ماذا تحمل زيارة وزير الخارجية المصري لأنقرة من رسائل إستراتيجية؟ - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

أنقرة – في محطة جديدة من مسار التقارب المتسارع بين القاهرة وأنقرة، وصل وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي إلى العاصمة التركية أنقرة أمس الأربعاء في زيارة رسمية تتصدرها ملفات تعزيز العلاقات الثنائية والتنسيق في قضايا المنطقة.

واستهل عبد العاطي الزيارة بعقد الاجتماع الأول لمجموعة التخطيط المشتركة بين وزارتي الخارجية المصرية والتركية، إلى جانب نظيره التركي هاكان فيدان، بمشاركة رفيعة من مسؤولي الجانبين.

وينظر إلى الاجتماع بوصفه خطوة محورية لترسيخ الشراكة بين البلدين، ووضع آليات مؤسسية للتعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية، في ظل تطور لافت في العلاقات بين الدولتين خلال العامين الماضيين.

" frameborder="0">

تقارب إستراتيجي

وأكد الوزير عبد العاطي، خلال كلمته في الاجتماع الأول لمجموعة التخطيط المشتركة، عمق الأواصر التاريخية التي تربط مصر وتركيا، مشيرا إلى أن زيارته الحالية -وهي الثالثة لتركيا هذا العام- تعكس الحراك النشط الذي يشهده مسار العلاقات الثنائية، وحرص البلدين على ترسيخ شراكة إستراتيجية شاملة تغطي مختلف المجالات.

وأشاد بالتطور النوعي الذي شهدته العلاقات بين البلدين منذ تبادل الزيارات الرئاسية في 2024، التي أسست -حسبه- لمرحلة جديدة من التعاون المؤسسي، تُوِّجت بإعادة تفعيل مجلس التعاون الإستراتيجي الرفيع المستوى وتوقيع 15 مذكرة تفاهم تغطي مجالات سياسية واقتصادية وثقافية.

من جانبه، أوضح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أن الاجتماع الأول لمجلس التعاون الإستراتيجي الرفيع المستوى، الذي استضافته أنقرة في الرابع من سبتمبر/أيلول 2024، شكّل نقطة تحوّل بارزة في مسار العلاقات التركية المصرية، إذ أرسى قواعد مؤسسية جديدة للتعاون بين البلدين.

وعقد عبد العاطي سلسلة لقاءات بعدد من كبار المسؤولين الأتراك على هامش الزيارة، أبرزها اجتماعه مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مقر حزب العدالة والتنمية.

هاكان فيدان وبدر عبد العاطي يترأسان الاجتماع الأول لمجموعة التخطيط المشتركة- الخارجية التركية 1
الوزيران هاكان فيدان (يمين) وبدر عبد العاطي يترأسان الاجتماع الأول لمجموعة التخطيط المشتركة (الخارجية التركية)

تعاون وشراكة

وركّزت المباحثات بين الجانبين على سبل تعزيز التعاون الثنائي في مختلف المسارات السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية، بما يعكس الإرادة المشتركة لتأسيس شراكة إستراتيجية شاملة بين البلدين.

إعلان

وفي الجانب الاقتصادي، بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال 2024 نحو 9 مليارات دولار بزيادة بلغت 11% مقارنة بالعام السابق، مما يعكس قوة العلاقات الاقتصادية رغم التحديات الإقليمية.

وتعمل تركيا على رفع هذا الرقم إلى 15 مليار دولار خلال السنوات القليلة المقبلة، مستندة إلى كون مصر أكبر شريك تجاري لها في أفريقيا، وإلى الدور المتنامي للشركات التركية العاملة في السوق المصرية، والتي تسهم بتوفير فرص عمل واسعة ودعم القدرات الإنتاجية المحلية.

وفي السياق، يجري الإعداد لعقد منتدى اقتصادي مشترك يجمع رجال الأعمال والمستثمرين من البلدين بهدف تعزيز الشراكات الاستثمارية وتحفيز المشاريع المشتركة.

وفي ملف النقل، اتفق البلدان على توسيع نطاق التعاون في هذه القطاعات الإستراتيجية عبر تطوير شبكات النقل وتعزيز ترابط البنية التحتية بينهما، بما يُسهل حركة التجارة وتكامل سلاسل الإمداد.

أما في مجال التعاون العسكري والصناعات الدفاعية، فأكد الجانبان التزامهما بتكثيف الحوار العسكري وتبادل الزيارات بين المسؤولين، إلى جانب تعزيز التدريبات المشتركة بين القوات المسلحة في البلدين.

