وقف أفغانستان التجارة مع باكستان.. قرار إستراتيجي أم مغامرة اقتصادية؟ - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي

share2

كابل – في خطوة غير مسبوقة، أعلنت الحكومة الأفغانية وقف جميع أشكال التبادل التجاري مع باكستان، في قرار وُصف بأنه تحوّل جذري في سياسة كابل الاقتصادية و"رسالة حازمة" إلى إسلام آباد.

وشمل القرار وقف استيراد السلع الغذائية ومواد البناء والمنتجات الصناعية، بما فيها الأدوية الباكستانية التي كانت تشكّل أكثر من 40% من احتياجات السوق الدوائية في أفغانستان.

وقد أثار هذا التحوّل جدلا واسعا في الأوساط الاقتصادية والسياسية، ووُصف بأنه الأكثر جرأة نظرا لتداعياته الثقيلة على الاقتصادين الأفغاني والباكستاني، مقابل ما يفتحه من فرص أمام الاقتصاد الأفغاني الساعي للتحرر من التبعية وتعزيز استقلاله التجاري.

وتصاعد التوتر بين البلدين منذ اشتباكات حدودية دامية الشهر الماضي، في حين تهدد إسلام آباد باتخاذ إجراءات إذا استمرت الهجمات، في وقت تتعثر فيه مفاوضات التهدئة بين الجارتين.

قرار إستراتيجي

من الناحية السياسية، يرى المراقبون في أفغانستان أن الخطوة الأفغانية رسالة قوة إلى إسلام آباد التي كانت تعتمد على موقعها الجغرافي كورقة ضغط، وأن القرار يمثل ردا اقتصاديا محسوبا ينقل المواجهة من الجانب السياسي إلى الاقتصادي، في سابقة بتاريخ العلاقة بين البلدين.

ويؤكد الخبير الاقتصادي رحمت الله بشتين للجزيرة نت أن "القرار يمثل نقطة تحول إستراتيجية في تاريخ الاقتصاد الأفغاني، إذ يحوّل ورقة التجارة من أداة تبعية إلى أداة سيادة.

ورأى أن كابل أعادت تعريف التوازن الإقليمي عبر الاقتصاد، وليس عبر السياسة فقط، وأن القرار يضع باكستان أمام أزمة اقتصادية متعددة الأبعاد، وسيؤدي إلى توقف مئات المصانع عن العمل، في مدن باكستانية"، مضيفا أن الضرر سيكون مباشرا على الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تعتمد على السوق الأفغاني.

من جانبه، قال الخبير الباكستاني زاهد صافي، المتخصص في شؤون التصدير، إن "حوالي 20% من صادرات الصناعات الغذائية والدوائية الباكستانية كانت تتجه إلى أفغانستان، ووقفها المفاجئ سيؤدي إلى بطالة تتجاوز عشرات الآلاف"، وذلك من خلال التواصل معه هاتفيا.

مخاطرة وآفاق جديدة

ويرى خبراء الاقتصاد أن القرار، رغم مخاطره القصيرة المدى، يفتح أمام أفغانستان آفاقا جديدة للتنويع التجاري والإنتاج المحلي. وبدأت الحكومة خطوات لتعزيز التعاون مع إيران وأوزبكستان وتركمانستان وطاجيكستان، إضافة إلى توسيع استخدام موانئ تشابهار وبندر عباس بدل الموانئ الباكستانية.

إعلان

ويقول وزير التجارة الأفغاني السابق أنوار الحق أحدي للجزيرة نت: "بسبب السياسات الباكستانية، اضطرت الحكومة الحالية لاتخاذ هذه الخطوة، وهذا التحول سيمنح أفغانستان مرونة جغرافية وإستراتيجية ويقلل من اعتمادها على ممر واحد، وباكستان تخسر نحو 60% من السوق الأفغاني".

الدواء أول الضحايا

وتحتاج أفغانستان سنويا إلى ما يقارب مليار دولار من الأدوية، في حين يُستورد أكثر من 70% منها من الخارج. وتُعد باكستان أحد أبرز المورّدين، إذ تصدّر وحدها أدوية جاهزة للاستهلاك بقيمة تتراوح بين 50 و55 مليون دولار سنويا.

