تشير الدلائل والوقائع إلى أن فترة ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب الثانية تختلف جوهريا عن الأولى من حيث طبيعة القرارات وسرعة تنفيذها، إذ بات الرئيس محاطا بفريق “يضخم أفكاره بدلا من تهذيبها”.
وكشف الكاتب الأميركي توماس فريدمان، صاحب أحد أهم الأعمدة السياسية في صحيفة نيويورك تايمز، عن الفارق الجوهري بين ولاية الرئيس ترامب الأولى والثانية.
وأوضح فريدمان -في حديثه لبرنامج "من واشنطن"- أن ترامب في عهده الأول كان محاطا بمستشارين يحدون من أفكاره، بينما بات الآن محاطا بـ"مكبرين" يضخمون هذه الأفكار ويحولونها إلى سياسات فورية.
وضرب مثالا عن هذا التحول، إذ قد يسمع ترامب في ولايته الأولى اقتراحا عابرا حول إخراج الفلسطينيين من غزة، فيأتي كبير موظفيه لينصحه بالتروي والبحث أولا قبل اتخاذ القرار.
وفي سياق متصل، سلط فريدمان الضوء على الواقع المختلف تماما بالولاية الثانية، وأبرز أن ترامب الآن يذهب مباشرة إلى البيت الأبيض بعد سماع أي فكرة، فيجد فريقا يضخمها ويكبرها بدلا من تهذيبها، ثم ينشرها فورا كخطة رسمية دون أي مراجعة أو تمحيص.
ووصف الكاتب الأميركي الرئيس بأنه يعمل بسياسات خاصة، تجعله قادرا على إبرام صفقات لم يكن من الممكن تصورها مع رؤساء سابقين، مثل السماح لمساعديه أو صهره جاريد كوشنر بالتواصل مع حركة حماس للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة.
وفي 29 سبتمبر/أيلول 2025، أعلن ترامب ما سماها "خطة سلام" تتألف من 20 بندا، تضمنت الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين في غزة ووقف النار ونزع سلاح حركة حماس، قبل الإعلان عن اتفاق بشأن المرحلة الأولى منها في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول 2025.
الجوانب الإيجابية والسلبية
وعرض الكاتب الجانب الإيجابي والسلبي لهذه السياسات الخاصة في آن واحد، فأوضح أن الإيجابي يتمثل في القدرة على تحقيق اختراقات غير تقليدية، بينما يتجلى السلبي في عدم الاستقرار والملل السريع من المتابعة والتنفيذ الكامل للاتفاقات.
وعلى صعيد الأمثلة العملية، ذكر فريدمان أن ترامب تمكن من إنجاز المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار في غزة، وهو إنجاز مهم ومؤثر.
لكن الكاتب نبه إلى أن المرحلة الأولى من اتفاق غزة تستند إلى الغموض "فيقبل كل طرف تفسيره الخاص للاتفاق".
وتواجه خطة ترامب في قطاع غزة تجاذبات لا يمكن أن يحفظ توازنها سوى قدرة الولايات المتحدة على كبح جماح إسرائيل حتى لا يتم الفشل في تنفيذ مخرجاتها، كما يقول فريدمان.
ورغم سريان وقف إطلاق النار منذ العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 2025، فإن الانتهاكات الإسرائيلية تواصلت بوتيرة مرتفعة، إذ نتج عنها ما لا يقل عن 250 شهيدا.
لكن فريدمان يلفت إلى أن التوصل إلى المرحلة الثانية وصولا إلى دولة فلسطينية يتطلب وضوحا وتنازلات كبيرة من الجانبين، وهو ما يثير الشك حول التزام ترامب به.
الشرق الأوسط
من جهة أخرى، تناول فريدمان العلاقة الأميركية مع الشرق الأوسط، إذ أكد أن أميركا لم تتخل عن المنطقة ولا تستطيع تحمل ذلك.
ونوه إلى أن هناك 3 أنواع من الشرق الأوسط في التفكير الأميركي:
إسرائيل كحليف تقليدي إستراتيجي. البلدان العربية الصديقة مثل قطر والإمارات والسعودية والمغرب ومصر. مجموعات العنف.وسلط فريدمان الضوء على تغير ميزان القوة في المنطقة، حيث كانت الشراكات الأميركية في الماضي تتركز على الأردن ومصر، بينما تحولت اليوم إلى دول الخليج.
وأكد أنه لو سنحت الفرصة لحدوث اختراق حقيقي من حيث السلام بين إسرائيل وفلسطين والبلدان المجاورة، فإن إدارة ترامب "ستنخرط فورا لصنع التاريخ".
وفي إطار رؤيته لخارطة الطريق نحو السلام، يرى فريدمان أن المنطقة تحتاج إلى تغيير نظام في 3 أماكن: طهران وتل أبيب والسلطة الفلسطينية، معربا عن قناعته بأن "قيادات مختلفة في هذه الأماكن الثلاثة ستؤدي حتما إلى سلام مختلف".
جدار ترامب
وعلى صعيد التحولات الداخلية في أميركا، رأى فريدمان أن ترامب نتاج مرحلة تاريخية شهدت تغيرا هائلا في السرعة.
وأوضح أن المواطن الأميركي خلال الـ25 عاما الماضية شهد تحولات جذرية في كيفية العمل والقيم الأخلاقية والمشاعر الاجتماعية، فجاء ترامب ليقول إنه يستطيع إيقاف رياح التغيير هذه.
وأشار الكاتب إلى أن بناء ترامب لهذا "الجدار" أدى واجبين رئيسيين: تعزيز الانقسام بين الأغلبية والأقلية، وتجسيد مركز قوة ترامب.
ولكن ضعف ترامب -وفقا لفريدمان- يكمن في أنه لا يمشي على القواعد، وهو ما رفضته الغالبية بالانتخابات الأخيرة التي أظهرت أن الناس يريدون التمسك بالدستور ولا يحبون نمط أن "يفعل المرء ما يشاء".
واختتم الكاتب الأميركي حديثه بتوصيف خاص للرئيس ترامب، فقال إن "الله خلق منه نموذجا واحدا فريدا" مؤكدا أن أميركا لم يكن لديها أبدا رئيس مثله، معربا عن أمله في ألا يكون هناك آخر مثله في المستقبل.
Published On 20/11/202520/11/2025
|آخر تحديث: 22:22 (توقيت مكة)آخر تحديث: 22:22 (توقيت مكة)

0 تعليق