Published On 14/11/202514/11/2025
|آخر تحديث: 21:26 (توقيت مكة)آخر تحديث: 21:26 (توقيت مكة)
تحرير الفيديو مهارة صحفية قد تبدو بالنسبة لكثير من المتابعين بسيطة، لكنها خلال الأشهر القليلة الماضية كانت وراء تسوية قانونية بقيمة 16 مليون دولار في شبكة "سي بي إس" الأميركية، وتغيير طريقة عرض المقابلات المصوّرة في برنامج "فيس ذا نيشن" الشهير على الشبكة، وأخيرا استقالة اثنين من كبار مديري هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي).
أما القاسم المشترك الآخر في جميع القضايا السابقة فهو الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وفق تقرير لوكالة أسوشيتد برس سلط الضوء على استغلال ترامب أخطاء مهنية شائعة كان يكفي تصويبها والاعتذار عنها في الماضي.
وتترنح هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) هذا الأسبوع في أعقاب استقالة مديرها العام تيم دافي، ورئيسة قسم الأخبار ديبورا تورنيس، وسط اتهامات بالتحيز في تحرير الفيلم الوثائقي الذي أُنتج العام الماضي بعنوان "ترامب: فرصة ثانية".
واعترفت "بي بي سي" بأن منتجي الفيلم ربطوا بين مقتطفات من أجزاء مختلفة من الخطاب الذي ألقاه ترامب قبل اقتحام مبنى الكابيتول في 6 يناير/كانون الثاني 2021، لجعله يبدو وكأنه يحرض بشكل مباشر على العنف.
استقالة مدير “بي بي سي” عقب اتهامات بـ”التضليل”.. ما علاقة خطاب ترامب؟ pic.twitter.com/UtZGZxSL0W
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) November 10, 2025
انتهى عهد التصويب والاعتذار
وفيما مضى، كان من المرجح أن تؤدي حلقة "بي بي سي" إلى اعتراف سريع بالخطأ وتصحيحه واعتذار عنه، وكان الجميع يتجاوزون الأمر، بحسب مارك لوكاسيفيتش المدير التنفيذي السابق لـ"إن بي سي نيوز" والعميد الحالي لكلية الاتصالات بجامعة هوفسترا.
وقال "لكن في عصر أصبح فيه كل قرار تحريري يُتخذ في غرفة الأخبار تحت المجهر ويمكن استخدامه كسلاح لأغراض سياسية، لا بد أن يكون هذا الأمر مدعاة لحذر شديد في غرف الأخبار في جميع أنحاء العالم الآن".
إعلان
وتشير أسوشيتد برس إلى أن التشكيك في عمليات التحرير عموما هو أداة أخرى يستخدمها ترامب للرد على الصحفيين الذين يثيرون استياءه، فقد قيّد وصول وكالة أسوشيتد برس بعد رفضها اتباع خطاه في إعادة تسمية خليج المكسيك، ورفع دعاوى قضائية ضد وسائل إعلام مثل "نيويورك تايمز" و"وول ستريت جورنال"، وجرّد الإذاعة العامة من التمويل لأنه لا يحب تغطيتها الإخبارية.
وتماما كما يبحث الصحفيون في وسائل الإعلام الورقية عن الاقتباس المثالي، غالبا ما يسعى محررو الفيديو لتحديد اللقطات التي ستعزز القصة، غير أنهم أحيانا لا يجدون الصورة المثالية، أو لا تكون المقتطفات موجزة ومباشرة بالقدر الذي تطلبه وسيلة إعلامية لديها سقف زمني محدد لا يمكن تجاوزه، مما يؤدي إلى إغراء إعادة ترتيب اللقطات والوقوع في التلاعب.
