حظي النجم الفرنسي نغولو كانتي بألقاب عديدة، على مدار مسيرته الاحترافية الحافلة الممتدة لـ 14 عاماً، لعل أشهرها "نغولينيو" الذي أطلقه عليه زميلاه السابقان في تشيلسي إيدين هازارد وسيسك فابريغاس.
وإضافة اللاحقة "ينيو" (inho-) إلى الأسماء هي عادة لغوية وثقافية برتغالية بالأساس، وتنتشر بشكل هائل في البرازيل.
وتتشابه لاحقة "ينيو" مع لقب "جونيور" في الثقافة الغربية للإشارة إلى الصغير، لكنهما يختلفان في الاستخدام، لأن اللاحقة اللاتينية تستخدم لإظهار المودة والقرب من الشخص، حتى لو لم يكن صغيراً في الحجم.
وإذا أراد الزملاء الحاليون لنغولو كانتي في نادي الاتحاد أو المنتخب الفرنسي وصف حالته الراهنة بدقة، فعليهم منحه لقباً جديداً، وهو "ساعي البريد" (أو Le Facteur بلغته الأم)؛ لأنه ببساطة يوصل "المطلوب" دائماً وفي الوقت المحدد.
ويرتبط ساعي البريد في الثقافة الغربية، بالشعار التاريخي غير الرسمي للخدمة البريدية الأمريكية المقتبس من المؤرخ اليوناني هيرودوت، القائل: "لا ثلج، ولا مطر، ولا حر، ولا ظلام الليل يمنع هؤلاء السعاة من إتمام جولاتهم بأقصى سرعة".
في السعودية، واصل ذو الـ 34 ربيعًا عاداته القديمة (ترك كرة القدم تتحدث نيابة عنه) منذ وصوله ضمن أبرز الأسماء العالمية إلى دوري روشن السعودي في صيف 2023.
ورغم أن شخصيته الخجولة والمتحفظة تجعله بعيداً عن الأضواء مقارنة بنجوم مثل كريستيانو رونالدو، وكريم بنزيما، أو نيمار، إلا أن أداءه داخل المستطيل الأخضر لا يقبل الجدل.
ولم يترك ذلك الثبات المذهل في المستوى مع فريقه الاتحاد، خياراً أمام ديديه ديشامب، مدرب منتخب فرنسا، سوى استدعائه مجدداً للمباراة الحاسمة في تصفيات كأس العالم 2026 ضد أوكرانيا، لينهي بذلك غياباً دولياً دام عاماً كاملاً.
وبرر ديشامب قراره قائلاً: "إنه في أفضل حالاته في المباريات التي شاهدته يلعبها؛ هو يلعب كل ثلاثة أو أربعة أيام".
وحين كان المنتخب الفرنسي بحاجة لتجنب الهزيمة لضمان التأهل، وقف كانتي في ليلة حاسمة بملعب "بارك دي برانس"، شامخاً كعادته. وقاد "الديوك" لفوز عريض 4-0 حجزوا به مقعدهم في المونديال للمرة الـ17، وتوج بعدها بجائزة "رجل المباراة".
الأرقام التي سجلها كانتي في تلك الليلة -وهو الذي لم يلعب دولياً منذ 364 يوماً- كانت استثنائية:
84 تمريرة ناجحة (الأكثر في المباراة).
%100 دقة في الكرات الطويلة.
%100 نجاح في المراوغات.
9 استعادات للكرة و4 تدخلات ناجحة.
صناعة هدف واحد (تمريرة حاسمة).
بالعودة إلى جدة، يظهر تأثير كانتي جلياً في نجاحات الاتحاد. فقد شكل شراكة حديدية في خط الوسط مع فابينيو (خصمه السابق في ديربيات إنجلترا). وتكشف الإحصائيات أن كانتي هو العنصر الأهم في منظومة الفريق رغم تعاقب المدربين وتغير الخطط:
الأكثر لمساً للكرة: نفذ ما يقارب 4,500 تمريرة منذ وصوله (بفارق 1000 تمريرة عن أقرب ملاحقيه فابينيو).
الجدار الدفاعي الأول: يتصدر قائمة لاعبي الاتحاد في عدد التدخلات الناجحة بـ 168 تدخلاً.
يظل كانتي الجنرال الذي يستند عليه الاتحاد؛ سواء كان يبني الهجمات بتمريرات سريعة للمهاجمين أو يحبط هجمات المنافسين.
ورغم أنه سيحتفل بعيد ميلاده الـ35 في مارس المقبل، إلا أنه من الصعب تخيل طائرة المنتخب الفرنسي المتجهة إلى الولايات المتحدة وكندا والمكسيك صيف 2026 دونه.
يظل نغولو كانتي وفياً لأسلوبه؛ سواء كان يرتدي القميص الأزرق لفرنسا أو المقلم بالأصفر والأسود للاتحاد، هادئ خارج الملعب، شرس وحاسم داخله، و"ساعي بريد" لا يُخيب الظن أبداً.

0 تعليق