ويقول نائب رئيس الوزراء الأفغاني الملا عبد الغني برادر إن "استيراد الأدوية من باكستان يجب أن يُحوَّل بالكامل إلى دول أخرى"، داعيا "التجار إلى تسوية حساباتهم ومعاملاتهم التجارية مع باكستان خلال فترة محددة"، وقال: "قد تلقينا شكاوى المواطنين بشأن ضعف الجودة وارتفاع الأسعار".

ويضيف عبد الرحمن نورزي، رئيس اتحاد شركات الأدوية في كابل، أن "توقّف استيراد الأدوية الباكستانية أجبرنا على التحرك سريعا نحو بدائل جديدة، وبدأنا مفاوضات مع شركات في تركيا والهند وإيران لتأمين الاحتياجات المحلية، وهذه الأزمة قد تكون بوابة لإحياء صناعة الدواء في أفغانستان بدل الاعتماد على الخارج".

A line of cargo trucks bound for Pakistan is stranded on the Afghan side of the Torkham border crossing, which remained closed after clashes, in Nangarhar province, Afghanistan, Tuesday, Oct. 14, 2025. (AP Photo/Wahidullah Kakar)
عشرات شاحنات البضائع عالقة على الجانب الأفغاني من معبر طورخم بسبب إغلاقه من قبل باكستان (أسوشيتد)

تبادل تجاري

ووفق بيانات رسمية، بلغ حجم التبادل التجاري بين أفغانستان وباكستان نحو ملياري دولار سنويا في 2024؛ إذ صدّرت باكستان منتجات بقيمة 1.39 مليار دولار إلى أفغانستان، في حين بلغت الصادرات الأفغانية نحو 600 مليون دولار فقط. وتعدّ باكستان أكبر شريك تجاري لكابل لعقود، وممرها البري هو المنفذ الأكبر لوارداتها وصادراتها.

أما قرار كابل الأخير بوقف التجارة والترانزيت فقد قلب المعادلة، إذ جمّد فعليا سوقا تصديرية تقترب من ملياري دولار سنويا، مهددا الاقتصاد الباكستاني بخسائر فورية في قطاعات الغذاء والأدوية ومواد البناء، ومؤثرا في الوقت نفسه على إمدادات أساسية للسوق الأفغاني التي تعتمد على باكستان في أكثر من 40% من وارداتها الحيوية.

ويقول وكيل وزارة التجارة السابق مزمل شينواري إن "القرار لا يقتصر على كونه خطوة سياسية، بل هو تحوّل اقتصادي إستراتيجي قد يعيد رسم خريطة التجارة في جنوب آسيا، مع سعي كابل إلى فتح مسارات بديلة عبر إيران وآسيا الوسطى، في خطوة تحمل مكاسب طويلة المدى، لكنها لا تخلو من مخاطر تضخم ونقص في السلع الأساسية داخل أفغانستان على المدى القصير".

Peshawar, Pakistan- 23 Feb 2021 Aerial View of Bab e khyber at the entrance of khyber pass. It connects Landi Kotal to Peshawar. The Backbone of Pakistan Afghanistan trade.; Shutterstock ID 1923594344; purchase_order: aj; job: ; client: ; other:
منظر لبوابة خيبر التي تربط الحدود الباكستانية بالأفغانية والتي تعتبر عصب التجارة بين البلدين (شترستوك)

حرمان التجار

وانتقد وزير المالية الأسبق عمر زاخيلوال القرار، معتبرا أنه يضرّ بمصالح التجار الأفغان ويمسّ بحقوق البلاد كدولة حبيسة.

وقال زاخيلوال للجزيرة نت "إنّ أفغانستان، بصفتها دولة لا تملك منفذا بحريا، تمتلك حقا قانونيا في استخدام الممرات والموانئ الباكستانية بموجب الاتفاقيات الدولية، وهذا الحق ليس منحة من باكستان، بل حق مشروع تكفله القوانين والاتفاقيات التجارية الثنائية ومتعددة الأطراف".

إعلان

وأوضح أن حرمان التجار من استخدام الموانئ الباكستانية بسبب التوترات السياسية يُعدّ انتهاكا لمبدأ حرية العبور الدولي، مشددا على أنّ من واجب الحكومة الدفاع عن هذا الحق وحماية مصالح التجار بدل "إجبارهم على التخلي عنها".

0 تعليق