غزة والإقليم

كما جاءت القضايا الإقليمية في صدارة مباحثات أنقرة، حيث برز ملف غزة بوصفه أحد أهم محاور التنسيق التركي المصري.

وجددت أنقرة، عبر تصريحات هاكان فيدان، تأكيدها على موقفها الثابت الداعم لحقوق الشعب الفلسطيني، وأشار الوزير التركي إلى أن أنقرة تعتزم تسخير كافة إمكاناتها للمساهمة في إنشاء مناطق إيواء مؤقتة في قطاع غزة والمشاركة بقوة في مرحلة إعادة الإعمار، مؤكدا دعم تركيا الكامل للمؤتمر الدولي المقرر عقده في مصر بهذا الشأن.

كما أوضح أن بلاده تعمل مع شركائها، وفي مقدمتهم مصر، على الدفع نحو قرار من مجلس الأمن يحدد الترتيبات الإدارية والأمنية في القطاع، مع ضرورة تحديد نطاق عمل قوة الاستقرار الدولية المقترحة بحيث تلتزم بتفويض يقتصر على حفظ السلام لا فرضه.

وفي الملف السوداني، أبدى الجانبان توافقا كاملا حول ضرورة التوصل إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار، ورفض أي تحركات من شأنها إطالة أمد النزاع أو تهديد وحدة السودان وسلامة أراضيه، واتفق الطرفان على أن الحل السياسي الشامل يظل المسار الوحيد القادر على إنهاء الأزمة وإعادة الاستقرار للبلاد.

وبشأن ليبيا، جدّدت تركيا ومصر التزامهما المشترك بدعم وحدة  الأراضي الليبية وسيادتها، مؤكدتين أهمية الدفع نحو حوار ليبي داخلي برعاية الأمم المتحدة يمهّد لتحقيق المصالحة الوطنية وتوحيد المؤسسات الليبية.

أردوغان يستقبل وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي- الرئاسة التركية
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يستقبل وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مما عكس أهمية الزيارة (الرئاسة التركية)

شراكة الضرورة

من جهته، يرى الأكاديمي السياسي محمد يوجا أن زيارة وزير الخارجية المصري لأنقرة تأتي في لحظة تشهد فيها العلاقات التركية المصرية انتقالا واضحا من التطبيع إلى مرحلة تعاون إستراتيجي يمس توازنات الإقليم.

ويؤكد أن البلدين، بوصفهما قوتين محوريتين في العالم الإسلامي والشرق الأوسط، يملكان قدرة على التأثير في خرائط النفوذ الممتدة من قطاع غزة إلى شرق المتوسط وأفريقيا.

إعلان

ويقول يوجا للجزيرة نت إن حرب غزة دفعت أنقرة والقاهرة إلى تنسيق أوثق في ملفات اتفاق وقف إطلاق النار والمساعدات والضغط الإقليمي، مما أعاد تشكيل علاقة كانت تتسم بالتنافس منذ الربيع العربي.

أما بالنسبة لتركيا، فيكتسب التقارب مع مصر، وفق يوجا، أهمية خاصة في إعادة صياغة معادلات شرق المتوسط وكسر العزلة التي فرضها محور اليونان قبرص مصر، إضافة إلى توسيع نفوذها في البحر الأحمر وشرق أفريقيا عبر الشراكة مع القاهرة.

ويخلص إلى أن الظروف الإقليمية والدولية من التحولات في الدور الأميركي إلى صعود قوى دولية جديدة دفعت البلدين نحو ما يسميها "شراكة الضرورة"، معتبرا أن تركيا ومصر قادرتين، إذا تعاونتا، على تشكيل قوة إقليمية جديدة تتجاوز حدودهما الثنائية.

أما المحلل السياسي مراد تورال، فيرى أن أنقرة والقاهرة تتقاربان اليوم في معظم الملفات الإقليمية، رغم بعض التباينات التكتيكية.

ففي قطاع غزة، يتشارك البلدان هدف تثبيت وقف إطلاق النار وضمان المساعدات ورفض تهجير الفلسطينيين، وفي ليبيا تراجع الخلاف لصالح دعم مسار سياسي يحفظ وحدة البلاد، أما في القرن الأفريقي، فثمة إدراك متبادل بأن أمن البحر الأحمر يتطلب تنسيقا لا تنافسا.

ويؤكد تورال أن هذا التقارب يُمهّد لتعاون إقليمي أوسع، شريطة ضبط الخلافات وتوسيع المصالح المشتركة وتفعيل قنوات حوار مؤسسية، وإذا تحقق ذلك، يمكن لتركيا ومصر الانتقال من توازن حذر إلى شراكة مؤثرة تعيد تشكيل التوازنات في المنطقة.

0 تعليق