في تطور لافت يكشف عمق الحرب الإعلامية المتوازية مع العمليات العسكرية في السودان، أثارت صور ومقاطع فيديو ضجة دولية بعد أن نشرها نشطاء أجانب.
هذه المواد، التي زعم ناشروها أنها توثق "جثثا متكدسة" في ميناء سواكن، أثارت موجة غضب واسعة، قبل أن يكشف التدقيق والتحقق العكسي أنها في الواقع لقطعان مواش وأغنام معدة للتصدير.
لكن القصة لم تنته عند حد تصحيح المعلومة؛ فقد وجهت مصادر مطلعة اتهامات للجيش السوداني بالوقوف خلف هذا "التضليل المتعمد".
وتشير الاتهامات إلى أن الجيش، الذي يسيطر على الميناء الاستراتيجي، قام بتوظيف أولئك النشطاء لترويج رواية "المجزرة" المفبركة كجزء من سياسة تضليل مدبرة.
الحرب واستغلال المعاناة
يأتي هذا الجدل في وقت يعيش فيه السودان أزمة إنسانية طاحنة ومستمرة. فالشعب السوداني يعاني من ظروف قاسية جراء النزاع المستمر، وهو ما يجعل الرأي العام العالمي متأهبا لتصديق أي أنباء عن وقوع فظائع جديدة.
وتزامنت حادثة "صور سواكن" مع تحرك دولي جاد لتوثيق الانتهاكات الحقيقية؛ حيث أقر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة مؤخرا تشكيل "لجنة تحقيق" دولية متخصصة في المجازر والانتهاكات الجسيمة المرتكبة في البلاد، خصوصا في إقليم دارفور ومدينة الفاشر.
ويرى مراقبون أن هذا السياق القانوني والإنساني الحساس هو ما يغذي "حرب الروايات"، ويجعل كل طرف يسعى لتسجيل نقاط إعلامية على حساب الآخر.
منطقة سواكن
تقع منطقة سواكن على ساحل البحر الأحمر، وتعد شريانا اقتصاديا حيويا، خاصة كمركز رئيسي لتصدير المواشي الحية إلى الخارج. ويشار إلى أن هذا الموقع الاستراتيجي يخضع لسيطرة القوات المسلحة السودانية.
وفي الأيام الماضية، انتشرت الصور الأولية كالنار في الهشيم على منصات التواصل الاجتماعي، مصحوبة بتعليقات حادة وغاضبة من نشطاء أجانب تحدثوا عن "فظائع" و "جثث مجهولة". لكن المدققين والصحفيين المستقلين قاموا بعمليات "بحث عكسي"، ليتبين بوضوح أن المشاهد تعود لقطعان ضأن وأغنام معدة للتصدير، متجمعة في حظائر الميناء.
الحرب النفسية واستغلال المتعاطفين
تسلط هذه الحادثة الضوء على المستوى المتقدم الذي وصلت إليه الحرب النفسية والإعلامية المرافقة للصراع العسكري في السودان.
فقد أصبح التضليل الإعلامي ونشر الأخبار الكاذبة سلاحا رئيسيا توظفه الأطراف المتنازعة للتأثير على الرأي العام المحلي والدولي.
كما تطرح الواقعة تساؤلات جدية حول آليات التحقق التي يتبعها النشطاء الدوليون قبل تبني روايات معينة.
وتظهر مدى سهولة استغلال هؤلاء المتعاطفين والمناصرين، وتوجيههم، سواء عن قصد أو دون وعي، لخدمة أجندات سياسية وعسكرية معقدة.
وفي نهاية المطاف، فإن مثل هذه الحوادث تعقد المشهد الإنساني أكثر، وتجعل مهمة الوصول إلى الحقيقة، وتوثيق الانتهاكات الفعلية، أمرا أكثر صعوبة وتحديا.

0 تعليق