خطأ المونتاج في "بي بي سي"
ونشرت صحيفة تلغراف مذكرة داخلية في شبكة "بي بي سي" أعدّها مايكل بريسكوت، مستشار خارجي سابق للجنة المعايير التحريرية في الشبكة، وأشارت إلى أن محرري برنامج بانوراما -أطول سلسلة تحقيقات تلفزيونية- ضللوا المشاهدين خلال حلقة بُثت في أكتوبر/تشرين الأول 2024.
وتضمن البرنامج آنذاك خطابا لترامب يقول فيه "سنسير إلى مبنى الكابيتول، وسأكون هناك معكم، وسنقاتل، سنقاتل بكل قوتنا"، في إشارة إلى تحريض أنصاره على العنف، لكن الجملتين الثانيتين من هذا الاقتباس قيلتا في الأصل بعد الجملة الأولى بقرابة ساعة.
والواقع أنه قال "سنسير إلى مبنى الكابيتول، وسنشجع أعضاء مجلس الشيوخ والكونغرس الشجعان"، وأوصى ترامب مؤيديه بأن يعبروا عن آرائهم "بشكل سلمي ووطني"، وهو ما حُذف من البرنامج.
وتقول جيمي هوسكينز أستاذة مادة تحرير الفيديو في جامعة سيراكيوز إنها تؤكد لطلابها مرارا وتكرارا على أهمية عدم التضليل، وتضيف "أتحدث عن ذلك في كل فصل دراسي على كل المستويات، لا تسيء تفسير ما يقوله الناس أو تغيّر معناه من خلال تجميع الأشياء معا".
ويزيد انتشار مقاطع الفيديو -التي أصبحت أقصر وأسرع- على تيك توك وإنستغرام من الضغط على الصحفيين، كما تُعدّ قدرة الذكاء الاصطناعي على إنتاج مقاطع فيديو مزيفة تماما تعقيدا آخر.
"لقد تحدثت بنبرة سيئة".. ملاسنة على الهواء بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وصحفي أسترالي pic.twitter.com/Qv9OWIYSiI
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) September 16, 2025
السياسيون يترقبون الأخطاء
وأما في شبكة "سي بي إس" التي غرّمها ترامب بمبلغ 16 مليون دولار، فقد بثت تقريرين مختلفين في برنامجي "60 دقيقة" و"فيس ذا نيشن"، يصوران كامالا هاريس نائبة الرئيس السابق جو بايدن وهي تعطي إجابتين مختلفتين على سؤال بشأن الحرب في الشرق الأوسط، مما دفع الرئيس إلى اتهام الشبكة بعدم المصداقية عبر تعديل المقاطع.
وقالت الشبكة آنذاك إن كلا الردين كانا جزءا من إجابة هاريس المطولة على السؤال نفسه، ودافعت عن ذلك باعتباره تحريرا روتينيا، لكن ذلك أعطى ترامب فرصة لاتهامها بأن ذلك جرى لصالح حملة هاريس في الانتخابات الرئاسية العام الماضي.
ويقول لوكاسيفيتش "لا أعتقد أن الممارسات والمعايير أسوأ اليوم مما كانت عليه قبل بضع سنوات"، مؤكدا أن عواقب الأخطاء أصبحت أكثر خطورة مما كانت عليه في الماضي بسبب قدرة السياسيين واستعدادهم لاستغلالها.
إعلان
ويلفت الخبير الإعلامي إلى أن الشبكات الإخبارية غالبا ما تنهي الجدل المحتمل حول تحرير الفيديو عبر نشر نصوص كاملة وغير محررة للمقابلات الرئيسية على الإنترنت، وذلك ما فعلت شبكة "سي بي إس نيوز" مطلع الشهر الجاري عندما بثت مقابلة مسجلة مسبقا ومحررة مع ترامب.
لكن الشبكة -يضيف لوكاسيفيتش- لم تنشر نص مقابلة هاريس لأكثر من ثلاثة أشهر حتى رفع ترامب دعوى قضائية وبدأت لجنة الاتصالات الفدرالية "إف سي سي" (FCC) تحقيقا في قسم الأخبار.

0 تعليق