طال منع الوصول، ارتفع الثمن من الأرواح.
وفي المنظمة الدولية للهجرة، نعمل جنبا إلى جنب مع شركائنا لتلبية الاحتياجات العاجلة من توفير المأوى ومستلزمات النظافة والغذاء إلى تقديم الرعاية الصحية المتنقلة مع متابعة حركة النزوح في أنحاء البلاد لتوجيه الاستجابة الأوسع. لكن من دون ممرات آمنة وضمانات أمنية، ستفشل حتى أفضل عمليات الإغاثة تمويلا وتنظيما.
المساعدات الإنسانية قادرة على التخفيف، لكنها لا تستطيع إنهاء الحرب. والفجوة المتزايدة في التمويل الإنساني ليست مسألة أرقام فحسب.
الطريق المستدام الوحيد هو وقف إطلاق النار عبر التفاوض، وبدء عملية سياسية شاملة تجمع أطراف النزاع السودانية إلى طاولة الحوار. وعلى الجهات الإقليمية والدولية استخدام كل الأدوات المتاحة الدبلوماسية والاقتصادية والقانونية للضغط من أجل السلام والمساءلة.
وإذا تحقق السلام، يمكن للسودان أن يتعافى. أرضه خصبة، وشعبه قادر، وإمكاناته هائلة.
وفي غضون عقد، يمكن للسودان أن يطعم نفسه مجددا ويسهم في ازدهار المنطقة. لكن التعافي سيتطلب التزاما دوليا طويل الأمد، ليس فقط عبر المساعدات الطارئة، بل أيضا من خلال الاستثمار في الحوكمة والتعليم وسبل العيش التي تتيح للناس العيش بكرامة.
الأم التي التقيتها في مخيم الأفاد لا تزال تأمل أن تصل ابنتها إلى موعدها الطبي القادم. أملها، مثل أمل السودان، معلّق على أمر واحد: ألا يغضّ العالم الطرف عنهم. ذلك الأمل هش، لكنه لم يختف. ومن مسؤولية العالم أن يبقيه حيا، بفتح ممرات الوصول، وحشد الموارد، والإصرار على السلام.
لقد حمل شعب السودان هذا العبء طويلا بما يكفي. حان الوقت ليتحرك العالم.

0 تعليق